عفت الثنيان
تزامنت هذا العام جائزة الملك فيصل العالمية مع إطلاق جائزة حرمه الأميرة عفت الثنيان لتنمية الوطن، ولعل تلك الجوائز قد حضرت لتؤكد من جديد أن عمل الإنسان إذا ارتبط بالعطاء المتميز لاينقطع بعد رحيله، فقد غاب الفقيدان ـ يرحمهما الله ـ بعد إنجازات عظيمة وبقي اسمهما حتى اليوم مرتبطاً بإنجازات معاصرة على الصعيد المحلي والعالمي تعد امتدادا لاهتمام منقطع النظير بالتعليم والابتكار والتنمية.
من مدارس دار الحنان التي افتتحت بها الأميرة عفت ـ يرحمها الله ـ عهدا جديدا لتعليم الفتاة السعودية منذ ما يزيد على نصف قرن، انطلقت جائزتها التي حصلت عليها خريجات مدرستها الدكتورة إلهام أبو الجدايل في مجال العلوم، والأميرة جواهر بنت ماجد في مجال الثقافة، والسيدة مها الجفالي في مجال الخدمات الاجتماعية، والدكتورة ناهد طاهر في مجال الاقتصاد، بالإضافة لجائزة التعليم التي حصلت عليها بشكل استثنائي هذا العام السيدة سيسيل رشدي؛ كونها الشخصية التي أشرفت على مدارس دار الحنان خلال العقود الماضية لتخرج منها تلك النخب النسائية وغيرهن الكثيرات.
لجائزة الأميرة عفت الثنيان وقع خاص على نفوس المجتمع النسائي في هذا الوطن كونها رائدة التعليم النسائي التي عاركت ظلمات الجهل بنور العلم لتفتتح مدارسها، وكرست حياتها لتشكيل شخصية الفتاة السعودية من خلال البرامج التعليمية والتربوية المتطورة، وامتد دعمها للتعليم العالي، حيث أشرفت بطلب من الرئيس العام لتعليم البنات على كلية التربية بالرياض وغيرها من معاقل العلم حتى افتتحت كليتها الأهلية، كما أسست أول جمعيات خيرية للسيدات بجدة والرياض ومن نشأتهما بوسعنا أن نلتقط مشاهد للخطوات الأولى التي مهدت لعمل المرأة السعودية.
عفت الثنيان (اسم) خالد نردده فنتذكر (الفعل)، وشخصية استثنائية توقف أمامها الجميع بصمت وشوق بعد سنوات من رحيلها أثناء عرض فيلم وثائقي عنها أعدته المخرجة السعودية نورة السقاف في حفل تدشين الجائزة، وبالرغم من أننا نعرف من هي عفت الثنيان، غير أن حديث أبنائها وبناتها وأحفادها وحفيداتها عنها بالإضافة للشخصيات التي عاصرت كفاحها في سبيل تعليم الفتاة السعودية كان وقعه مختلفاً فقد شاهدنا الفخر ينبثق من بريق عيون الرجل وهو يسرد سيرة والدته، والاحترام ينبعث من صوت المرأة وهي تتحدث عن مبادئ والدتها، والدموع وهي تعبر عن الشوق للشخصية والإنجاز.
لابد أن أعترف أنني لست من هواة الكتب التاريخية والسير الذاتية غير أنني أمام سيرة وإنجازات الأميرة عفت الثنيان عشقت ما لم أكن أهواه، فشاء الله أن يتضمن كتابي الأول وربما الأخير تدويناً لسيرتها ولمسيرة مدرستها الأم استغرق مني 3 سنوات أدركت خلالها أن سر تميز تلك السيرة وربما أي سيرة هي الجوانب الإنسانية والتجارب الشخصية وملامح الحقبة التي عاصرتها ومساحات الشفافية التي يحتاجها الكاتب من الرواة ليصل إلى القارئ، ذلك السر أهدته لي بسخاء ابنتاها الأميرة لطيفة الفيصل والأميرة لولوة الفيصل أثناء سرد سيرتها بما فيها من معاناة وفشل ونجاح وإصرار ومواجهة.
مع الأميرة لطيفة الفيصل أدركت أنها لا تحتفظ بسيرة والدتها فحسب بل تسرد قصة تأسيس بلد كان التعليم حجر الأساس لبنائه، ومع الأميرة لولوة الفيصل أدركت أن الإنجاز كان قراراً أرادت الأميرة عفت الثنيان أن يتخذه معها الوعي الاجتماعي ليحصد وطنها الثمار، وأن الشعارات والنداءات يطبقها الرموز على أرض الواقع قبل أن ينادوا بها، ولذلك اتجهت الأميرة عفت الثنيان إلى إلحاق بناتها إلى جانب بنات بعض الأسر الكريمة واليتيمات في المدرسة ليكونوا كقطرات السيل التي حفرت مجراها في الطريق لتعبر من خلاله بنات الوطن إلى صروح العلم.
ومع السيدة سيسيل رشدي تعرفت إلى رؤية عفت للمدرسة كمعمل صغير ينتج كوادر نسائية فاعلة تخدم المجتمع الكبير وتمنح الخبرة بإتاحة المجال أمام الطالبة لخوض التجربة، ومع شاهدتي على التاريخ السيدة فائزة كيال استمتعت باستعراضها لصور قديمة ظلت تظهر لها أبعادا جديدة لتتضح معها معالم الواجهة التعليمية والتربوية التي رسمتها الأميرة عفت لمدارس البنات بما فيها النظام والزي المدرسي والتربية البدنية والكشافة واللغات والبحث العلمي والانتخابات. تغيب عفت واسمها يملأ المكان بجائزتها وبنساء وطن اختارت أن تكون لهن (الأم) كما وصفتها الأميرة لطيفة الفيصل، وبشخصية اعتبرتها الأميرة لولوة باختصار تجسيدا لشخصية المرأة المسلمة القوية في الحق والتي قد تتسم بالمرونة غير أنها لا تتنازل عن الأفضل لما هو أقل منه، فرحم الله عفت الثنيان.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ