وجبة خفيفة لعقل القارىء العربي
يعيش الناس على هذه الأرض تضبطهم قواعد من الخوف و الرهبة منتزعةً من العلم اليقيني بوجود حياةٍ ما و خلودٍ ما في مكانٍ آخر و بكيفيةٍ أخرى..
يبقى مثل هذا الأيمان و تلك القناعة حتى لا تتحول الحياة الى غابةٍ ضارية يأكل قويَّها ضعيفها..فمن يقرأ في تاريخ الأديان يدرك أنه لولا هذه الحقيقة ما دامت البشرية على وجه الأرض. فقدماء المصريين من الفراعنة قد آمنوا بعقيدة الخلود بعد الموت و أعدّوا لها العدة من تحضيراتٍ طويلة لإعداد المومياء التي تجعل الجسد يتحدى الزمن إلى صلواتٍ و قراءاتٍ تقرؤ على الميت حتى تنال روحه الخطوة في العالم الآخر..كما نجد الطعام و الشراب و الجواهر و الملابس الثمينة تدفن مع الميت أو لعلها توضع في مقصورته تحت الهرم حتى يتمتع بحياةٍ مرفهة يعلم الله أين تكون! إن من يتصفح (كتاب الموتى) يدرك بما لا يترك مجالاً للشك مدى مصداقية الايمان بتلك الحياة و مستوى الإعداد الذي يتطلبه الانتقال من الموت إلى الحياة الأخرى.
كذلك هي الحال عند قدماء اليونانيين زمن هو مر حيث سجلت (الإلياذة) و (الأوديسة) مصورةً (أوديسيوس) و الجاً الى العالم الآخر حيث يجلس قاضٍ يحكم بين الموتى و يزن قلوبهم فيرسل الأرواح الشريرة إلى جحيم الهاوية أو السجن أما تلك الأرواح المحملة بالخير فيكون مصيرها منتهياً الى الجزر السعيدة وحين ننظر إلى عقيدة أهل التبت نجد تناسخ لأرواح هو القالب الذي وضع فيه الايمان بحياةٍ ما بعد الموت.حيث يموت الشخص فيحرق جسده وتحاسب روحه خلال أربعين يوماً قبل أن تبعث في جسدٍ جديد و يصبح شخصاً آخر أو حيواناً بحسب عمله فالشرير يبعث في صورة كلبٍ أو خنـزيرٍ و الطيب الكريم يبعث في صورة أمير جميل..هكذا تكتمل الدورة و يتحقق التوازن تماماً إن لم يكن في عالمنا ففي عالمٍ آخر يقع بعده أو ما وراءه.
وحين ننظر إلى ديننا الإسلامي الحنيف نجده يؤكد فكرة الحياة الآخرة و مرور الانسان بمرحلةٍ وسطيةٍ بين الدنيا و الآخرة ألا و هي الحياة البرزخية.كما يرسم ديننا صورة كاملةً للأحداث التي تقع خلال كل مرحلة بتفصيلاتها محترماً قانون الفردية و المسؤولية فكل شخصٍ يتحمل نتيجة عمله و حصاد أيامه.
كثيرون هم الذين ينادون بتضييق الأفق و تحريم قراءة أي نصٍ ديني أو روحاني في الديانات المختلفة..مثل هذه النصوص التي تعبر عن حياة الشعوب الروحية و معتقداتهم الفكرية لا تزيد القارىء المستنير إلا إيماناً بالله الواحد القهار و لا تزيد الإسلام إلا تشريفاً و رفعة وتألقاً..لقد نضج الدين الإسلامي أتم نضج و حقق معنى العدالة من أوسع أبوابها و لن يتسنى لفردٍ من كان أن يصل الى قناعاتٍ راسخة و عقائد لا يشوبها شائب إن لم يقرأ و يطلع و يقارن عندها فقط يرضى و يذعن و يصبح نسيجاً متجانساً في روحه و عقله و وجدانه.