البحث عن فضيحة
بالتأكيد لا أقصد بعنواني ذلك الفيلم الكوميدي القديم, إنما أرمز به إلى مسلسل تراجيدي, واقعي نعيشه كل يوم, مُنتجه لا يبخل على إنتاجه بالغالي لترويج الرخيص, ومُخرجه يتفنن باستخدام المؤثرات والخدع والمبالغات التصويرية, وأبطاله محترفون في أداء الأدوار الهابطة. أما الجمهور فهو مع الأسف كبير وما أكثر هواة القيل والقال والخوض في سير وأعراض الآخرين والتلصص عليهم, وأرقام التوزيع المرتفعة لهذا المسلسل تكاد أن تؤكد القاعدة العربية الشهيرة التي اخترعها عالم في الإسفاف واختصارها (الجمهور عايز كده).
هل حقاً هذا ما يفرضه على واقعنا جمهور خاوي الفكر ومُفتقد للقيم الأخلاقية؟ وهل أصبح البحث والتنقيب عن فضائح الآخرين هدفاً وسلعة سريعة الانتشار والرواج؟
الإجابة مع الأسف: نعم!!
الدليل: نشاهده بزيارة سريعة لأرفف المكتبات التي تعج أغلفة مجلاتها بعناوين تشير إلى نشر فضائح وأسرار خاصة ضمن صفحاتها, فتبيع!!
ونراه على الانترنت بإعلانات تقتحم بريدنا ومتصفحاتنا لا يخجل صاحبها أن يدعونا لموقعه الموقر الذي يفخر بنشر أحدث الفضائح وأقذع الصور التي تتتبع عورات الآخرين.. هذه هي رسالة العديد من المواقع العربية وللعجب!! تنجح, وتحقق أعلى معدلات الزيارات.
ونسمعها في المجالس والصوالين العامرة بنجومها ممن ينسجون الروايات عما فعلت تلك وأقدم عليه ذاك ليجدوا آذاناً صاغية وعقولاً متأهبة لإعمال سوء الظن وإطلاق خيالها بالتحليلات والاجتهادات والتهويل فتحلو الجلسات على نغمات الغيبة والنميمة والتهام وليمة من لحوم الآخرين.
ويجد عشاق تلك الهواية المذمومة ضالتهم في كتب تُساير الموجة فيوردونها إلى الخارج لنشر غسيل الفنانين والساسة والمشاهير, ونجد من يحرص على اقتنائها من المكتبات اللندنية للتسابق على فك رموز الأسماء وكشف خبايا يعلمون يقيناً أنها في أغلبها ملفقة, لكن قاتل الله الفضول والبحث بشمعة عن فضيحة, وآخرون يُجاهرون بالمعاصي ويُفاخرون بعرض صور آثامهم وسرد قصص بطولات من ورق أسود.
ولكل هؤلاء أسوق البشرى في قوله تعالى: {إنّ الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدّنيا والآخرة}.
ولمن يختلط عليه مفهوم النصيحة بالفضيحة فيجتهد في قراءة نوايا الآخرين وكشفها على الملأ متذرعاً بردعهم وتقويم غيرهم بفضحهم أهدي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إني لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس, ولا أشق بطونهم), وقوله: (يا معشر من أعطى الإسلام بلسانه, ولم يدخل الإيمان قلبه, لا تؤذوا المؤمنين, ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته).
وللمجاهرين أذكّرهم بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً, ثم يصبح وقد ستره الله, فيقول: يا فلان, عملتُ البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربّه وأصبح يكشف ستر ربه).
فبشرى هؤلاء بعواقب تلك الهواية التي تفتك بأخلاقيات المجتمع, وحذار من أن تركن للجلوس اليوم على مقاعد المتفرجين المستمتعين بسيناريو هذا المسلسل الذي من شيمة كتابه الغدر فقد تجد نفسك غداً ذلك المغدور به فتندم حين لا ينفع الندم.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ