اكتشافات إعلامية
الدهشة كانت ترافق الإعجاب خلال جولة الوفد النسائي البريطاني للمملكة وهن يتعرفن عن قرب على المرأة السعودية... وقد شعرت من خلال اللقاءات التي جمعتني وغيري بهن في جدة أن عقولهن قبل قلوبهن قد أعادت اكتشاف ورسم صورة (السعودية) الوطن والمرأة... كما شعرت بعد أن انتهى اللقاء الأخير أنني اكتشفت (كشافات) سلطت ضوءها أمامي على حقائق غائبة.
- في حوار جانبي مع إحدى الإعلاميات سألتني عن سقف الحرية المتاح للكاتب في الصحف السعودية فتحدثت من واقع تجربتي المتواضعة مع هذه الزاوية ومن خلال متابعتي لصفحات الرأي اليومية في كافة الصحف عن ارتفاع سقف الحرية إلى حد كبير، فبوسع الكاتب أن يتناول أي قرار أو وزارة أو هيئة أو جهة حكومية أو خاصة بالنقد الموضوعي كما أننا نناقش ونواجه مشاكلنا المحلية وخصوصاً تلك التي تشغل الغرب مثل حقوق المرأة والتطرف وغيرها بل وربما نناقشها بتعمق أكبر وبمنظور خاص أقرب إلى واقعنا من منطلق استيعابنا لأبعادها ومعايشتنا لها.... وكان لابد أن استشهد بدليل على صدق قولي فذكرت لها أن أستاذة في أحد المراكز الغربية لدراسات الشرق الأوسط طلبت من طالبة سعودية أن تزودها بمجموعة من المقالات المنشورة في الصحف السعودية وبدهشة شديدة بعد أن قرأت المقالات ظلت تردد السؤال: (هل حقاً هذه المقالات نشرت في الصحف السعودية؟)... بسعادة شديدة نقلت تلك القصة للضيفة التي سألتني: (وهل هناك تفاعل سريع مع مايتم طرحه من نقد ومطالب؟)، تحت وقع المفاجأة ومنعاً للإحراج كدت أن أجيبها (نو إنجليش) ولكن اسطوانة لساني كانت قد انشرخت وظلت تردد: (سقف الحرية مرتفع ومساحة الحوار اتسعت) فلم تجد بداً من أن توضح سؤالها قائلة: (هذا رائع بالتأكيد ولكني أقصد وقع هذه المقالات ومدى اهتمام الجهات المختلفة بها)، أجبتها (خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وجه جميع المسؤولين في الجهات الرسمية بالتفاعل مع مايرد في الصحف) عند تلك الإجابة أنقذني نداء بالتوجه لقاعة المحاضرات... وفي الواقع لم أكن أكذب ولا أجمل الواقع الإعلامي فسقف الحرية بالفعل ارتفع إلى الحد الذي قد يجد معه الكاتب أنه يحلق بقلمه في فضاء واسع قبل أن (يخبط) رأسه في ذلك السقف ويعود هو ومقاله بخفي حنين لأن أغلب الجهات المعنية بالتفاعل والرد إما أنها لا تقرأ أو أنها تقرأ وتتجاهل أو أنها تقرأ وتهتم وتدرس الآراء المطروحة ولكن بصمت... مع وجود بعض الحالات الاستثناءات من التفاعل السريع، والنتيجة توجد اليوم ملفات عديدة افتتحها الإعلام المحلي بعضها أغلقه الصمت والبعض الآخر طواه النسيان أو ربما تجري معالجته ضمن خطة معينة ولايود أصحابها أن يجير تحركهم للصحافة ولا الكتاب.
- الاكتشاف الثاني كان كذلك إعلامياً فالمرأة السعودية التي يتركز اليوم اهتمام الإعلام المحلي والخارجي على انجازاتها في مختلف المجالات قد سقط منها سهواً تجربتها في رئاسة التحرير، اكتشفت ذلك وأنا أعرف بمجال عملي في النشر الإلكتروني وتقنية المعلومات والمفاجأة كانت تخرج على هيئة سؤال (هل حقاً توجد رئيسات تحرير سعوديات؟!) والإجابة ليس فقط في النشر الإلكتروني الذي يعد مجالاً إعلامياً حديثاً بل مع الأسف مالم يكن يعلمه أحد في الخارج هو أن المرأة السعودية قد عرفت منصب رئاسة التحرير منذ السبعينات الميلادية عندما أصدرت الكاتبة الراحلة سميرة خاشقجي (مجلة الشرقية)، وفي الثمانينات الميلادية عندما شاركت الدكتورة فاتنة شاكر في تأسيس (مجلة سيدتي) وتولت رئاسة تحريرها، وقبل بضع سنوات أصدرت الأميرة الشابة لمياء آل سعود (مجلة مدى) ومازالت رئيسة لتحريرها... تلك نماذج تحضرني أسماؤها وربما غيرهن أخريات يجمعهن قاسم مشترك وهو أنهن سعوديات اخترن أن يستثمرن المال والموهبة والجهد في هذا المجال أو اختارتهن مطبوعات تصدر من الخارج، وفي الحالتين قد واجهن تحديات المبادرة الأولى غير أن تجاربهن لم تخضع محلياً للتقييم ولا التقدير ولا التوثيق بل تكاد أن تسقط من التاريخ ومع استمرار تهميشها في الحاضر نسلب من المرأة السعودية حقاً وانجازاً هاماً يفترض أن يسجل لها ولوطنها... علماً بأننا نعترف بإنجازات بناتنا في الخارج ونحتفي بهن حتى في المجالات والمناصب التي لم تكن متاحة لهن في الداخل بسبب عدم وجود كليات تؤهلهن بالشهادات اللازمة أو أنظمة العمل أو اللوائح أو النظرة الاجتماعية الجائرة.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ