صناع الحياة
خطفت قناة المناسبات الفضائية أنظار المشاهدين بتحولها إلى قناة ( صناع الحياة ) مؤقتاً لبث شعائر الحج مع الداعية ( عمرو خالد ) من داخل أحد المخيمات... وأخالها قد كسرت بنجاحها قاعدة أتمنى أن يستمع إلى صوت انكسارها إعلامنا العربي المرئي ليدرك أن بوسعه أن يقتبس أفكار رائعة من الإعلام الغربي مثل تلفزيون الواقع، إلا أن أضعف الإيمان أن يتم تطويع الفكرة المقتبسة لتكون هادفة ومتوافقة مع طبيعة واحتياجات الجمهور العربي.
في بعض الأحيان أتمنى لو أن العديد من خطواتنا لم تسبقها دراسة مستفيضة وتخطيط وحملات دعائية، خاصة عندما نعلم أن بعض القنوات والبرامج الفضائية العربية يستغرق الإعداد لها شهور وربما سنوات فنترقبها ثم نصاب بالخيبة ونَقبل بها واقعاً وهمياً نعيشه... أما قناة صناع الحياة - فعلى حد علمي - قد ولدت فكرتها قبيل الحج بفترة بسيطة، تم العمل خلالها بهدوء فرأت النور سريعاً كبث فضائي بالإضافة لبث مباشر على الإنترنت وتصويت عبر رسائل الجوال SMS وأقبل الناس عليها مستبشرين بمشاهد كان أجمل مافيها تلقائيتها التي أسهمت في أن تجعلها قريبة من النفوس.
اقتربنا كثيراً – وربما في بعض الأحيان أكثر مما يجب – وعايشنا شعائر الحج بأشكالها المختلفة صوتاً وصورة وروحاً وجسد بين من اختار أن يحج راكباً ومن اختار أن يحج راجلاً وشعرنا مع كل منهم بالمشقة التي تقتفي أثرها لحظة فوز حتى تجهز عليها فرحاً وتمحوها... والتصقنا بصورة نعرفها ونشاهدها كل عام تعكس عظمة الحج في تحقيق حالة فريدة من المساواة والتكافل بين البشر بكبارهم وصغارهم ورؤسائهم ومرءوسيهم، ولكننا أبحرنا هذا العام في أعماق تلك الصور الجميلة لنتعرف على تفاصيلها في مخيم الداعية ( عمرو خالد ) صاحب برنامج المفاجآت التي التقطت كاميراته تجانس جنسيات مختلفة وطوائف متعددة وخبرات متنوعة لم يملك المشاهد أمامها إلا أن يخرج وهو متفقاً ومتوافقاً معها ومتقبلاً وجودها في قالب واحد.
بعض حكم الحج نقرأ عنها في كتب التاريخ بعد أن كاد الزمان يمحو أثرها من حاضرنا ولعل منها التبادل التجاري والتلاقح الثقافي... فلم تعد قوافل الحج تأتي محملة بالتجارة، بل ولم نعد نحتاج لذلك بعد أن أصبح للتجارة طرق معبدة تستقبلها على مدار العام... كما لم يعد لدى الحاج متسعاً من الوقت للتعرف على الثقافة أو البحث عن الاستفادة من هذا التجمع على مستوى المعرفة بعد أن أصبح للمعرفة روافدها الأخرى في عصر الاتصالات الحديثة، حتى جاء هذا البرنامج وأحيا بطرحه شيء من تلك الحكم... فكان رائعاً أن نستمع إلى محاضرة عن الاقتصاد الإسلامي ومخارج الزكاة من الشيخ صالح كامل... وأن نقترب على الطرف الآخر من السياسة مع الرئيس ميقاتي... ولعل الأجمل من كل ذلك استثمار هذه المناسبة لعرض مشاريع تنموية خطها الشباب بأحلامهم وحماسهم وتبناها رجال الأعمال من قلب مخيم الحج وخارجه لتتحول إلى واقع تنتفع به الأمة، أراه كان بعيد التحقيق إذا ماطرح بأي صيغة مختلفة وفي أي توقيت آخر، حتى أنني تمنيت لو أن أيام الحج امتدت سنوات يتواصل خلالها هذا السخاء لنقضي على مشاكل البطالة ونمحو الجهل ونهتم بالترجمة ونطور التكنولوجيا وننشر الوعي بين أفراد مجتمعاتنا .
هل كان ماشاهدناه حلماً أو واقعاً يبشر بعهد جديد يؤمن فيه رجال الأعمال والشركات والمؤسسات التجارية الكبرى في مختلف بلادنا العربية بفكر الشباب وضرورة تبنيه ودعمه قبل أن يقتله الإحباط وتبتلعه الخيبة؟... الإجابة سأنتظرها غداً أو ربما في الحج القادم، أو لعلها تكون في استمرارية هذا البرنامج وغيره من البرامج التي ترمي إلى نفس الهدف .
أما لبرامج فضائياتنا الموقرة فأتمنى أن يكون لإقبال الجمهور هذا الطرح وقع لديها لتزيدنا من برامج الواقع شيئاً يرتقي بواقعنا الذي لم يعد يحتمل تغييباً... ولا أقول برامجاً دينية، ولا وجبات ثقافية دسمة، ولا محاضرات علمية معقدة... ولكن فلتمنحنا واقعاً نعيش معه ليل نهار في برامج إعداد الشباب خطوة بخطوة ليبتكروا شيئاً جديداً نباهي به الأمم... وآخر يتنافسون فيه بتنمية مهاراتهم الحرفية.... وغيره ليتخرج منه الشباب ساسة ودبلوماسيين وإعلاميين... فكفى بهذا البرنامج أن يمنح القائمين على الفضائيات العربية ببعض الاطمئنان على إقبال الجمهور والمعلنين... ولأزيدهم اطمئنانا بلغة الأرقام فلن أقول أن الناس قد أقبلوا بناءً على حديث المجالس أو اعتماداً على الأرقام التي وردت خلال البرنامج عن أعداد المشاركين في التصويت للمشاريع المشاركة ولكن عجزت حقاً عن تصور العدد الحقيقي للمشاهدين عندما وجدت أن موقع الداعية عمرو خالد والمرتبط بفقرات البرنامج قد عجزت منتدياته التفاعلية عن استقبال الزوار في لحظة كتابتي لهذا المقال علماً بأن قدرات خادم الموقع الاستيعابية كبيرة جدا حتى أنها ظلت تحتمل معدلات زيارة يومية مرتفعة إذا قسناها بترتيب الموقع العالمي وفقاً لمركز دراسات ( أليكسا ) فهي حوالي نصف مليون زائر يومياً تزيد أو تقل عن ذلك فالمهم أنها تلامس هذا العدد الذي ارتفع خلال فترة الحج بنسبة 44% وفقاً لنفس المصدر المستقل... فإذن ( الجمهور عايز كده ) وبوسعنا أن نقدم برامج ذات أفكار جديدة ومثيرة تحقق أرباحاً وفيرة ويكون هدفها متوافقاً مع مساعينا لبناء نهضة شاملة تقوم على سواعد أبنائنا ويدعمها رجال أعمالنا.
ويحق للغرب بعد أن أقام نهضته في مختلف المجالات أن يستريح ويحتفي ويطلق في فضائياته مسابقات الغناء والجمال... إلا أن من يسعى اليوم إلى استعادة نهضته ( كارثة ) أن يبدأ من حيثما انتهى الآخرين متجاوزاً وضع حجر الأساس ومصراً على أن يعتلي قمة لم يكن هو صانعها .
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]