صراع الأجيال
من المثير للانتباه في نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة اتجاه فئة الشباب للتصويت للمرشح الديمقراطي كيري, معبرين بذلك عن موقفهم من بوش القائد الفريد للحملات العسكرية ذات النهاية المفتوحة, والذي نجح بجدارة خلال فترة رئاسته بقرع طبول الحروب الدموية مُعلناً لحظة انطلاقها ومثبتاً فشله الذريع بعدها في تحديد موعد مأمول لإيقاف أي من تلك الحروب وتبعاتها, مكتفياً بتعليل الأنفس التواقة للسلام بمعزوفة الغد المشرق والديمقراطية التي ستسود العالم إذا ما نجح أحد يوماً ما في إيقاف تلك المجازر التي اندلعت على يده, وهنيئاً لمن ستُكتب له الحياة إلى ذلك اليوم الموعود, الذي لا يلوح له في الأفق ميعاد.
وقد بدا موقف الشباب الأمريكي أكثر وضوحاً في الاعتذار الإلكتروني الذي انطلق من موقع sorryeverybody.com مُسجلين به -على حد قولهم- اعتذار نصف المجتمع الأمريكي للعالم عن إعادة انتخاب بوش. وقد حصد الموقع الذي أسسه شاب في العشرين من عمره 27 مليون مشاهدة تم رصدها خلال الأيام الأولى لافتتاحه وجمع الآلاف من صور الاعتذار التي يتواصل إرسالها من قبل الشباب والشابات. ويبدو أن الرسالة قد وصلت للطرف الآخر فتم إنشاء موقع جديد بعنوان apologiesaccepted.com يرصد أصداء رسائل الموقع الأول وينشر صوراً لشباب من مختلف دول العالم مؤكدين قبول الاعتذار.
وفي تلك المبادرات مؤشرات هامة تستحق قراءتها لعل أهمها اهتمام الشباب في السنوات الأخيرة بالشأن السياسي ومتابعتهم له على الصعيد المحلي والعالمي ورغبتهم بتسجيل آرائهم ورؤاهم باستقلالية لا تخلو من الاختلاف الصريح مع ما يراه السواد الأعظم من الكبار وأصحاب القرار في ما يتعلق باستخدام لغة القوة والسلاح لحل المشكلات, كما يؤكد وجود اختلاف في ترتيب الأولويات بين الجيل الذي يؤمن بمبدأ (أنا ومصلحتي ومن بعدنا الطوفان), عازلاً نفسه عن مصالح ومشاعر الآخرين وبين جيل عاصر منذ نشأته العالم الذي تحوّل إلى قرية صغيرة مرتبطة ببعضها البعض عن طريق الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة, فشعر بمسؤوليته حيال الآخرين الذين يعيشون على مقربة افتراضية منه ولمس معاناتهم وتبرّأ مما يُمارس عليهم من ظلم باسم مصلحته التي يراها الكبار... وقد لا تكون تلك الرؤى والاعتذارات والمبادرات مؤثرة على مسار الأمور اليوم لكنها حتماً تعطي مؤشرات مستقبلية, فشباب اليوم هم أصحاب القرار في الغد.
في ما مضى كان الكبار يعتذرون عن أخطاء الصغار, غير أن الآية يبدو أنها انقلبت واضطر الصغار إلى (ترقيع) ثوب الكبار. ومن التعليقات الساخرة على ذلك نصيحة الكاتب (مايكل مور) للصغار بأن لا يستمعوا إلى كلام الكبار أو يتبعوهم بعد اليوم.. فهل يستجيبون لتلك النصيحة? وهل هم على صواب?.. العقود القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال, فهذا العقد -على ما يبدو- سيبقى محتفظاً بطابع صراع الأجيال.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ