الإنترنت وتطوير الأداء الصحفي
تخيل أن عالماً بالآثار لم يسمع يوماً بالأهرامات!! وتصور أن جراحاً لا يحسن استخدام المشرط!!.... وتأكد من أن هذا قد يكون ممكناً فقط إذا تمكن صحفي متخصص بإعداد التحقيقات أو إدارة الحوارات من تحقيق نجاح في عمله خلال السنوات الخمس القادمة دون الاستعانة بالانترنت كمصدر لجمع المعلومات... وقد تثبت الأيام صحة هذه الرؤية أو تنفيها لكن لا يضير وضعها بعين الاعتبار لتدارك النتيجة المفزعة التي طالعنا بها موقع وحدة خدمات الانترنت السعودية مشيراً في أحد استطلاعاته إلى أن نسبة الصحفيين والإعلاميين المستخدمين للانترنت يقدر بـ1% من إجمالي مستخدمي الإنترنت في المملكة!! أي الفئة الأقل استخداماً للإنترنت هي الفئة الأكثر حاجة إلى هذه الأداة في عملها على مستوى العالم, وربما لو كانت الإحصائيات أكثر دقة لكشفت النقاب عن أن غالبية هذه النسبة الضئيلة من الصحفيين المستخدمين للانترنت تقتصر استفادتهم منها على (قص ولزق) الصور والأخبار من الانترنت إلى المطبوعات.
وفي الواقع الإنترنت اليوم يعتبر مصدر المعلومات الوحيد والأداة الإعلامية الوحيدة التي يتيسر للباحث الوصول إليها من أي مكان في العالم خلافاً للفضائيات التي يصل بثها لنطاقات محددة والمطبوعات التي ينحصر توزيعها على دول معينة وهذه الميزة التي ينفرد بها الإنترنت توفر للصحفي مدرسة افتراضية أبوابها مشرعة على مدار الساعة ونوافذها مطلة على فضاء معلوماتي واسع لا يمكنه الاستغناء عنه لتطوير مهاراته الصحفية في إعداد التحقيقات وتحديث معلوماته وتوسيع مجالات اطلاعه... من أهم العمليات المساعدة في الاستفادة من الانترنت بمجالات التخصص هو إجادة الإبحار والبحث في المحركات حيث تتجاوز هذه العملية البحث بكلمة مفتاحية وتتطلب الإلمام بمميزات كل محرك بحث لمعرفة كيفية الوصول للمعلومات المطلوبة من خلال تحديد المصطلحات والجمل والمواضيع التي يحتاجها الباحث ليخدم القضية التي يتناولها... كما تتطلب التدقيق في صحة المعلومة والتحقق منها قبل الاعتماد عليها... وهي أمور تحتاج إلى ممارسة وجهد ونفس طويل.
وقد يدرك الصحفي المحترف بإعداد التحقيقات تحديداً أهمية عملية البحث في المراجع والمكتبات وقواعد البيانات لتساعده هذه الحصيلة من المعلومات على وضع المحاور قبل أن يبدأ بعملية الاستطلاع مستهدفاً الفئات التي تخدم موضوعه حتى يخرج بتحقيق ثري وطرح متميز وفريد متلافياً التكرار ومبرزاً مهاراته وثقافته في تناول القضية بشكل فعال لتصل الرسالة للمتلقي وتكون جوانب التحقيق مكتملة بالإحصائيات والحلول والمقترحات المدروسة, خلافاً للصحفي الذي تقتصر نظرته للتحقيق على سؤال يتم طرحه على مجموعة من الأفراد وينشر دون مجهود يتجاوز التسجيل والتفريغ وهي المهمة التي يستطيع أن يقوم بها أي شخص عادي دون أن يكون صحفياً.
وإذا كنا نعاني من عدم وجود مراكز للتدريب على احتراف العمل الصحفي وندرك بأن أغلب العاملين في هذا المجال لم تكن لديهم الفرصة لدراسته كتخصص خاصة النساء فلا مفر من السعي لاستثمار كافة الأدوات التي أثبتت أهميتها وقدرتها على تطوير المهارات والارتقاء بمستوى الطرح وفق أسس صحيحة حريصين على أن يكون لكل قضية تطرح قيمة عالية وأبعاد تكفل لها حصد الأصداء ليحجز عن طريقها الصحفي مكانه على خارطة الإعلام التي تؤكد بأن البقاء في المستقبل للأفضل ولا مفر من الاحتراف وبذل الجهد لحصد التميز.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ