وسائط الثقافة
لو أن التاريخ يباع لوجد عشاق الأرقام المميزة فرصة لاستثمار تاريخ اليوم الذي يوافق 07/07/2007م فاليوم هو يوم السبعات أو ربما يوم الرجال بما أن الرجل يوصف بـ(السبع) أما العام الماضي فقد شهد يوم الستات العالمي، وإن كانت هذه التواريخ لاتستثمر مادياً مثل أرقام الجوال ولوحات السيارات غير أن عشاق الأرقام المتميزة لا يتركونها تمر مرور الكرام فيخترعون لها رسائل جوال أو يختارونها منذ وقت مبكر لإقامة مناسباتهم الهامة كحفلات الزفاف وغيرها. من الرقم المميز إلى المحتوى الرقمي والمطبوع والمرئي الذي تحدثت عنه في مقالي السابق بوصفه وسيطاً لتلقي الثقافة حيث تلقيت ردود أفعال متباينة لن تسعفني المساحة بالتعليق إلا على اليسير منها فالقارئ أبو ناصر يرى أن المقارنة مجحفة بين مايقرأه المثقف العربي والغربي لأن نمط الحياة وأسلوب التفكير يختلف، وهو رأي كنت أتمنى توضيحه لأنه حمال أوجه ويقودني للتساؤل هل طبيعة القارئ وأسلوب تفكيره هما اللذان يفرضان على الكاتب اختيار مواضيع محددة أم أن الكتاب هو الذي يفترض أن يقود حركة التأثير على فكر وتوجهات القارئ؟.
في الواقع هذا الرأي كفيل بأن تتوجه المقارنة من طبيعة القراء إلى الفارق بين مكتباتنا والمكتبات الغربية، فالكاتب الغربي لايستهدف الجمهور بحسب جنسيته أو محل إقامته لأنه يعلم أن المكتبة التي سيعرض فيها كتابه هي مكتبة عالمية الجمهور تدخلها جنسيات مختلفة ويدرك الكاتب أنه إذا كتب بالإنجليزية فبوسع العربي والفرنسي والألماني وغيرهم أن يقرأوا كتابه الذي لابد أن يحتوي على مايثري (أي) و (كل) فكر، بينما المكتبة العربية مخصصة للقارئ العربي وهذا الأمر وحده يضع الكاتب والقارئ والمكتبة في دائرة مغلقة عليهم وعلى نمط حياتهم وأسلوب تفكيرهم السائد الذي تحدث عنه أبو ناصر.
لو سلمنا بأن الكتاب يتوجه لجمهور معين بحسب جنسيته ونطاقه الجغرافي فلماذا نقرأ الكتب الانجليزية أو نلجأ إلى ترجمتها في مكتباتنا؟ مكتباتنا ثرية بالكتب الدينية وبالأدب وأحياناً بشيء من (قلة) الأدب لكن لو بحثنا عن كتب في العلوم الإنسانية والصحية أو في الاقتصاد والسياسة سنجد عدداً ضئيلاً من الكتب العربية التي ربما تعرض ناشرها للإفلاس بسبب ضعف محتواها إلى جانب كتب مترجمة وأخرى باللغة الإنجليزية نستفيد من قراءتها بغض النظر عن نمط حياتنا والخلفية الثقافية لكاتبها. لأن المكتبات الغربية عالمية فلايمكن للكاتب أن يتهاون في ضرورة تقديم محتوى جديد ورؤية خاصة ومعلومات دقيقة وأرقام حديثة وأسلوب سلس وصياغة متقنة، بينما المكتبات العربية ذات المحتوى والقارئ العربي تحصر الكاتب في مساحة فكرية محدودة أو تخلق لنا – إلا من رحم ربي- كتاباً قد يتفاجأون قبلنا بأنهم (منافقون) إذا ما تلقوا عرضاً بترجمة كتبهم لأنهم سيدركون أن الآراء التي تحتويها تلك الكتب بحاجة لإعادة صياغة حتى تصل للمكتبة العالمية دون أن تهين عقل أو شخص قارئها الغربي.
ـ رسالة أخرى طريفة وصلتني من القارئ فهد الحربي الذي يؤكد بأن رائحة المؤامرة ضد الكتاب المطبوع انبعثت من مقالي السابق لذلك سأحاول تعطير هذا المقال بالتوازن قبل النشر خاصة أنني لم أدع إلى نبذ الكتاب بل ما أردت التنبيه إليه هو أن وسائط الثقافة قد تنوعت وعلينا أن نتخلى عن بعض المعتقدات حتى لا نغلق آفاق المعرفة بأوهام الآراء المتعصبة لوسائط عصرها، أنا مع حرية القارئ في اختيار وسيط الثقافة والمعلومات المفضل بالنسبة له شريطة ألا يأتي في هذا العصر من يعتقد يقيناً بأن الكتاب المطبوع هو الوسيلة الوحيدة للثقافة ويصر على إقناعنا بأن المصداقية لاتتوفر إلا في المطبوع وأقولها بعد تجربة بحث امتدت لثلاث سنوات تقريباً إن المراجع المطبوعة التي استعنت بها من مكتباتنا والصادرة عن أكاديميين يحتوي بعضها على معلومات غير دقيقة إن لم تكن غير صحيحة بل وتحتوي على تواريخ خاطئة لأحداث محلية هامة تمكنت من تصحيحها بعد الاستعانة بالبحث على الإنترنت وصدق على صحة المحتوى الإلكتروني أشخاص عاصروا تلك الأحداث.
لن أنسى أن أول موقع وصلت إليه عن طريق الصدفة عندما كنت أحبو في الإنترنت كان المكتبة الإلكترونية لجامعة (هارفرد) الأمريكية، ولست بحاجة إلى التذكير بأن أشهر المؤلفين العرب والذين عرفنا إنتاجهم المطبوع منذ عقود من الزمان أصبحت لهم مواقع إلكترونية وتتوفر آراؤهم رقمياً ونواجههم على الهواء فضائياً وكل المطلوب منا أن نعترف بأن وسائط الثقافة قد تنوعت لمن يرغب باقتناص الفائدة.
لعلي ذكرت أن رسالة القارئ فهد الحربي كانت طريفة، أما الطريف فهو أنه أرسلها من رقم جواله إلى بريدي الإلكتروني عبر موقع الاتصالات السعودية، و كونه أرسلها بهذه الطريقة أو عبر الفاكس أو بالبريد الجوي أو الحمام الزاجل، لايهم... فالوسيلة لاتغير من طبيعة الأمر شيئاً وهي رسالة ذات محتوى وتحمل رأياً غير أن الوسائط قد تطورت.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ