بنات أفكار مبعثرة
يسافر الإنسان حاملاً معه متعلقاته الشخصية وحقيبة امتعته ولوازمه وينسى أنه يحمل ذاته ومشاكله أينما ذهب....نحتاج إلى اجازة من وقت لآخر نكسر فيها أطر الروتين ونبدد غيوم الرتابة،ولكن السفر قد لايفلح في شحننا بالطاقة الإيجابية التي تضفي على الحياة لوناً وردياً إن كان مجرد هروبٍ من الواقع بمشكلاته دون البحث عن حلولٍ جذريةٍ لها....قد يكون السفر مسكِّناً قصير الأمد فحسب ولكن تظل المشكلات قائمةً في دواخلنا وقد تستفحل وتقف حائلاً دون الإستمتاع بلحظةٍ جميلة أينما كانت مما لا يزيد الوضع إلا سوءًا حيث تصبح السعادة نصب أعيننا ولانتذوقها أو حتى نراها... وقفةٌ مع النفس نحتاجها قبل حزم أمتعتنا نصل فيها إلى حالة سلام ورضا أو على الأقل أن نتقبل ونفهم أوضاعنا ومشكلاتنا مع وجود العزيمة والرغبة مدعومةً بالأمل لمواجهتها.
من أعقد العلاقات التي يمكن أن يقيمها شخص ما وأكثرها حساسية هي علاقة الإنسان مع نفسه....إن مدرسة الوحدة تعلمنا أن نعقد صلةً حميمة مع ذواتنا....فما أجمل أن يصادق الإنسان نفسه وأن يشخص منها شخصاً آخر يتحاور معه ويسامره بل ويتعرف عليه أكثر فأكثر ولكن يدق ناقوس الخطر حين تتحول حوارات النفس وجمالية التعايش معها إلى بديلٍ عن الحياة الإجتماعية عندها فقط يتحول الإنسان إلىى فرد ٍمنطوٍ مخالفاً بذلك الطبيعة الإنسانية التي تفرض كون الإنسان مخلوقاً اجتماعياً في مثل هذه الظروف تختل كفتا الميزان ولايتحقق الإستقرار والتوازن على كلٍ من الصعيدين،بين الإنسان ونفسه وبينه وبين الآخرين.
أن يقف الإنسان مع نفسه وقفةً صادقة بعد هدوء عاصفةٍ ما أو انقضاء مشكلةٍ ما ويبحث وراء الدروس التي يمكن ان يكون قد تعلمها واستاء منها من جراء هذه التجربة هو قمة النضج وفي ذات الوقت قمة الألم...فمواجهة الأخطاء واجترار الماضي بدقة ليست عملية سهلة لى الإطلاق ولكنها تسهم بشكل رئيسي في امكانية تفادي هذه الأخطاء مستقبلاً. إنها عملية عسيرة ولكنها طويلة الأمد.
تتمحور شخصية كلٍ منا حول محور ما فيرى ذاته من خلاله ويكون تحقيقه لذاته متوائماً وذلك المحور تماماً....قد يكون هذا المحور هو العائلة أو الأصدقاء أو نظرة المجتمع أو المال أو حتى الزوج أو الزوجة.... فمن تمحورت شخصيته حول عائلته رأى في رضى العائلة وتوازنها منتهى النجاح والإستقرار والعكس بالعكس...أما من كان الأصدقاء هم محور حياته فتصبح الأمور مرتبطة بهم وبإنتمائه لهم إلى حد بعيد وذلك غالباً ما يحدث في سنوات المراهقة....وحينما تتمحور الحياة حول نظرة المجتمع يرى الشخص ذاته من خلال المجتمع وفي مرآته ويصبح رأيه في نفسه هو رأي المجتمع فيه...والمجتمع لايرضى أبداً!!! أما المال فمن تمحور حوله أصبح وزنه للأمور يقوم دائماً وأبداً على الماديات وماعداها لايساوي كثيراً....كذلك العمل أو الوظيفة قد تجعل من الإنسان عبداً لها فلا يرى صدى نجاحه أو فشله إلا من خلال عمله وعمله فقط. جميع الناس ليسوا من ذوي المحور الواحد.....وإنما متعددو المحاور وكثيراً مايعلقون فشل أحدها على الآخر...ولكن المحور الحقيقي الذي لايطوله نقص وهو ثابت مرتكز كالوتد هو محور المباديء الصحيحة....أن يتمحور الإنسان حول مبادئه التي هي حصيلة سنواتٍ من الخبرة والمران والتفكير تجعله قادراً على مواجهة كافة شؤون حياته بحكمة ونجاح سواء كان ذلك على صعيد العائلة أو الصداقات أو العمل أو المجتمع....فالمبدأ هو الفيصل بين خطأ وصواب ولديه من الثبات مايجعله راسخاً وان تغيرت نظرتنا له أو طريقة تطبيقنا واتباعنا له.