هواة الإباحية الإلكترونية
تسبب التحليل الأخير الذي طالعتنا به الصحف عن صفحات الانترنت المحجوبة بحالة من الصدمة والقلق أعتقد أن مصدرها سوء فهم لما ورد على لسان الدكتور مشعل القدهي مساعد مدير عام وحدة خدمات الإنترنت للشؤون الفنية حيث ذكر أنه عند تحليل فئات الصفحات التي يطلبها المشتركون (والمتسببة في توليد صفحة الحجب الوطنية) أن نسبة 92,69 في المائة من عمليات الحجب تكون لمحاولة زيارة موقع إباحي.. وهو بذلك أجرى دراسة على صفحات الحجب وتصنيفها ولم يشر إلى أية نسب تتعلق بإجمالي عدد المستخدمين للانترنت في المملكة وتوجهاتهم, حيث ستكون من الكوارث العظمى لو اعتقدنا أنها تعكس واقع المستخدمين وأخذنا بآخر إحصائية صادرة عن وحدة خدمات الإنترنت والتي تشير إلى أن إجمالي عدد مستخدمي الانترنت في المملكة عام 2003م يقدر بـ1,462,000 مستخدم, فسيكون الحاصل حوالى 116,960 مستخدماً سعودياً سوياً لا يبحث عن مواقع إباحية, وهذه نتيجة غير منطقية ولا واقعية بأي حال ولا أتوقع أن الدكتور القدهي كان يقصد ذلك. لكن نتطلع إلى أن نقرأ تفاصيل أكثر عن تلك الدراسة الشيقة مع الأمل بتحديث الإحصائيات المدرجة على موقع وحدة خدمات الإنترنت.
ما يثير فضولي حقاً ويهم الكثيرين غيري هو معرفة نسبة المستخدمين في المملكة والذين يتجاوزون عملية الحجب بتغيير البروكسي وبالاعتماد على التصفح الخفي والانترنت الفضائية, وكذلك معرفة الآلية التي تواجه بها الجهات المعنية هذه التجاوزات حيث يكاد أي صاحب موقع أن يكتشف من خلال إحصائيات الزيارة اليومية لموقعه أن نسبة كبيرة تظهر تحت تصنيف وغير ذلك من التصنيفات التي تشير إلى أن المستخدم يلجأ إما للتصفح الخفي أو إلى الاتصال الفضائي بالانترنت من المكتب أو المنزل, علماً بأن أغلب ملاحظاتنا في المواقع السعودية من خلال الاستفتاءات والخدمات التفاعلية التي تتطلب إدخال دولة الزائر من قبله يدوياً تؤكد أن هؤلاء المستخدمين أصحاب (طاقية الإخفاء) هم من مستخدمي المملكة غير المعترف بهم لاعتمادهم على وسائل تصفح غير مشروعة.
قد تفيد تلك الإحصائيات في دراسة جدوى الحجب وقدرته على مواكبة التطور المتسارع بسلبياته وإيجابياته في زمن العولمة, وكذلك في قراءة طبيعة المستخدم السعودي الذي استيقظ ذات صباح مشرق ليجد نوافذ مشرعة أمامه على مصاريعها تطل على المرغوب والممنوع وتضعه بين خيارين: إما أن ينظر للآفاق السامية أو ينظر للأسفل حتى يسقط من النافذة إلى الهاوية ونرثي سقوطه الأخلاقي, ونحن شركاء فيه, لتقصير الأسرة والمجتمع والمدرسة والإعلام والجهات المعنية بالإنترنت في التوعية والتنشئة التي تؤهل الإنسان بحصانة داخلية لمواجهة تحديات هذا العالم المفتوح.. نحن حتماً نحمي الفساد الخفي -من حيث لا ندري- إذا اعتاد الإنسان البالغ الراشد أن لا يكون سوياً إلا بوجود وصاية خارجية عليه.
فأثني هنا على خطوة دعم الأبحاث والدراسات الخاصة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في الوقت الذي آمل أن يتم التنسيق مع الجهات التربوية والإعلامية للتركيز على تقويم الإنسان لا الأداة والصفحات. فنحن بأمس الحاجة لحملات توعية مكثفة تستهدف من يسيء الاستخدام ومن لا يعرف كيف يستخدم تلك الأدوات فيقع بجهله في مفاجآت غير محمودة العواقب. كما أشيد باقتراح الكاتب (صالح الشيحي) في الزميلة (الوطن) حيث دعا إلى استبدال صفحة الحجب بصفحة توضح خطورة ما كان يحاول الزائر أن يصل إليه, وأضيف ليتنا نستثمر رواج هذه الصفحة لعرض البدائل أو المساعدة في تعريف المستخدم بالروابط ووسائل البحث التي تعود عليه بالفائدة في مجال تخصصه واهتماماته كباحث أو طالب أو معلم أو مستثمر, رجلاً كان أو امرأة ليجد كل مستخدم ضالته بدلاً من الضلال.
ولو أمعنّا النظر في كل المعطيات التي خرجنا بها من تجربة جوال الكاميرا والإنترنت سنجد قاسماً مشتركاً في خطاب التوعية يتمثل في التركيز على أسلوب الوعظ التقليدي والتخويف من المخاطر والتي يعرفها المسيء مسبقاً, فماذا نخسر لو خضنا تجربة الترغيب في الفوائد وحولنا التركيز من المخاطر إلى وسائل الاستفادة من الإنترنت لينشغل بها المستخدم عن توافه الأمور.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ