الإسلام ضد الإسلام
(مارتين سكرام) الكاتب الأمريكي ومؤلف كتاب (تفادي أرماجيدون), تكهّن مؤخراً في أحد مقالاته أن يكون عام 2005م هو عام (الإسلام ضد الإسلام) أو بمعنى آخر: العام الذي سيشهد اندلاع نزاعات داخلية في الدول الإسلامية واشتباكات أيديولوجية بين الطوائف والمذاهب المختلفة وبين الجماعات الإسلامية والحكومات وبين المعتدلين والمتشددين. ويبني الكاتب توقعاته على التوجهات الجديدة لتنظيم (القاعدة) وغيره من التنظيمات الإرهابية, التي بدأت تتحول بعملياتها الإرهابية من استهداف الغرب إلى استهداف مصالح الدول الإسلامية في محاولة للسيطرة على السلطة وإيقاف تنفيذ الإصلاح والتطوير في هذه الدول.
هل تتحقق رؤية الكاتب؟ يبقى ذلك في علم الغيب الذي لا يتعارض مع ضرورة أن نعمل على استشفاف المستقبل بنظرة شمولية وقراءات فاحصة تساعدنا على الخروج من حيز المخاوف والهواجس والترقب إلى مواجهة الواقع بكافة صوره وبأبعاد تتجاوز أبعاد رؤية الكاتب لاقتلاع الظواهر السلبية قبل أن تتفاقم وتشيع متخذة ستار (الدين أو العلم أو الحرية), هذا الثلاثي الذي يُعتبر بمثابة العناصر الفعالة في تكوين الحضارة الإنسانية هو أيضاً لمن يجهل توظيفه البيئة الخصبة لتشكيل ظاهرة التعصب ونشوء النظرة الأحادية الضيقة المستندة إلى مفهوم (أنا وما أؤمن به, ومن بعدي الطوفان).. وهو ما تُراهن عليه القوى الخارجية المغرضة لتحويله إلى سلاح ذي حد واحد يستهدف تدمير الوحدة الوطنية للدول بإحداث ثغرات تفسح مساحة خبيثة لنمو صراعات أبدية في قضايا جدلية فرعية نغرق فيها بعيداً عن محاولة التعايش أو إيجاد نقاط التقاء تسهم في اتحاد عناصر القوة. ويكفي أن يسقط رموز هذا الثلاثي الفعال في أوحال النزاع لتجد الفرقة والتخبط مسكنها في نفوس العامة بين ثلاثة كل منهم يملك جزءاً من الحق الذي لا يمكن أن نجني ثماره ما لم ينصهر في قالب واحد بتوازن مع بقية العناصر لتشكيل مركب قوة إيجابية منتجة. كما يكفي أن تتخذ تلك الرموز من الظروف الحالكة فرصاً سانحة للثأر وتصيّد الأخطاء والاستئثار بالرأي وإقصاء الاخر فتحقق مكاسب شخصية لا ناقة فيها ولا جمل للوطن.. نرى تلك المواقف عند حافة المنعطفات حيث تعلو أصوات تنادي باستئثار الأغلبية وأخرى تحفز على ثأر الأقلية, وقد ينتحر هذا فداء للتعصب ويبتسم ذلك مسروراً بالثأر قبل أن نرى في خلفية المشهد الأيدي الخفية التي زرعت عن بعد بذور الخلاف والفرقة لتحقق مصالحها دونما خسائر مباشرة تتكبدها. فأي انتصار ستجلبه تلك الأيدي إذا نجحت بأن تجعل التعصب والثأر والصراعات من الأولويات؟ وأي ثمار ستقطف إذا تملكت الشعوب الإسلامية قناعة استحالة التعايش لتعود بعد سنوات من الوحدة تحت راية واحدة إلى التشتت كفرق وطوائف ومذاهب يسهل ابتلاع كل منها على حدة بعد تفرقها?
المبشر في هذا المشهد أنه لا زال بإمكان المسلمين أن يتداركوا أنفسهم ويعوا أن الأكثرية لو اتخذت لنفسها من مركب الوطن جانباً قصياً للوقوف بعيداً عن الأقليات سيغرق المركب بمن حمل لافتقاد التوازن وستكون الأكثرية أول الغارقين, كما لا يزال بإمكان الأقلية أن تدرك أنها لو تخلصت من الأكثرية واستأثرت بالمركب ستكون عبارة عن لقمة (فاست فود) سائغة للالتهام والهضم من قبل قراصنة متربصين بها.. ولا يزال الخيار أمام المسلمين لفسح الطريق لتوقعات الكاتب (مارتين سكرام) حتى ترى النور فيكون 2005م عام المسلمين ضد أنفسهم وتتحقق مقولة العرب بأن الجاهل عدو نفسه وربما المتعصب قاتلها, أو تختار أن تجعله عام أمة اتحدت في مواجهة خطر مشترك فتخلصت من خلافات ظلت جاثمة على صدرها لعقود مضت وأفشلت مخططات أعدائها.
* رئيسة تحرير (شبكة عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ