نحن والعادات السبع
يطمح الإنسان دائماً للتغيير نحو الأفضل, إلا أن مرادفات كلمة التغيير نفسها لا تبدو واضحة لدى الكثيرين لغياب الرؤية الواضحة المبنية على القياس السليم للنفس والمتغيرات, فلابد أن نعرف أولاً أين نقف لنعلم إلى أين سنصل وما هو التغيير الإيجابي الذي نطمح إليه وهل نحن مهيأون لنقلة إيجابية كبيرة تطرأ على حياتنا? كافة الإجابات والطموحات تبقى حبيسة صندوق مغلق بداخلنا علينا أن نبحث عن مفاتيحه لنهتدي إلى آلية التغيير وتطوير الذات... والآليات كثيرة بالرغم من أن البداية دائماً واحدة تختصرها حقيقة (إن التغيير يبدأ من الداخل) تصديقاً لقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}... ومن أجمل ما قرأت في هذا المجال سلسلة بعنوان (أيها العزيز) تضم دروساً قيمة للمهندس (زياد أبوزنادة) كبير مدربي برامج العادات السبع للأشخاص ذوي الفعالية العالية.. وأتوقف مع تلك الدروس عدة وقفات أهمها عند (اكتشاف الذات) فمن الأهمية بمكان أن يواجه الإنسان مرآة صادقة تكشف له إيجابيات وسلبيات شخصيته ليكتشف قدراته ومواهبه ويطورها, وليدرك مسؤولياته في الحياة ويحددها في نفس الوقت الذي يواجه فيه سلبياته ليتخلص منها ويقيس كذلك الفجوة بين ما هو واقع وبين ما يحلم أن يكون عليه... تلك المواجهة تضع الإنسان أمام عجلة قيادة شخصيته فيحدد خط سيره وهو يعرف وجهته, وهو أيضاً ما يدعو إليه المهندس أبوزنادة من خلال العادات السبع بقوله (كن مبادراً, ابدأ والنهاية في ذهنك, وابدأ بالأهم ثم المهم).
وقد تقابلنا في مشوار التغيير إشارات مرور عديدة كما قد نجد أنفسنا في مواجهة طرق مسدودة ويحتمل أن نرتكب أخطاء تضللنا الطريق, لكنها حتماً ليست النهاية... يقول ألبرت أينشتاين: (لا يمكن حل المشاكل الرئيسية التي نواجهها بنفس مستوى التفكير الذي كنا عنده عندما تسببنا في إيجادها) فالتغيير هنا على (محور التفكير) الذي تعلمنا العادات السبع فيه درس هام مفاده أنه من الجنون الحقيقي عمل ذات الشيء مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة, فإذا واصلت عمل ما تعودت عليه والاعتماد على نفس آلية تجاوزه فإنك ستحصل على نفس النتائج المخيبة... وإذا ما اتفقنا على أن لكل مشكلة حل وحول كل عقبة طريقاً سالكاً فهذا يعني أننا بحاجة لتغيير نظرتنا للأمور وتغيير سلوكنا... يقول الدكتور ستيفن كوفي (إن جميع تصرفاتنا تنبع من تصوراتنا الذهنية) ولحل المشكلات وتجاوز العقبات يجب أن نكون عند مستوى تفكير آخر (أرقى, أهدأ, أعلى) وأضيف أكثر مرونة وقدرة على تغيير سلوكنا حيال المتغيرات التي تواجهنا, فإذا نجحنا في ذلك بأنفسنا نتجاوز مرحلة الاعتماد على الآخرين إلى المرحلة التي يطلق عليها صاحب العادات السبع (مرحلة النضج والاستقلالية) بالاعتماد على الذات, فتحقق انتصاراً شخصياً يدفعك إلى الارتقاء والتوجه نحو التفاعل والتأثير الإيجابي على الآخرين لتحقيق النصر الجماعي... ومهلاً للتذكير يقول المهندس أبوزنادة (النصر الشخصي يجب أن يسبق الجماعي لأنك لا تستطيع قيادة الآخرين ما لم تكن قادراً على قيادة وإدارة ذاتك بفعالية عالية ولا يمكن قلب هذه المعادلة).
مرحلة التفاعل الإيجابي مع الجماعة تبدو لي من أهم المراحل التي يتطرق إليها المدرب بعرضه لصورة من صور الخداع البصري قد أراها أنا صورة لفتاة شابة وتراها أنت صورة لعجوز ويراها آخر صورة لرجل بشوارب... فالرؤى قد اختلفت بالرغم من أن الصورة واحدة والمشكلة تتحد مع الحل في جملة واحدة هي (القناعة بأننا كلنا على حق) وعلى كل منا أن يحترم رأي الاخر ويحاول أن يستخدم ما يصطلح عليه بـ(مهارات الاستماع التعاطفي) حتى يفهم الآخر ويعرف تفكيره ويفتح لنفسه آفاق رؤية قد تكون غائبة عنه... فلتحقيق التعاضد والتكاتف لابد أن نستمع إلى الاخرين بنية أن نفهم لا بنية أن نرد أو نثبت صحة رؤيتنا وخلل رؤيتهم فقط وأوجز مجدداً على لسان العادات السبع (إن جودة الحياة التي نحياها تتناسب طردياً مع جودة علاقاتنا مع الآخرين).
قد تستفيد من تلك الدروس كفرد أو كمدير أو كقائد لفريق عمل, كما قد تنطبق على الكثير من أحوالنا التي تتطلب تغيراً لا يتحقق إلا بالتدرج والاستيعاب والاعتماد على أسلوب علمي ونفسي مدروس.
* رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ