بين تفاحة نيوتن وبرتقالتنا
أثبتت الفواكه على مر العصور أنها بإمكانها أن تكون إلهاما و رمزاً يعكس أحوال الأمم وتفكير الشعوب ... ففوائدها لاتنحصر على قيمتها الغذائية خاصة بعد اقتران أهم القوانين العلمية في التاريخ بالتفاحة التي سقطت على رأس نيوتن من الشجرة فألهمه سقوطها بقانون الجاذبية الأرضية ... وتبعتها الموزة ، التي نجح مؤخراً عالم استرالي في جامعة كوينلاند بتحويلها إلى مصدر طاقة لإنشاء محطة كهرباء صديقة للبيئة تعمل على الطاقة البديلة و تعتمد على الموز التالف كوقود لتغطي كل محطة حوالي 500 منزل إذا ما نجح المشروع ... هذا ما اكتشفته من الفواكه الدول الصناعية والعقول المنشغلة بالتفكير !! .
أما البرتقالة فلا أدري ماذا فعلت بالعرب عندما سقطت على شاشاتهم الفضية ؟ ... اكتفيت بالقراءة عنها لفترة طويلة قبل أن يسعدني الحظ بمشاهدتها ليحل الاستغراب مكان الفضول فلا أعرف تحديداً ماهو الذي لفت الأنظار إليها لتستحوذ على هذه المساحة من الاهتمام وهي لاتختلف عن غيرها من أغاني الفيديو كليب التي يصعب أن تلتقط منها أذنك جملة مفيدة ، أما الحركات الإيقاعية فأقرب تشبيه لها ما عبرت عنه إحدى الصديقات قائلة " يبدو لي أن تلك الكائنات المتمايلة على النشاز عبارة عن أجهزة طاقتها الكهربائية 110 تم توصيلها بفيش 220 فأصابتهن صدمة كهربائية عنيفة أدت بهن إلى الشلل الرعاش بالحركة السريعة " .
وأعود واستغرب سر نجاح هذه الأغنية والاهتمام الواسع بها ، ولعل ماذكره كاتب انترنتي يرمز لنفسه باسم (المنفلوطي) صحيحاً عندما قال : "بعد أن نفض المواطن العراقي غبار صدام حسين وحزب البعث البائس انتظرنا بفارغ الصبر أن يخرج لنا علماء العراق ومفكريها وفلاسفتها لإثراء الشارع العربي بالعلم والمعرفة ، فخرجت لنا بعد عام ... برتقالة !!! " .
إذن السر يكمن في أن الأنظار كانت متجهة للعراق ترقباً لما ستتمخض عنه عملية ( التحرير الاحتلالية ) من ديمقراطية ورفاهية ونهضة شاملة ، فتمخض الجبل وولد " برتقالة " ... وأثمرت قنابل (الصدمة والترويع) بعد طول عناء ومعاناة عن صور لاتختلف بفحواها عن الصور التي خلفتها وراءها قنابل أخرى ذكية سقطت على أفغانستان حيث أجرت صحيفة ( الجارديان ) البريطانية تحقيقاً في العام الماضي عن أحوال البلاد بعد سقوط حكومة طالبان لتجد الإجابات التي تنكس شعارات الحرب وتؤكد تفاقم الفقر والمرض وازدياد حالات السرقة ، والأكثر سوءًا ماورد على لسان النساء المنكوبات مؤكدين أنهن لم يكن راضيات عن أحوالهن في عهد طالبان غير أن الأوضاع اتجهت من سيء إلى أسوأ مع ارتفاع معدلات الاغتصاب واستحالة الخروج للتعليم أو العمل أو حتى للترفيه الذي سارعت الحكومة البديلة بالتركيز عليه كنموذج للحرية فافتتحت دور العرض السينمائية و بثت تقارير تؤكد رواج أشرطة الكاسيت وصور فنانين هوليوود في دولة لايجد مواطنيها أدنى مقومات الحياة .
ولعل هذا هو حظنا من عمليات (التحرير الاحتلالية) أما الخيرات والثروات والعقول فسيتم تصديرها كهدية إلى أصحاب الفضل في التحرير للاستفادة منها أو ربما تمت تصفيتها حتى لاينتج عنها ما يتجاوز البرتقالة .
وتبقى هناك قواسم مشتركة بين تفاحة نيوتن وبرتقالتنا فكلاهما يشتركان في ثلاث عناصر ( الفاكهة ، الجاذبية ، السقوط ) غير أن التفاحة سقطت فألهمت العقل المفكر بقانون الجاذبية الأرضية ... أما البرتقالة أطلت علينا مستغلة جاذبية مبتذلة لتُسقِط الذوق العام و تبدد ماتبقى من أمل في أن نجني خيراً من تلك العمليات العسكرية .
*رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ