السعودية (2010م)
قفزات نوعية يشهدها الوطن كلما تمعنّا في قراءتها نستشعر الإرادة السياسية التي تقف وراءها وندرك حتماً أن القرارات الإيجابية تمر بطريق طويل من المجهودات والتخطيط قبل أن تحين لحظة الإعلان عنها لنحتفي بها كأحداث تاريخية هامة, ولكن لا أدري لماذا كلما تابعت الأصداء أشعر أن المجتمع لم ينجح بعد في مواكبة هذه الإنجازات أو استيعاب انعكاساتها الهامة على مستقبل نهضتنا... ثمة حلقة مفقودة يؤكد الواقع معها أننا بأمسّ الحاجة إلى البحث عنها, وإن كنت أراها ببساطة عبارة عن لجنة متخصصة بإدارة حملات التوعية الوطنية التي تتبنى دعم القرار السياسي من خلال التعريف السليم به وتهدف إلى الارتقاء بفكر واستيعاب المجتمع بمختلف فئاته ليسير على خط متوازٍ لا يتقاطع جهلاً مع المصالح الوطنية التي هي في نهاية الأمر مصالحنا جميعاً.
لقد خاض المجتمع تجربته الأولى مع الانتخابات البلدية وتابع حملات دعائية وإعلانية لفرط ضعفها لم تدفعه إلا إلى الاكتفاء بتصنيف أصحابها وفقاً لتوجهات كل منهم الفكرية والشخصية وعلى هذه القاعدة تم تصويت الغالبية فلم يكن العيب والخلل في فكرة الانتخابات بحد ذاتها والتي تعد خطوة رائدة, غير أن افتقاد ثقافة الانتخابات وعدم وضوح الرؤية عن المهام التي ستمارسها المجالس البلدية أدى إلى التفاعل السلبي مع الحدث.
وتابعنا إنشاء جمعية حقوق الإنسان السعودية التي سعت بالفعل منذ تأسيسها إلى القيام بأدوار في قضايا مختلفة نقرأ عنها من حين إلى آخر, إلا أن ذلك لا يمنع أن عدم وجود حملة للتعريف بدور الجمعية وصلاحيتها والحقوق التي تحميها يجعلنا لا نعلم متى يمكننا الاتصال بها بل وكيف يمكننا التواصل معها دون أن نحفظ مع الحملة المنشودة أرقام هاتفها وعنوان موقعها الواقعي والافتراضي على شبكة الإنترنت... غابت حملة تعريف وتوعية كانت ستكفينا عناء المرور في نفق الرفض والتأييد والتشكيك.
واحتفل الوطن بحدث تاريخي ضخم هو انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية إلا أن الخوف قائم من أن تأتي حملة التوعية متأخرة فلا تمهلنا فرصة كافية لاستيعاب القوانين الجديدة والانعكاسات الاقتصادية الهامة لهذا الحدث... قد يكون على أصحاب المؤسسات الصغيرة التي تعمل في نفس المجال التفكير باندماجات تؤهلها للصمود أمام الشركات الكبيرة وتكفل لها الاستمرارية, وحتماً على المؤسسات والشركات التي تدار أعمالها بعشوائية إعادة النظر سريعاً لمواكبة هذه النقلة, وعلى غيرهم البحث عن الفرص الاستثمارية الجديدة التي ستتوفر للتبادل التجاري, وكلها توقعات بوسع حملة توعية ناجحة أن تحسمها وتحولها في ذهنية المواطن إلى قرارات صائبة... كما بوسعها أن تسيطر بإيضاح الرؤية والكشف عن الإيجابيات على حالة ليست مستعصية ولكننا اعتدنا أن تنشأ لدى فئات تتبنى التشاؤم منهجاً وتبني توقعاتها على تكهنات وقياسات أبعد ما تكون عن الواقع الذي يعرفه صانع القرار والمستقبل الذي يخطط له.
وعلى سطح الحوار الصحي تطفو ظاهرة التعريف المفقود للمصطلحات محل الجدل فنجد على سبيل المثال أن حقوق المرأة التي تسعى إلى ترسيخها تخرج سريعاً عند نقاشها عن إطارها مع غياب التعريف المتوازن والتفصيلي الذي يحول دون اختطاف مفرط ولا متشدد لهذا المصطلح... ونبقى دون تعريف موحد وصورة واضحة المعالم مفتقدين إلى أمل الوصول إلى رؤى موحدة أو متقاربة ليست مطلوبة فقط بين المثقفين ولكن كذلك بين العامة الذين تسود بينهم حالة من التأييد أو الهجوم هي في واقع الأمر خارجة عن سياق القضية الأساسية فلا تخدمها بأي حال... الكثير من الزمن والجدل كنا سنختصره لو أن حملة موجهة قد سبقت خطواتنا نحو تبني قضايا المرأة والتعددية والتعايش لنحصر الأوليات التي لابد من التركيز عليها في هذه المرحلة وتطغى باستيعابنا لها ولإيجابياتها وانعكاساتها على العقبات التي لا تتجاوز كونها مخاوف من ضعف وعي المجتمع وسوء تعاطيه مع أي مستجدات تطرأ على حياته.
واتخذنا خطوات في سبيل تعزيز مفهوم الوطنية لدى النشء فكان منهج التربية الوطنية الذي نجح وفقاً لإحدى الأمهات في تلخيص مناهج الجغرافيا والتاريخ والدين وأهمل الجانب العملي والتطبيقي لهذا المفهوم الكبير الذي لا يمكن أن نكتفي بحفظه وتسميعه, بينما قد نصل إليه مع مساحات من الحوار والتوعية والممارسة التي بوسعها أن تعزز من إحساس الطالب بالانتماء وبالمسؤولية المترتبة على هذا الانتماء للوطن... هو دور لا يمكن للمدرسة وحدها أن تقوم به دون أن تدعمها حملة يشارك فيها المجتمع بأسره فيتاح للطالب أن يمارس العمل التطوعي ليحصد درجات تؤهله للنجاح في هذه المادة ويخسر درجات أخرى متى ما أساء التصرف في البيت أو المنزل أو الشارع بما يشوه الوجه الحضاري لوطنه الذي هو جزء منه, مدركاً أنه يعد مخالفاً للوطنية عندما يرمي الأوساخ في الشارع فيستحق أن يتم استيقافه لمعرفة المدرسة التي ينتمي إليها وتسجل عليه الغرامة بخصم علامات من مادة التربية الوطنية, ومثله من يسيء استخدام الخدمات والمرافق العامة ويستمتع بإتلافها, ومثلهما وأكثر من يخدش الذوق العام بممارسات غير مسؤولة.
لا يمكن أن نغفل أبداً حقيقة افتقاد المجتمع لدرجة عالية من الوعي تؤهله لمواكبة خطط نهضة وتنمية بعيدة المدى, والأهداف العظيمة لابد لها من التكاتف لتحقيقها فعندما نتحدث عن وعي مجتمع لن تجدي كثيراً مبادرات فردية ولا بضعة إعلانات ولا شيء من المواد الإعلامية والملتقيات النخبوية المتفرقة, ولكن لنا في تجارب ماثلة للعيان لدول وضعت الهدف البعيد نصب أعينها فاتخذت القرارات اللازمة ورفعت معها من خلال حملة وطنية مكثفة استمرت لسنوات الصورة المنشودة لتصبح الهدف الذي يتذكر المواطن في كل يوم وكل لحظة أنه يشارك في رسم ملامحها... يحق لنا أن نحلم بالصورة التي ستكون عليها (السعودية 2010م) وقد بدأنا نتابع بعض مشاهد هذا الحلم النموذجي الجميل من خلال القرارات السياسية الحكيمة, وتبقى علينا أن ندعمها سريعاً بحملة وطنية تديرها لجنة وطنية مختصة جزء من عملها أن تساعد الوزارات والجمعيات والهيئات والمدارس والجامعات والمؤسسات التجارية والمثقفين وغيرهم على إيصال رسالتهم والتعريف بأنشطتهم والدعوة للمشاركة في تحقيق أهدافهم وفي نشر الوعي كواجب وطني سيجني ثماره كل من يشارك فيه قبل أن يقطفها الآخر لنستيقظ معاً من الحلم على الواقع الذي يليق بنا.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ