الرجل هو الرجل
هل حقا يصدق الرجل في دعمه للمرأة لتحقق النجاح في مسيرتها التعليمية والعلمية؟ قد تكون الاجابة غالبا، نعم.. ولكن هل بإمكانه استيعاب تفوق زوجته عليه في العمل؟ وهل بوسعه أن يتعايش مع هذا التفوق؟.. قضية شائكة سأتجاوز التعليق واتطرق إلى رواية شهيرة بقلم (إرا ليفين) صدرت في السبعينات الميلادية حيث كانت تعيش المرأة الامريكية أهم مراحل تكوين شخصيتها الجديدة القائمة على المساواة مع الرجل تحديدا في العمل، وتحولت الرواية آنذاك إلى فيلم سينمائي مرعب استضافته صالات عرض هوليوود في عام 1975م معتبرة إياه وفقا لأحد النقاد مرآة أشهرت في وجه المجتمع الذي يزعم تبني رؤى معاصرة وحديثة عن المرأة بينما تختزل عقول الرجال صورة أخرى نمطية تقليدية للمرأة (الحلم).. الرواية تحمل عنوان (The Stepford Wives) والمثير أن هوليوود أعادت في عام 2004م طرحها برؤية فشلت أن ترتقي إلى مصاف الكوميديا أو التراجيديا لتعكس صراعا لا يزال قائما في المجتمع بين الزوج العادي والزوجة النابغة تحكي النسخة الحديثة من الرواية قصة البطلة التي تفقد وظيفتها القيادية بعد أن وصلت إلى قمة النجاح والتألق كأصغر رئيسة في التاريخ لأكبر شبكة تلفزيونية وفي نفس المنشأة التي يعمل فيها زوجها بوظيفة على الهامش قياسا بوظيفتها، فتصاب بانهيار عصبي ويصحبها الزوج المخلص الى ضاحية بعيدة مقنعا اياها بأن قضاء بعض الوقت هناك سيساعدها على استعادة توازنها بعيدا عن صخب المدينة.
بدت الضاحية للزوجة مثالية بشكل مبالغ فيه خاصة عندما بدأت تحتك بمجتمعها الجديد، فالزوجات على الدوام سعيدات ومبتسمات وأنيقات وتنحصر حواراتهن على تبادل وصفات الطهي وتربية الابناء واسعاد الأزواج. لا توجد لديهن شكاوى، لا يكثرن من توجيه الاسئلة للازواج ويخضعن لهم بالطاعة والخدمة دون تذمر. وتتوالى الأحداث إلى أن تكتشف البطلة أن كافة النساء اللاتي تعرفت بهن في الضاحية هن في واقع الامر نخبة من أهم عالمات ومخترعات ومبدعات العالم جاء بهن الأزواج إلى هذا المكان النائي لإعادة برمجة عقولهن بشرائح الكترونية حولت مسار حياتهن وأسلوب تفكيرهن من الانجازات والنجاح في العمل إلى الصورة التي يتمناها أزواج ضاقوا ذرعا بذلك النجاح والتفوق الخارق وآثروا تحويل زوجاتهم إلى أجهزة متحركة يتحكمون فيها عن بعد بـ(الريموت كونترول) بلا حياة.. بلا مشاعر.. بلا طموحات! أجهزة فقط تستجيب للأوامر وتتوافق مع صورة نموذجية لم تنجح المفاهيم الحديثة في إزالتها من ذاكرة الرجل.
أدركت البطلة بهذا الاكتشاف أن زوجها قد جاء بها إلى هذه الضاحية لنفس الغرض فبدأت تتقمص دور المرأة الآلية المثالية قبل أن تطالها عمليات البرمجة لتستكمل رحلة الاستكشاف وتصل إلى الأكثر إثارة في خاتمة الرواية عندما يعلم الجميع من يقف وراء هذا المشروع. للمفاجأة! لم يكن رجلا بل امرأة هي أشهر عالمة أمريكية حققت إنجازات فريدة في مجال عملها وسقطت من عرش نجاحها تحت وطأة خيانة زوجها لها مع إحدى مساعداتها في العمل، فأرادت أن تنتقم؟! أو أن تنقذ الحياة الزوجية لنساء أخريات ناجحات في العمل وفاشلات في الحياة الزوجية؟! لا يهم، هذه التحليلات تبقى من حق المتابع. وأدرك أنه لن يخرج على الأغلب اثنان متفقين حول مغزى الرواية خاصة إن كانا ذكرا وأنثى. فقد ترى الأنثى أنها أنانية رجل، وقد يرى الذكر أنه ثمن تستحق أن تدفعه امرأة انشغلت بطموحاتها وإنجازاتها عنه. ولكن الأهم هل ترتقي التحليلات إلى محاولة التفكير بإسقاط جزء من ذلك الخيال الذي التصق بذاكرة هوليوود ثلاثة عقود على الواقع لإيجاد قاعدة فهم مشترك بين الأنثى والرجل. ثمة مفاهيم خاطئة ترسبت بالإمكان بل بالضرورة تغييرها، أما الفطرة فلا يمكن مخادعتها أو اخضاعها لتستجيب لمستجدات تخرج عن طبيعتها التي جبلت عليها. وأتوقع أنه توجد أرض أكثر واقعية ومثالية للطرفين من ضاحية ستيبفورد، سنصل إليها متى ما تمكنا من إرساء قواعد فهم مشترك لا تغفل الحقوق والمتطلبات العصرية ولا تتجاوز الفطرة البشرية.
رانية سلامة
* رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
المصدر: صحيفة عكاظ