منذ خُلق آدم عليه السلام وحياة الإنسان تكاد أن تكون سلسلة من التكاليف والاختبارات والمسؤوليات فعندما خلق الله آدم قال له ولزوجه: {اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} وقديفكر الانسان في الحكمة الالهية من وجود هذه الشجرة وهي محرمة على آدم.. لماذا لم تُقطع? أو لم يكن لدى ادم عليه السلام الخيار لإزالتها حتى لاتكون فتنة؟.. شاء الخالق أن تكون الشجرة المحرمة موجودة ليعلمنا أول دروس ترويض النفس وإعمال العقل وسن العقوبات على من يقترب من الحرمات.. وفي حياتنا اليوم الكثير من الأشجار المحرمة والمغريات للنفس الأمارة بالسوء غير أن إعداد هذه النفس لمواجهتها بالشكل السليم هو الأهم حتى لانحمي الفساد دون قصد أو نلجأ للحلول السهلة بإبعاد المغريات معززين لمفهوم أن الممنوع والمحرم هو فقط مالاتصل إليه أيدينا فإذا ما أصبح قريبا منا وخضنا تجربة مواجهته يستعصي علينا التعامل معه ونسقط في شراك سوء الاستخدام لائمين المغريات ومهمشين دور العقل والوعي والقيم الاخلاقية التي يجب ان تحكمنا بغض النظر عن ما يحيط بنا من مستجدات.. وفيما يلي صورتان أبحث فيهما عن أخطاء آدم قبل أن ألوم الشجرة.

الصورة الأولى: فضائح عديدة نتجت عن اختراق جوال الكاميرا للخصوصية وأصبحنا نلعن هذا الجوال الذي تسرب إلينا وكأنه أساس المشكلة لا المؤشر الذي ينبهنا الى وجود انحراف خطير في سلوك البعض سيؤدي حتما إلى تضرر المجتمع سواء وجدت الكاميرا العاكسة لسلوكه أم لم توجد.. وأصحاب ردود الفعل الساخطة على الجوال يساهمون بشكل غير مباشر في منح المذنب ذريعة لارتكاب الخطأ) والربت على كتفيه باعتباره ضحية للمغريات ولمن وفر له هذه الأداة متناسين أن الشجرة وهي محرمة تحريماً إلهياً صريحاً لم تقطع وبقيت ماثلة أمام آدم عليه السلام مع توجيه واضح وعقوبة محتومة لتكن قاعدة تعرف الانسان بمسؤولياته وحدوده في كل زمان ومكان, وغافلين عن أن السلوك السوي هو ما ينشأ ويترسخ بداخل الفرد مرتكزا على الوازع الديني والقيم الاخلاقية لينعكس ذلك على ممارساته ولاتوجد علاقة مباشرة بين السلوك القويم والوصاية بابعاد المغريات لأن في ذلك تعطيلاً لمسؤولية الانسان عن تصرفاته وحظراً لقدرته على مجاهدة النفس.

الصورة الثانية: فئة عريضة من مستخدمي الانترنت وجدوا فيها أداة للوصول للمواقع المحرمة ومن ينجو من هذا التوجه المريض يقع في منزلق اهدار الوقت والمال فيما لاقيمة له ونتفاجأ بنتائج أكثر المواقع زيارة من الجمهور السعودي عندما نجدها مواقع ترفيه ومحادثة وأغانٍ وبرامج مقرصنة بينما الأحرى بنا قبل أن نتذمر مما جنيناه من الانترنت أن نتساءل لماذا هذا الجمهور (إلا من رحم ربي) سطحي في تفكيره ولايملك الوعي والادراك لاستثمار الجوانب الايجابية من التقنيات التي تتوفر له? ولماذا نحتاج لرصد ميزانية ضخمة مخصصة لفرض الحجب على المواقع في الوقت الذي يكفينا تخصيص جزء منها لإقامة دراسات حول ظواهر الانحراف السلوكي وإيجاد سبل للتوعية والتقويم وتوطين النفس على الانشغال بتطوير ذاتها بالنافع من الأمور لينأي بنفسه عن الضار منها؟

هاتان الصورتان إذا سلمنا بأن الحلول هي منع الجوال وحجب مواقع الانترنت سنسلم بأن لدينا سلوكاً فاسداً يجب أن نتكيف معه بدلا من أن نعمل على تقويمه ليحسن الإنسان استخدام تقنيات العصر ويوظفها لخدمته وخدمة مجتمعه وسنسيء لمفهوم الخصوصية إذا ما اعتبرنا أن هذه الحالات الشاذة ستحكم على قبولنا أو رفضنا لمستجدات العصر.. فلنزل الأشجار المحرمة أو نبقها المهم أن لانتغاضى عن رصد ودراسة أخطاء لها انعكاسات سلبية على مجتمعنا لنقطع الفساد من جذوره.

*رئيسة تحرير مجلة عربيات الالكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ