محنة الآداب والفنون
سعدت كثيرا حين وقعت عيني في جريدة الرياض الغراء على ثلاث مقالات لأخي الكبير الاستاذ علي حسن العبادي بعنوان ( ما هكذا يكتب الشعر !؟ ) نشر أخرها بتاريخ 1\ 3 \1422 هجرية ، وحمدت الله ان وجد استاذنا الكبير فسحة من وقته المزدحم بالقراءة والبحث والتعليم ليطل على الساحة الادبية بشئ من النقد الاصيل يقوم به السنة هؤلاء الناشئة الذين أغرتهم بإيذائنا سهولة النشر واغضاء النقد كما يقول الأستاذ أحمد حسن الزيات يرحمه الله ، ويصحح للكثير من المبتدئين الذين نفخت أوداجهم ألقاب الإبداع والريادة التي غدت تطلق في صحفنا دون حسيب ولا رقيب على كل من هب ودب ممن لا يملكون فكراً ولا يحسنون نثراً أو شعراً ولا يفقهون لغة ولا يأبهون لبلاغة أو نحو أو عروض .
ان اعراض اساتذتنا من أهل العلم باللغة والدراية العميقة بأصول البلاغة وعروض الشعر وفنون الادب من أمثال الأستاذ علي حسن العبادي ، قد أدى إلى أن تمتلئ صحفنا السيارة بغثاء من الشعر والنثر، وأن يتقارض هؤلاء الكتبة والشعراء الثناء وتنهال عليهم مدائح الجهلة والقاب التافهين ويدوي في آذانهم هتاف النظارة حتى ظنوا انهم عباقرة الدهر وعمالقة الكلمة وافذاذ الأدب فلم يعودوا يقبلون نقدا ولا يستمعون لنصح أو يأبهون بتعليم إرشاد .
ورحم الله كبار شعرائنا وادبائنا الذين قضوا نحبهم أوهم يعيشون بين ظهرانينا في عزلة وصمت دون أن تضفي عليهم ألقاب الريادة أو تسلط أضواء الصحف والتلفزة أو تنشر صورهم بالألوان والمكياج .
بل لقد بلغت محنة الأدب والفنون وهبوط الأذواق وفشو العامية وانتكتس الذوق العام واجتراء انصاف المتعلمين وارباعهم ، ان غدت العربية الفصحى وفنونها ونماذجها الرفيعة هدفا مستباحا للتهجم والانتقاص والتهمة ، واعتبرت أصولها وقواعدها قيودا على الأبداع وحجر على المبدعين ، واغلالا تعود بالامة القهقرى .
ثم تطورت الأمور من بعد فغدا تهجم النكرات من الكتاب والكاتبات على الذات الألهية وطعنهم في أصول الدين وانكارهم لفروض الشريعة وازدراؤهم لتراث الأمة ، هو ذروة الأبداع الفني والأدبي ، كما أصبحت قذراتهم التي يكتبونها عن الجنس والفواحش والشذوذ غاية الحرية وجوهر التحضر والمعاصرة والتنوير .
وليت هؤلاء المستغربين المستنيرين يقلدون ساداتهم الاوربيين في الحفاظ على نقاء لغاتهم وأصالة آدابها ، والحفاظ الدائم على تراثها والعكوف على دراسة الأقدمين من أدبائها وليتهم يقلدون العدو الصهيوني الذي أحيا لغاه الميته العبرية وجعلها لغة الدولة والأدب والعلوم والفنون .
ان المرء ليبتهج بتصحيح خطأ يأتيه من صديق ، ويهش لارشاد يتلقاه من صاحب أختصاص ويسعد كثيرا بنقد موضوعي يتفضل به عليه قارئ أو زميل ، واني لأرجوا ألا يأتي علينا زمان يفتقد فيه المرء الناصح أو ينأى بجانبه عن المرشد المعلم أو يستنكف عن طلب العلم والتماس النصح وابتغاء الصواب .
تحية لأخي الكبير الأستاذ علي حسن العبادي ودعوة له ولأمثاله من أساتذتنا وعلمائنا وأهل الأختصاص في ربوعنا ألا يتركوا الساحة ويعرضوا عن النقد فان ذلك جهادا مبرورا في سبيل الله ورباط مأجورا على ثغور الأمة والى الله المشتكى وهو وحدة المستعان .