حصة أولى أهداف
تخرجتُ من مدرستي من القسم العلمي.. وتخرجتُ من جامعتي من كلية الآداب..وبعد عناء وبمحض الصدفة وجدت طريقي إلى محطتي المنشودة والتي غابت عني كل هذه السنوات فارتميت في أحضانها بكل ما أوتيت من قدرة وعزيمة على التعلم من جديد لأتمكن من تأسيس عملي الخاص في مجال الانترنت والنشر الالكتروني.
لم تكن هذه مجرد سيرة ذاتية بقدر ما هي سيناريو متكرر لحالة من التخبط الملحوظ الذي كلما توقفت لمراجعته أدرك حجم الخطأ الذي وقعت فيه أنا وعدد كبير من بنات وأبناء جيلي, ولازالت أجيال أخرى تتوارث هذا الخطأ الجسيم... فلم تكن لدينا أهداف مرسومة نبني عليها اختياراتنا منذ وقت مبكر, وغالباً ما يحكم المعدل على الاتجاه للقسم العلمي أو الأدبي في المرحلة الثانوية, ثم ما إن نشعر بحرية الانتساب إلى الجامعة والانتقال إلى مرحلة جديدة حتى نبحث عن القسم الذي يجتمع فيه الصحبة معاً أو لعلنا نختار الأسهل لتلافي العناء..وننتهي من سنوات الدراسة والتأسيس ويحاصرنا السؤال الصعب: ماذا بعد؟
الحقيقة المفزعة هي أن نسبة 90% من شباب اليوم لن يتمكنوا من الإجابة عن هذا السؤال المكون من كلمتين بعد التخرج من الجامعة بسبب عشوائية الاختيار للتخصص الدراسي ومجدداً غياب الهدف أو (البوصلة) التي تشحذ القوى الذهنية وتحفز صاحبها على تكريس الجهود لجمع المعلومات التي تتصل بهذا الهدف وتصقل القدرات... والواقع أن الهدف غاية لا يمكن أن تتحقق دون إعداد النفس لها منذ نعومة أظفارنا.
والحصيلة أفواج من الخريجين والخريجات قد يلتحقون بأعمال لا تناسب ميولهم ومواهبهم الدفينة تحت أنقاض جهل القدرات الذاتية ويفتقدون بالتالي الحماس للعمل والحرص على اتقانه... والأخطر الفراغ الفكري. فالإنسان عندما يفتقد الهدف والقضية التي تشغل فكره يصبح عقله كالوعاء الفارغ القابل للامتلاء بأي أفكار ضارة أو نافعة .لا أظنني جئت بجديد, فما أسلفت ذكره قد أشبعه غيري بالنقاش والدراسة ولكننا لازلنا نفتقد التفعيل العملي لتدارك هذه المشكلة... وأمنيتي أن يكون هذا التفعيل بإضافة مادة متخصصة يبدأ تدريسها على أقل تقدير في المرحلة الإعدادية تساعد الطالب والطالبة على تحديد الأهداف قبل الوصول إلى مرحلة اختيار التخصص الثانوي وتضم بين ثناياها آليات تربوية لاكتشاف القدرات الذهنية والإبداعية ورصد جوانب التميز في كل شاب وشابة.
أمنيتي أن أشهد انطلاق الحصة الأولى لمادة الأهداف بمدارسنا واستبشر معها بجيل جديد لن يقع في أخطائنا وأشد على يده ليغتنم الفرصة قبل فوات الأوان..
*رئيسة تحرير مجلة (عربيات)الالكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ