لعنة التسهيلات
بعيداً عن الشائعات واكثر بعداً عن كافة التحليلات المالية والمؤشرات الفنية والرسوم البيانية والتشكيلية... يتحتم علينا أن نبحث عن حقيقة واحدة صالحة للتداول في سوق المتداولين دون أن ندخل في عالم الغيبيات.
تلك الحقيقة لاتزال غائبة وربما لها أوجه عديدة أحدها قد يتجلى عند الحديث عن (التسهيلات البنكية)، فهي واقع مؤكد لايمكن أن ينفيه أحد، وضرر قد وقع لايمكن أن يغيره أحد، ودرس أتمنى أن يأخذ حيزه من الدراسة والنقاش حتى يستوعبه أي أحد.
وإن كنت قد تناولت في مقالات سابقة التسهيلات البنكية رثاء لحال أصحابها فأنا اليوم أرثي حال جميع المتداولين في سوق المال ومعهم المؤشر، لأن الجميع على مايبدو مجبرون على المشاركة في تسديد فاتورة التسهيلات حتى إشعار آخر... وقد لانكون بحاجة لمعرفة قاع السوق وفقاً للمؤشرات بقدر حاجتنا إلى معرفة عدد المستفيدين من التسهيلات سابقاً والمفلسين بسببها حاضراً لنصل إلى إجابة سؤال (متى سينتهي التصحيح؟).
نعلم أن (التسهيلات البنكية) كانت بحد ذاتها فرصة استثمارية أتاحتها البنوك بشكل قانوني لعملائها - وأشدد على قانونية كافة ممارساتها – ذلك أنها بالفعل التزمت بنص القانون الهش الذي تجاهل كل شيء إلا حماية حقها... وكوني لم أخض تجربة شخصية مع التسهيلات البنكية سأكتفي بنقل المشاهدات وطرح التساؤلات على من يهمه أمرها:
1) يقر أغلب من تم منحهم التسهيلات أنهم قد حصلوا عليها بضمان الأموال الموجودة في محافظهم الاستثمارية دون أن يتحقق البنك من وجود ضمان آخر ودون النظر إلى ظروفهم الاجتماعية، بالرغم من علم مَنْ وضع هذا (التسهيل للتسهيلات) أن هذه الأموال لايمكن ضمانها لمدة ساعة واحدة في سوق تتغير أسعاره ارتفاعاً وهبوطاً في كل ثانية... فهل يوجد من بوسعه أن يستخرج صك ضمان على سيولة من هذا النوع مهما كان محترفاً؟.
2) استمر منح التسهيلات للمتداولين بنفس الآلية والعشوائية بالرغم من تجاوز المؤشر لحاجز 20000 نقطة، وبالرغم من معرفة خبراء البنوك أن المؤشر قد كان آنذاك متضخماً، وبالرغم من الاعتراف ليل نهار بأن شريحة عريضة من المتداولين ينقصها الوعي الاستثماري ويغلب على قراراتها التداول العشوائي ويجرفها حلم زين لها اسمه (الطفرة)... فهل كان من المنطقي أن تمنح البنوك تلك التسهيلات لتلك الشريحة في ذلك الوقت؟ وهل راعت قوانين التسهيلات ثقافة المجتمع المحلي وطبيعة شريحة المتداولين في السوق؟.
3) حفزت البنوك موظفيها للترويج للتسهيلات نظير الحصول على عمولات مغرية، مما دفع بعض الموظفين أثناء قيامهم بالمهمة الترويجية لهذه الفرصة الاستثمارية (عمداً أو سهواً) إلى إسقاط ضرورة تنبيه وتحذير العميل من المخاطر التي سيواجهها في حال خسارته... فهل تحولت بذلك التسهيلات البنكية من مجرد فرصة استثمارية مشروعة ومتاحة لمن يسعى لها إلى مصيدة؟.
4) يؤكد أصحاب التسهيلات أن البنوك قد أقرضتهم لغرض المضاربة لا الاستثمار، وكانت تنظر قبل الموافقة على الطلب إلى حجم العمولات التي حصدتها منهم خلال الفترة التي سبقت تقديم الطلب لضمان أن استفادتها من إقراضهم ستتضاعف مع تضاعف سيولتهم... فهل كانت التسهيلات البنكية هي السبب الرئيسي في تحويل السوق من مسار الاستثمار إلى المضاربة؟ وهل يوجد مايبرر فتح بعض البنوك المجال لتقديم التسهيلات البنكية التي تسمح للعميل بالدخول في أسهم المضاربة؟.
5) لم يقتصر تقديم التسهيلات على المحافظ الاستثمارية الفردية ولا على الاكتتابات بل تجاوز ذلك إلى صناديق البنوك الاستثمارية نفسها ليحصل من يشاء من المستثمرين فيها على تسهيلات بنكية فيخاطر برأس ماله بمحض إرادته وهذه قد تكون حريته الشخصية – التي مع الأسف – لم تقف عند حد التعدي على حريات الآخرين... فماهو ذنب غيرهم من المساهمين في نفس الصندوق لكي يتأثر أداء صندوقهم لاحقاً عند تسييل محافظ أصحاب التسهيلات؟ ألم يكن من المنصف توجيه البنوك بإنشاء صناديق استثمارية خاصة لأصحاب التسهيلات حتى يتحملوا وحدهم نتيجة قرارهم ومغامرتهم؟.
6) السيولة الضخمة التي شاهدناها في عام 2005م ثم تلاشت تدريجياً منذ فبراير 2006م ولازلنا ننتظر عودتها، هل كانت أغلبها سيولة تسهيلات لم تخرج اليوم من السوق فحسب بل ربما انقرضت بلا عودة مع إفلاس أصحابها وانتقال معاملاتهم ومصالحهم من سوق الأسهم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية؟.
7) لاتوجد إحصائيات دقيقة تكشف عن حجم التسهيلات البنكية التي تم منحها للمتداولين قبل فبراير 2006م، ولا عن الشريحة التي حصلت على تلك التسهيلات، ولا عن مصير محافظها بعد التاريخ المذكور... فهل بوسع هيئة سوق المال أن تضع حداً للتكهنات بالإعلان رسمياً عن ذلك؟.
8) خلال اجتماعه بأعضاء المجلس الاقتصادي الأعلى دعا خادم الحرمين الشريفين البنوك إلى إيجاد السبل لإيقاف تسييل المحافظ في حالات النزول الشديد للمؤشر حتى يتماسك السوق ويستعيد توازنه... فهل ثمة موقف وطني واحد يعكس التجاوب مع تلك الدعوة النبيلة؟.
قد نخرج من كل ماسبق باستنتاج أن التسهيلات البنكية أصبحت (قشرة الموز) التي كلما لامسها المؤشر ينزلق... وكلما أراد أن يدخل في مرحلة جني أرباح طبيعية تصادفه نقاط تسييل للمحافظ المنكوبة لتنكسر معها كل نقاط الدعم ولا تجدي مع سيلها الجارف سدود مقاومة... والمؤكد أن بعض أصحاب التسهيلات قد ودعوا السوق منذ الأيام الأولى من تصحيح فبراير الأليم، والبعض الآخر قد نجحوا بإيداع مبالغ نقدية في محافظهم لسد العجز فتأخر خروجهم حتى إشعار آخر يتجدد مع كل مرحلة جني أرباح يمر بها السوق... والمتوقع أن جميع محافظ أصحاب التسهيلات وحصصهم في الصناديق الاستثمارية ستكون خارج السوق عاجلاً أم آجلاً ولكن مايحيرني حقاً هو محاولة معرفة النسبة المئوية التي ستتبقى من رؤوس أموال بقية المتداولين عندما تحين لحظة تسييل آخر محفظة تحمل ختم التسهيلات!!.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ