من قلب القمة كلمة تجمع الأمة
أردت أن أطرح قراءة لكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح أعمال قمة مكة, إلا أنني وجدت أنها كانت في واقع الأمر بحد ذاتها قراءة متكاملة لاتقبل الزيادة ووضوحها لايترك شيئاً بين سطورها لم يذكر عن واقع الأمة وتشخيص أمراض جسدها, ووصفة علاج تنتظر من يحسن تعاطيها ليشفى.. القمة استثنائية بكل المقاييس ولنا أن نلمس أهميتها منذ توقيت توجيه الدعوة لها حيث طرحها خادم الحرمين الشريفين في خطابه للحجيج أول أيام العيد من عام 1425هـ, ذلك التوقيت الذي يجتمع فيه المسلمون تربط فيها بينه وبين الدعوة إشارات عديدة قد يكون أهمها ما تعكسه من رؤية عميقة ووقفة مع هذا الحدث للنظر في أحوال المسلمين وترسيخ الوحدة التي يعيشونها في أيام الحج القصيرة.. فالحج هو التجربة السنوية الأكثر ثراء في حياة المسلمين, يشعر حتما كل من يتابعها أو يعيشها بإيجابيات عديدة لابد وأن تستثمر وسلبيات أخرى لابد وأن تعالج.. ولم يكن ليمر هذا المشهد العظيم أمام خادم الحرمين الشريفين مرور الكرام بل يبدو أنه حفظه الله رآها صورة من التضامن والقوة التي قد أوجدها الله لتبقى ما دمنا نملك القدرة على استيعاب الحكمة الإلهية من هذا الاجتماع السنوي للأمة.
لم يكن بين الكلمات الواضحة سطور خفية تقرأ, ولكن كان بينها آمال تسكن نفوسنا بتنا نشعر أنها تتحقق في القمة التي جمعت قادة الدول الإسلامية على أرض القبلة لتستدعي من ذات البقعة التي انطلقت منها الرسالة الإسلامية حضارة قد آن الأوان لينتهي زمن وقوفنا على أطلالها وحق لنا أن نعمل على إحيائها.
صدر البيان الختامي بكلمات يعبر الواقع عنها وهو يجمع القادة مصدقين على أهمية الإرادة السياسية الكفيلة بتحويل الرؤى والتوصيات إلى واقع ملموس ومصلحة مشتركة ووحدة منشودة.
وكان الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والتبادل التجاري بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي مطلبا هاما في مرحلة نخوض فيها وغيرنا من الدول الإسلامية تجربة الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.. فلم تغفل المصالح المحلية لكل دولة عن المصالح المشتركة بين الأخوة, وحظي دعم اقتصاد العالم الإسلامي بنفس الاهتمام من خلال إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الدول الاعضاء وإنشاء المؤسسة الإسلامية الدولية لتمويل التجارة والتعاون للقضاء على الفقر والبطالة والامراض التي تستشري في الجسد الإسلامي.
وفي خطوة حقيقية نحو طريق استعادة أمة (اقرأ) للنهضة العلمية كان من مبشرات القمة اهتمامها بالتعليم وتطوير مناهجه لبناء الإنسان المسلم الذي يسعى الى تحقيق أولى رسالات دينه ويمضي قدما ليواكب احدث ما توصلت اليه الحضارة العلمية المعاصرة فيملك ادوات تطويعها واستثمارها ليرتقي بنفسه وبمجتمعه وبأمته.
ولأمة قد اشتق اسمها من السلام أكدت القمة على هذه الحقيقة بعزيمة لتعزيز قيم التسامح والحوار والسلام دون أن تلغي حق الدفاع عن قضاياها أو تتخاذل عن نصرتها فلم يغفل البيان الختامي عن فلسطين ولا العراق ولاكشمير.
كما جاء البيان مؤكدا على أهمية اصلاح مجمع الفقة الإسلامي ليكون مرجعية فقهية عليا للأمة الإسلامية.. وكم تحدونا الآمال ليتحقق ذلك في زمن يتشتت فيه المسلمون بين الفتاوى المتضاربة التي تبث في جسده الاضطراب والفرقة.. ونعول كثيرا على هذه التوصية , الا ان ما ننشده حقا ان يكون للمجمع الدور المطلوب في تعزيز نقاط الالتقاء وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي اختلطت بها عادات وتقاليد قد يكون بعضها من مواريث الجاهلية بفتاوى تستند الى شريعة سمعة وجدت لتكون صالحة لكل زمان ومكان وتميزت عن غيرها بباب الاجتهاد الذي يكفل لها ديمومة هذه الصلاحية حتى آخر الزمان.
لقد حملت لنا القمة البشرى بتوصياتها وخططها المستقبلية, والآمال معقودة على ما سيتبعها من خطوات تنفيذية خلال عشر سنوات تستحق أن نبذل فيها كل الجهود ونسعى الى تجاوز العقبات ليتحقق لنا حلماً عاش طويلا يسكننا, ويشرق علينا فجر جديد خيوط ضوئه تعلن عن نهضة وحضارة قالبها الإسلام ورايتها العدل والمساواة ودعائمها القوة والعلم والوحدة.
وإن كنت قد طالبت في مقالي السابق بحملة وطنية خمسية لنشر الوعي في المجتمع حتى يواكب الخطوات السياسية الرائدة وينجح باستيعابها ودعمها, فيبدو المطلب حتميا لحملة مشتركة تدعمها كافة الدول الإسلامية لتبقى توصيات هذه القمة نصب أعيننا طوال العشر سنوات القادمة دون أن تغيب عنا الأهداف التي نصبو اليها أو نفرط بطوق نجاة بعد أن قبضنا على أطرافه ودون أن يخرج أحدنا عن إطار الصورة مشوها ملامحها.
رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ