التعليم المستمر: فرص محدودة وتسهيلات مفقودة
أصغيت باهتمام لما ذكره أحدهم عن دراسة تؤكد أن المملكة تعد من أكثر الدول إنفاقاً على قطاع التعليم ولكنها من أقل الدول استفادة منه... ولا أعرف مدى صحة هذا القول ولا مصدر الدراسة إلا أنني وجدت نفسي أسترجعه وأنا أقرأ رسالة وصلتني من القارئة (هلا عبدالمحسن) رأيت أن أنشرها -بتصرف- بالرغم من طولها لأنها تلمس أكثر من مشكلة في برامج التعليم كما توجه في طياتها نداء بضرورة تجاوب النظم التعليمية مع التطورات المتسارعة التي انعكست على الفرد وعلى العمل وتشير لأهمية إيجاد فرص تساعد الإنسان على تحقيق فريضة طلب العلم من المهد إلى اللحد بحسب متطلبات عمله ونمو اهتماماته بل وتفاعله مع حتمية تجديد معلوماته في مجال تخصصه, وأترككم مع الرسالة:
(الأخت الفاضلة رانية سلامة بما أنك تتطرقين في طرحك للمشكلات الحديثة أتمنى منك نشر رسالتي على أمل أن تصل للمسؤولين ويبادروا بالنظر في فحواها خاصة وأن ما سأعرضه عليك يعتبر مشكلة إجرائية لا تتطلب سوى قرار حكيم يوظف الإمكانيات الكبيرة والدعم الذي يحظى به التعليم في بلادنا... وهي باختصار تتعلق بالتعليم العالي والتعليم المستمر وسأختصر الطريق لشرح المشكلة وأعتمد على المقارنة... أولاً فيما بين الدراسات العليا محلياً وفي الخارج وإليك بعض الأمثلة, خريجة من قسم العلوم بإحدى جامعاتنا تم رفض قبول طلبها باستكمال الدراسات العليا لحصولها على تقدير جيد في البكالوريوس, بينما تم قبولها في جامعات بريطانية مرموقة حصلت من إحداها اليوم على شهادة الماجستير وهي بصدد التحضير للدكتوراه... أخرى أمضت ست سنوات من عمرها بانتظار انتصارها على تعنت المشرف على رسالتها لتحصل على الماجستير من جامعة محلية بينما زميلتها وخريجة نفس الدفعة وبنفس التقدير قد حصلت على الماجستير والدكتوراه في خلال أقل من 4 سنوات من الخارج... وبالرغم من كل الصعوبات التي تواجهها طالبة الدراسات العليا في جامعاتنا لتحصل في سنوات أطول وبجهد أكبر على درجة علمية نجد أن قيمة هذه الدرجة وتقديرها محلياً ضعيف مقارنة بدرجة حصلت عليها أخرى من الخارج!!... إذن هي ليست أفضل ولا تمنح صاحبتها أفضلية في سوق العمل ومع ذلك هي أصعب وطريقها شائك.
الجانب الآخر من المشكلة أود أن أستشهد فيه بما قرأته لك عن العالمة السعودية (حياة سندي) فمن سرد سيرتها يتضح أنها في أكثر من مرحلة اكتشفت ضرورة تغيير تخصصها الدراسي أو دراسة تخصص آخر معه لتحقق النجاح في عملها كما أنها قد خاضت تجربة أذهلتني بتدريسها العلوم لخريجي أقسام أدبية قرروا التحول لدراسة الطب في فترة قياسية فنجحوا هم ونجحت هي أيضاً في ذلك ولم يعقهم عامل تقدم سنهم وخبرتهم عن الاستعانة بشابة تملك علماً هم بحاجة له.. وهذا المثال يؤكد أن الإنسان بحاجة مستمرة إلى التعليم وأن احتكاكه بالحياة أو ظروف العمل قد تكشف عن اهتمامات أخرى لديه يرغب بدراستها بعد تخرجه من خلال برامج تعليمية وتدريبية متخصصة في الجامعات أو المعاهد والأكاديميات, ومحلياً لا يتوفر ذلك حيث أن أغلب الدورات النسائية تنحصر على اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي والمهارات الذاتية, وبالرغم من أهمية ما سبق إلا أن العلم مجالاته أوسع.. فلم لا يمكنني أن ألتحق بجامعة سعودية بعد تخرجي لأدرس مادة في أي تخصص بساعات محددة وبرنامج مكثف وأحصل على شهادة معتمدة تفيد بدراستي لهذا المجال بينما بوسعي أن ألتحق خلال الصيف بجامعة في الخارج لمدة أشهر قليلة أو حتى التحق بها لمدة عام وأحصل على شهادة وخلفية علمية في مجال يستهويني ويخدم عملي؟
أضف إلى ذلك برامج البدء بالتحضير لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه أو التي تعادل جزءاً من الماجستير وغيرها من البرامج التي نفتقدها في جامعاتنا بالرغم من وجود الإمكانيات والخبرات والكوادر المؤهلة إلا أن الفرص قليلة وموارد المعرفة شحيحة فالجامعات قد ودعتنا إلى الأبد لحظة تخرجنا ولا توجد مكتبات عامة نتنفس المعرفة من خلالها ولا أكاديميات متخصصة, وأعلم بأن الجامعات تتوفر بها مراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر ولكن دورها لا يزال قاصراً والفرص والمجالات المتاحة قليلة جداً جداً جداً).
وبعد أن ختمت القارئة رسالتها بثلاث تأكيدات عن قلة الفرص لابد أن أعترف بأن خلفيتي ضعيفة عن ما ذكرت بخصوص معاناة الدراسات العليا والتعليم المستمر ولكن واقعاً نعيشه يكشف عن وجود نسبة عالية من الخريجين والخريجات يعملون في غير مجال تخصصهم بمحض إرادتهم أو رغماً عنهم يؤكد أننا نحتاج أكثر من غيرنا إلى أن نتكيف مع ذلك ولو مؤقتاً بإيجاد البرامج التعليمية القصيرة والمكثفة التي تحدثت القارئة عنها في الجامعات أو الأكاديميات, وبالمناسبة الأكاديمية صرح تعليمي بوسعه أن يجعل قطاع التعليم يلحق سريعاً بالتطور والتنوع الذي يشهده قطاع العمل ولا يقتصر دور الأكاديميات على ما تراه في تلفزيون الواقع ومخرجاته.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]