العيون الهاربة
عيناها تلاحقان عينيه . . . أين ستستقر نظراتهما ؟
عيناها تتابعان عينيه . . . أين تبحر نظرات عينيه ؟
لقد عجزت أن تصطاد نظرة واحدة من عينيه ، تحتضن وجهها. . .
عيناه (( لائجتان )) . . . هاربتان . . . خائفتان
عيناه (( لائجتان )) سكبت الحيرة في أبعادهما. . .ونطق الأسف و الندم في عمقهما
نظراتها تطارد وجهه . . . تطارد عينيه . . . و هو يركض بعيداً عن
وجه حبيبة العمر . . . يَفر من قوة نظرات عينيها . . . القادرة أن تقرأ
و تفضح كل ما تخفي عيناه !
وجهه تحول إلى عيون (( لائجة )) . . . وجهها تحول إلى عيون
(( مطاردة )).
سألته و هي تهزه لتوقف نظراته اللاجئة :
- ماذا بك ؟ . . انظر في عيني . . . نظراتك تائهة . . . شاردة ،
وعيناي ظمئتان للارتواء من عمق أنهار حنان عينيك . . .
لم يجبها . . . أوجعه حبها . . . إخلاصها . . . ثقتها بما بينهما .
بقيت عيناه (( لائجتين )) . . . إذا استقرت نظراته في نظراتها . . .
ماذا تراها ستقول لها . . . لامرأة الدفء و الحنان . . . امرأة المواقف
و المبادئ و الحب و الإخلاص ؟ ماذا ستقول لمعاناتها و قلقها و ظنونها ؟
نظراته تخاف أن تمتزج بملامح وجهها الشاحب . . . فتحترق
بتأنيب الضمير على السماح لأنثى عابرة أن تسرق الفرح و الأمان
من الحب الحقيقي الوحيد في حياته . . .!
إن سقوطه في اللذة المؤقتة مع امرأة عابثة يؤلمه . . . يؤرقه . . .
امرأة ما أتت له حباً فيه . . . و لا إعجاباً بشخصه . . . إنما لأغراض
و أهداف . . . امرأة استعملته كما استعملتها . . . امرأة ألقت به كما
ألقى بها في سلة المهملات .
وجبة سريعة . . . لكنها وجبة فاسدة . . . أفسدت حياته . . .
هذا السقوط دفعه لمعاقبة نفسه بهذا الشرود . . . عيناه ستظلاّن
(( لائجتين )) خجلاً من الانسكاب على وجه من أحبته لشخصه دون أن يكون لها هدف ولا مأرب .
هذه المرأة هي العشق المتجذر في عمره . . . كيف سمح لنفسه
أن يجعلها مادة للحديث بينه وبين تلك المرأة العابثة ؟
كيف جعل امرأة مشاعة تختال فرحاً لأنها اختطفته و لو مؤقتاً من
المرأة التي أعطته ثقتها و حبها الصادق ؟
من أحبته بصدق استودعت نفسها عنده . . . أمنّته على اسمها
وفكرها . . . أعطته وحده حق الامتياز في امتلاك قلبها .
كيف خان الأمانة . . . و جعلها أمام كل من عرفهما معاً موضع
شفقة على ثقتها العمياء فيه . .؟ كيف هانت عليه و هي التي حافظت
عليه كنور عينيها . . . كنبض قلبها ؟
يا لجبروته . . . كيف تباهى أمام أصدقائه بتلك النزوة . . . و هم
يعلمون عمق ما يربط بينه و بين امرأة الصدق و الوفاء ؟
جميع من عرفها معه . . احترمها . . حسده عليها على إخلاصها
وتفانيها في هواه . . . فهل كان هذا جزاءها منه. . ؟ لقد فقد صدقيته أمام الجميع . . !
هو لم يطعنها في ظهرها بل في صدرها . . .
ماذا سيحدث لها أو أخبرها أحدهم ما كان من أمره و أمر تلك
المرأة اللاهية ؟
هل ستغفر له حين تعلم أنها كانت آخر من يعلم . . و أنها كانت
طوال هذا الوقت موضع شفقة الجميع ؟
لو هي فعلت به ما فعل بها . . هل كان سيغفر لها ؟
لماذا لم يقس الأمور على نفسه . . ؟
لقد خانها بإخلاص . . كذب عليها بصدق . . !
الخيانة وجعها أنها تخلط الذكريات . . . فلا تعرف متى كنت
بحق مقدراً معززاً لها. . . و متى كنت مستغفلاً لها . . . ! ؟
الخيانة تحرق كل الأوراق . . . و تهدم كل الأحلام .
إنها اللاصدقية في كل شيْ . . . من ملامح وجهها الشاحب
الحزين ، كان يشعر بقلقها و معاناتها . . . رغم هذا لم يرحمها . . .
استمر في نزوته . . . و الآن ماذا سيقول لها . . ؟
دارت هذه الأفكار اليائسة في رأسه . . . لم يلاحظ و هو شارد
الذهن أنها استطاعت أن تلقي القبض على نظراته (( اللائجة )).
أن نظرات عابثة خائنة . . .
المرأة العاشقة قادرة أن تقرأ ما وراء النظرات (( اللائجة )) . تأكدت
أنه سرق . . . خدع بامرأة أخرى . . . امرأة من أجل متعة و نزوة
مؤقتة ، أخبرها بكل ما كان يخبرها . . كرر لها حكايته . . .
و هداياه . . . قبّل الأرض بين يديها . وكان لها الخادم
المطيع . . . !!.
الفرق بينها و بين الأخرى . . . أنها هي أحبته و الأخرى
استعملته . . . لم تغضب . . . و ِلمَ الغضب ؟ لقد أحبته
بضميرها . . .
مَن أمامها ليس حبيبها . . . حبيبها آخر ! لكن ليس هذا الذي
أمامها !
انسحبت بهدوء . . . لم تعد تصلح له . . . و لم يعد يصلح
لها . . . محال أن تستمر علاقة حب على أرض التوجس و الشك
و القلق و الحيرة . . . الشك يقتل الحب .
(( إن التصاق الزجاج المكسر ضرب من المستحيل )).
تركته يمارس حريته بلا قيد . . . بلا رقيب . . . بلا حبيب .
مرت الأيام . . . تعب من حريته . . . افتقدها . . . افتقد حبيبته .
افتقد إخلاصها . . . التزامها بحبه في زمن اللهو و المجون . . .
سعى إليها . . . التقيا. . .
راحت عيناه تلاحقان عينيها . . . لكن عينيه عجزتا أن تصطادا
نظرة واحدة من عينيها . . . عيناها (( لائجتان ))
نظراتها (( لائجة )) . . . نظراتها هاربة من نظرات عينيه !
إنها نظرات حزينة رافضة !!
شهد الكلام
يقول الناس إنك خنت عهدي
و لم تحفظ هواي و لم تصنّي
رشة عطر
العيون اللاجئة : إما عيون عابثة …
أو عيون نادمة آسفة … أو عيون حزينة رافضة !!