وراء هجر السكان لبيوتهم، والملك الراحل الحسن الثاني يهجر قصره
توجد بيوت ومنازل وعقارات وقصور أيضا يشاع بأن سكانها هم من المخلوقات غير المرئية من جن وعفاريت وأشباح، فتتناسل الإشاعات أحيانا والتأكيدات أحيانا أخرى لتبلغ القاصي والداني، ولأن لا أحد يريد لنفسه العيش مع سكان غرباء يقاسمون حياته ومسكنه، تنخفض قيمة هذه العقارات فتبلغ أقل مستوياتها، وفي أحياء المغرب القديمة ومن أمام أشهر المساكن المسكونة إلا من "بشر" على حد زعم سكان الحي تجولت عربيات ورصدت الأراء وخرجت بهذا التقرير .
ملك يخرج من قصر مسكون وآخر يقطنه.
من أشهر المساكن الفخمة التي اشتهرت في المغرب بكونها تضم سكانا غير بني البشر هو قصر للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله والواقع في مدينة أكادير، ويعتبر من أكبر القصور الملكية بالبلاد. وانتشر بين الناس خبر أنه قصر مسكون بالجن الذي تنشط تحركاته بالليل خاصة، فكان الخدم الذين يقطنون القصر ويشرفون على تدبيره والعناية به من البستانيين والسائقين والطباخين والطباخات يسمعون أصواتا غريبة لأواني تتحرك أو لأبواب تُغلق أو لخطوات في أدراج وممرات القصر، فضلا عن أصوات أخرى شاعت بأنها لسكان القصر الأصليين بعد أن انتهت الأشغال الخاصة ببنائه.
وحاول الملك الراحل ـ وفق روايات الناس ـ بعد أن بلغه موضوع الجن الذي يقطن قصره الجديد أن يقوم بطرد هؤلاء الجن بواسطة "فقهاء" مختصين في هذا المجال، غير أنهم أكدوا له صعوبة إخراج هذه الكائنات من قصره؛ فقرر الملك هجر هذا القصر، كما شاع بين المغاربة أنه قصر له سكانه الخطيرون، ولم يدخل إليه الملك الراحل ليقيم فيه أبدا.
لكن بعد وفاته، تفقده الملك الحالي محمد السادس وصار يزوره كل مرة يذهب فيها إلى تلك المنطقة في الجنوب، بل وصار هذا القصر من أفضل وأحب القصور إليه، مما جعل الكثيرين يتساءلون عن مصير تلك الكائنات الجنية، إلى أين ذهبت وأين اختفت بعد أن صار الملك يستقر فيه بين الحين والآخر؟!
التخلص من العفاريت بهدم العقار
وفي مدينة الرباط بأحد أحيائها الآهلة بالسكان يوجد حمام تقليدي عمومي يذهب إليه الرجال والنساء للاستحمام، واشتهر هذا الحمام بسكن الكائنات الخفية والتي تحدث أصواتا غريبة كان يسمعها المستحمون، حيث كان البعض يقلل من أهمية تلك الأصوات خاصة صوت الماء وهو يُسكب أو أصوات ضحكات سيما حين يسدل الليل ستاره، وكان البعض الآخر يصاب بالذعر والهلع، فقرروا عدم التوجه إلى الحمام فور سماعهم بحكايات هذه الكائنات.
وتناسلت القصص المرعبة عن هذا الحمام رغم عدم إصابة أي شخص من زبنائه بمكروه، فقد كان "الجن" يقوم بأنشطته الاعتيادية دون أن يلمس أحدا بسوء، غير أن الناس كانوا يخشون على أنفسهم من ضرر معين سيما أن الاستحمام يقتضي التعري، وهو ما يشكل سببا إضافيا للتخوف. وهكذا، صار الإقبال على هذا الحمام يقل يوما عن يوم إلى أن أغلق المالك الحمام نهائيا بسبب عزوف الناس على الإقبال عليه بعد أن كان أكبر وأفضل حمام في الحي كله.
وبسبب حكايات الجن الذي يستحم في الحمام وأصواتهم التي تظل تتردد في أروقة وبيوت الحمام، لم يستطع أحد أن يشتري الحمام رغم أن صاحبه قدم سعرا مغريا رخيصا حتى يتخلص منه، وظل الحمام مغلقا لسنوات عديدة، إلى أن جاء أحد التجار ـ قبل أشهر ـ لشراء الحمام لكن ليس بغرض استعماله، بل هدمه عن آخره وجعله مقرا تجاريا لبيع الأثاث المنزلي الفاخر، لعل في ذلك فرصة للتخلص النهائي من تلك الكائنات التي أزعجت راحة المستحمين لسنوات عديدة..
سيدة ترفض مغادرة المنزل بدافع أنها سكنته قبل العفريت
وفي أحد أحياء الدار البيضاء، يوجد بيت السيدة كريمة والذي عرف زائرا من نوع خاص قبل بضعة أشهر، حيث يقوم "الجني" بإضرام النار في بعض زوايا المنزل أو يكسر الأواني أو يغلق الأبواب بقوة، فصار أفراد الأسرة لا يستطيعون المبيت وكانوا يتفرقون على مختلف غرف المنزل لمراقبة ما سيحدث مع الحرص على عدم إطفاء الأضواء في الليل وإلا حدث المكروه.
وهكذا تحولت حياة أسرة كريمة إلى جحيم لا يطاق خاصة في الليل، لكن رغم كل ما حدث لهم فهي تصر على أنها لن تغادر وأفراد أسرتها منزلهم قط، بل هي مصرة على أن الجني هو الأولى بالمغادرة لأنهم سكان البيت منذ سنوات الستينيات من القرن الماضي دون أن يقع لهم سوء، لهذا فهم يحرصون جميعا على ترديد الآيات القرآنية والأدعية والدعاء لله لعل الجني يغادر بيتهم بدون رجعة.
وفي قصة مشابهة أخرى، عانى سكان أحد المنازل بحي شعبي بالرباط من مشاركة "جني" لمنزلهم، فقد كانوا يسمعون صرير الأبواب كأن أحدا ما يفتحها سيما في الليل حين يخلد أفراد الأسرة إلى النوم وتقل الحركة في المنزل وينقص الضجيج من الحي؛ حينها يسمعون بشكل واضح صرير الأبواب وهي تُفتَح وتُغلَق، وأيضا أصوات أقدام تمشي دون أن يروا شيئا من ذلك، فاستحالت حياة الأسرة في ذلك المنزل إلى جحيم رغم محاولات رب العائلة المتكررة لقراءة القرآن الكريم في أرجاء البيت لعل ذلك يكون حصنا لهم من أي أذى محتمل. ولما صارت حياتهم صعبة وتوترت أعصابهم بسبب ذلك، غادروا المنزل مكرهين. ولم يستطع أحد أن يقطن في ذلك البيت بسبب انتشار الخبر خاصة في حي شعبي تكثر وتتشعب فيه العلاقات الاجتماعية..
وتعرض منزل آخر في ضواحي المدينة إلى عدة مشاكل حيث لم يستطع العاملون في البناء من إتمام تشييده رغم مرور سنوات كثيرة على ذلك، حيث كانت تقع حوادث غريبة لكل من يعمل في بناء المنزل، إما وفيات أو انتقال العامل إلى مكان آخر، أو ضجر المهندس من إكمال الأشغال، فكانت تتأخر الأعمال في بناء هذا المنزل إلى درجة أنه سرت أخبار وشائعات قوية بين الناس والجيران بأن الأرض التي تُبنى عليها المنزل أصحابها من الكائنات الجنية التي لم تستسغ أن يبني أحد على أرضهم منزلا....
الجني الكافر يؤذي، والعلاج في الرقية الشرعية
ويعلق الشيخ عبد الباري الزمزمي على هذه الوقائع الغريبة، والتي يكون الجن بطلها متسببا في إيذاء قاطني البيوت، بأنه سمع وعلم بتلك الأحداث من خلال الصحف وتداول الناس لها، لكنها أحداث تحتاج إلى أدلة مادية دامغة" على حد قوله..
لكن عالم الدين المغربي عاد ليوضح في حديث لعربيات إلى أن الجن أنواع، فمنهم المؤمن والكافر والمطيع والعاصي مثل بني البشر، مصداقا لقول الله تعالى في سورة الجن: "وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا".
وأكد الزمزمي أنه بالفعل يمكن للجني أن يؤذي الإنسان بشتى أصناف الأذى خاصة حين يستجير بهم حيث قال الله تعالى: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا".
ويبين الزمزمي أن الجن العاصي أو الكافر يمكنه أن يؤذي الإنسان إذا كان مسخرا من طرف السحرة، فحينها يمكن فعلا للجن أن يضرم النار أو يرشق بالحجارة بيتا معينا مثلا من أجل بث الرعب في نفوس سكان المنزل ليحصل الهدف الذي يسعى له الساحر، أما العلاج فيراه الزمزمي في الرقية الشرعية التي يقوم بها المسلم إما من القرآن الكريم أو الأدعية، والتي بواسطتها يمكن تحصين البيت من كل أذى أو سوء.
الجن بين الرفض والقبول طبياً
وللباحث المتخصص في علم النفس الأستاذ سعيد بنميمون رأي آخر فهو يعتقد أن تلك الأحداث التي تقع في البيوت يمكن أن يكون الإنس من ورائها لأسباب عائلية ترتبط بالانتقام، أو قد يكون الهدف منها تصفية حسابات ما مع مالكي المنزل أو غير ذلك من الأسباب التي لا يمكن الاطلاع عليها أو معرفتها.
وقال بنميمون إن هناك فاصل واضح بين بعض الظواهر التي قد تبدو غريبة وبين تفسيرها بالغيبيات من قبيل إيذاء الجن للإنسان أو إضرامه للنار في البيت أو تلبسه بالإنسان.
ويشرح الباحث بخصوص موضوع تلبس الجني بالإنسي بأن تفسيره يتمثل في وجود اضطرابات نفسية حادة أحيانا، وليس هناك شخصية غير شخصية الإنسي المستقلة، ولا دليل على أنه يمكن للجني أن يدخل في الإنسان أو يتحدث بلسانه دون أن يعلم هو بذلك.
وأضاف بأن المريض يتحدث بما ترسخ في عقله الباطن من معلومات أو لغة سبق له أن تعلمها في وقت ما من حياته، مما يفسر كيف للبعض الذين يقال عنهم إنهم مصابون بمس جني أن يتكلموا بصوت معين، أو بلغة غير اللغة التي اعتادوا على التواصل بها.
وفي السياق نفسه، يرى الدكتور لطفي الحضري، أستاذ علم النفس التواصلي، أن النسبة الغالبة من الأمراض تكون نفسية ولا تتعلق بالمس من الجن، وأنه ينبغي التعاطي مع المرضى على أنهم مرضى نفسيون أولا، وأما إذا تم التأكد من كونهم مصابون بمس من الجن مثلا، حينها يجب أن يتولى العلاج رقاة شرعيون متخصصون، فلكل مجال متخصصوه.
الجن يصل بالعقار لأدنى مستوياته، ولا مشتري
وبخصوص تأثر ثمن العقار بموضوع الجن، أكد محمد الزعري، صاحب وكالة عقارية بالرباط، بأنه فعلا تنخفض السومة الكرائية أو سعر العقار الذي تكثر حوله شائعات بأن الجن يسكنه أو يشارك الناس السكن فيه، أو حين تنتشر أقاويل الناس حول أحداث غريبة تقع هناك وأبطالها مخلوقات جنية، وسرد الزعري حالة المنزل في حي شعبي بالرباط حيث كان أفراد الأسرة التي تقطن البيت يسمعون أصوات أرجل تمشي أو صرير الأبواب تفتح وتغلق، فعندما غادرت الأسرة مرعوبة لم يعد يرغب أحد في السكن في هذا البيت، الأمر الذي أفضى إلى تحديد سومة كرائية بثمن بخس لهذا المنزل من أجل حث الناس على السكن فيه..
وأردف الزعري بأن الوضع نفسه تكرر بالنسبة لقصة الحمام في الرباط، والذي لم يجرؤ أحد على شراء الأرض الذي يوجد عليه واستثماره في مشروع تجاري ما، فأضحى العقار مهجورا سنوات عدة، ورغم تخفيض السعر إلى حدود قصوى فلا
أحد تقدم إلى شرائه سوى شخص حاول مواجهة أخبار الجن الذي سكن الحمام، فحوله إلى محل للأثاث المنزلي..لكن ـ يشير الزعري ـ سمعنا منذ فترة قصيرة فقط أن صاحب هذا المحل يستعد لإغلاقه ومغادرة المكان لأسباب مجهولة..