(فرمتت) العربية في عصر التكنولوجيا
للحفاظ على اللغة أهمية بالغة لا يمكن تجاهلها ذلك أن اللغة مرتبطة بالنظام الفكري والتصورات العقائدية وطبيعة الشعوب التي تستخدمها. ومن هنا يتفق الجميع بما فيها الدول المتقدمة على أهمية اللغة الأم والمحافظة عليها لتكون الأساس القوي والثابت الذي ننطلق بعده لتعلم بقية اللغات حتى نحافظ على توازن الشخصية..... وهذا ما يجب أن نتعلمه من تاريخنا, فالعرب عندما كان يملؤهم الإحساس بالتفوق والريادة أخذوا من الحضارات الأخرى ما يفيدهم من العلوم وترجموا كتب الحضارات الأخرى وأعادوا إخراجها بالروح العربية والإسلامية فبقيت معالم اللغة والحضارة مواكبة للعصر دون أن تفقد هويتها..
إلا أن عوامل عديدة تسبّبت في اختلال هذه القاعدة لدينا قد يكون أهمها أن الإنسان العربي أصبح بطبيعته مستهلكاً ومستسلماً لاستيراد الثقافة والعلوم والمنتجات الأجنبية, وهو اليوم إما منبهر بها يتباهى إذا امتلك لغتها التي تعتبر أداة حضارتها, أو مجبر على ذلك لعدم توافر البديل.
إلى جانب ذلك, وجود أعداد كبيرة من العمالة الوافدة التي نحتاج إلى مخاطبتها بلغتها أو إيجاد لغة "مُهجنة" هي خليط من العربية والانجليزية والهندية والفلبينية.. إلخ.. للتعامل اليومي بعد أن اقتصر العمل لسنوات طويلة على هذه العمالة في مهن معينة كانت نظرة المجتمع لها تقف حائلاً بينها وبين سعودتها مثل نقاط البيع في المتاجر والنادل في المطاعم وغيرها..والسبب الأخير تراجع الدور الهام لمجامع اللغة العربية التي أصبحنا بالكاد نشعر بوجودها ولا أدري إن كان اللوم يُوجّه لها أو للجهات التي من المفترض أن تنشر وتُروّج ما تقوم به هذه المجامع من دراسة المصطلحات العلمية والأدبية والفنية والحضارية والعمل على إيجاد التعريب المناسب, مع مراعاة التبسيط. فمن غير المعقول أن يكون تعريب كلمة أجنبية دارجة هو جملة عربية من عدة كلمات, ونذهب للعامل الآسيوي في مطعم للوجبات السريعة فنطلب منه "شاطر ومشطور وبينهما لحم مشوي" بدلاً من أن نطلب "ساندويتش" أو "هامبرغر".
والأمر يتجاوز الأطعمة والمنتجات الاستهلاكية إلى المصطلحات التقنية فالمتابع لحال اللغة العربية والمصطلحات التي نستخدمها يشعر وكأن اللغة عاجزة عن إيجاد المفردات وهي براء من ذلك... هذا العجز نلمسه بوضوح عندما نجد أننا بدلاً من التعريب أصبحنا نستخدم مصطلحات أجنبية ونضيف لها التفعيلات العربية فلا نتعجب عند التوجه لمحلات الحاسب الآلي إذا سمعنا كلمة "فرمتة" اشتقاقا من format التي نعني بها تنظيف الحاسب أو حذف نظام التشغيل وإعادة تنصيبه, و"تهنيق" اشتقاقا من hang التي تعني تعليق الجهاز.
مع هذه المفردات العجيبة -التي لا أعرف لمن ننسب براءة اختراعها- أعتقد أننا بدأنا نتجه إلى استبدال عملية "التعريب" بعملية "التغريب" لنرتكب جريمة بحق اللغة العربية التي طالما تغنينا بثرائها إلى أن أصبحت في عصر التكنولوجيا وكأنها عاجزة عن تحديث معجمها بمرادفات عربية تحافظ على أصالة اللغة, وتحولت إلى لغة ممسوخة تفتقد هويتها ولا تعرف معاني كلماتها..
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ