الدكتور بسام همدر لـ"عربيات": اقتصاد الفقاعات لا يخلق حركة انتاجية حقيقية
عربيات - خاص: عن الأزمة الاقتصادية العالمية وانعاكاساتها على العالم العربي يتحدث ضيف "مجلة عربيات" الدكتور بسام همدر رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا وباحث ومستشار في الشؤون الاقتصادية، له العديد من الأبحاث والدراسات عن الأوضاع والأنظمة الاقتصادية، "عربيات" سجلت في هذا اللقاء رأيه حول أهمية تجنب اقتصاد الفقاعات والعودة إلى الاقتصاد الحقيقي، ورسالته للحكومة الجديدة بالتركيز على الطبقة الوسطى في لبنان والاستثمار في الفكر البشري.
دكتور همدر البعض يعتقد أن الأزمة الاقتصادية العالمية هي أزمة عقارية، فهل برأيك هي أزمة عقارية أم أزمة نظام اقتصادي؟
هي ليست أزمة عقارية بحتة بل أزمة اقتصادية بجوهرها، أي هي أزمة نظام اقتصادي وفلسفة اقتصادية بدليل أن الإقتصاد الإنتاجي العالمي يقارب حجمه 60 ترليون دولار، أما اقتصاد الأدوات المالية يناهز 600 ترليون دولار وهنا يكمن جوهر المشكلة، لأن العالم ذهب بعيداً عن الإقتصاد الحقيقي المنتج الذي يبني اقتصاد متين يؤدي إلى تنمية اقتصادية مستدامة، بدورها تؤدي الى استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي وهذا ما أحوجنا إليه اليوم.
نظرية الربح الأقصى قضت على مقولة (على قد بساطك مد رجليك)
هل ترى أن السبب الرئيسي لهذه الأزمة هو الفكر الاستهلاكي في المجتمعات اليوم؟
لقد خضنا في نظرية الربح الأقصى إلى حد لم نعد نميز ما بين ما هو إنساني وما هو غير إنساني فأصبحت عقيدة الربح الأقصى جوهر حركتنا الإقتصادية التي بنيت على مفهوم الإقتصاد المنتج الذي يسمى (اقتصاديات الموارد المنتجة)، فأنتج كل هذا تاريخ طويل من الجشع والطمع والرأسمالية المتوحشة، أدت الى تنافس في الإستهلاك على حساب الإنتاج، فأصبح العالم مجتمع مستهلك دون أفق ضارباً عرض الحائط بالمثل الشعبي (على قد بساطك مد رجليك)، فأصبحنا مجتمع يتدين ليتزين ويتباهى بالإستهلاك حتى يحتل مكانة يتباهى به بين الأقارب والأصحاب والغرب ليس ببعيد في هذه الأيام عن هذه الفلسفة.
ما هي انعكاساتها على الدول العربية بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص؟ وكم تقدر خسائر العرب من جراء هذه الأزمة؟
لقد دأب العرب في السنوات القليلة الماضية وخاصة دول الخليج العربي على محاكاة المجتمعات الغربية في تصرفاتها الإقتصادية والإستهلاكية وحتى الإستثمارية فكانت معظم أموال النفط العربي توظف بأدوات مالية معقدة كتلك التي سببت الأزمة المالية الحالية، لقد ذهب العرب بعيداً جداً عن الإقتصاد الحقيقي ودخلوا في (اقتصاد الفقاعات) أو ما يطلق عليه الـ Bubbles من أجل الربح الوفير والسريع دون خلق حركة إنتاجية حقيقية تستفيد منها كل قطاعات المجتمع، فكان ما كان من أزمات في هذه الدول كتأثير مباشر من أزمة السوق العقارية في السوق الأمريكية العقارية حيث خسر العرب في يوم واحد منذ بدء الأزمة أكثر من ترليون دولار. وهناك من يقول أن خسارة العرب تفوق 2 ترليون دولار، ومن هنا مرة ثانية نؤكد على أن اقتصاد الإنتاج الحقيقي (كالصناعة، والزراعة، والخدمات الحقيقية، والصناعات التحويلية، واليدوية، والخفيفة والبسيطة) هي التي تبني اقتصاد ثابت ومتين وتؤدي إلى تنمية متصاعدة مستدامة تعود بالخير والنفع على جميع المكونات الإقتصادية في العالم العربي.
برأيك هل بدأ احتواء الأزمة أم أنها مؤهلة للاستمرار؟
جميع المؤشرات تشير إلى أن الأزمة المالية الحالية لن تنتهي قبل 2013م، وهذا ما جاء على لسان مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبعض كبار الاقتصاديين في العالم، فقد تطل بعض المؤشرات الإيجابية هنا وهناك كتحسن الوضع الاقتصادي في أوروبا وأمريكا نوعاً ما ولكن لا بد من التأكيد أن الأزمة لا تزال في أوج قوتها حتى تتغير فلسفة العالم والنظرة إلى النظام الاقتصادي العالمي حيث يعدّل ويهجن وتعطى الأولويات إلى:
1 – التوزيع العادل للثروات.
2 – التركيز على الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي.
3 – التركيز على التنمية الاقتصادية المستدامة المتوازنة وخاصة في بلداننا حيث تفيد الاحصاءات أن أكثر من 50٪ من أبناء الوطن العربي إما على خط الفقر أو تحت خط الفقر. فهناك في الوطن العربي وفقاً لاحصاءات الأمم المتحدة من يعيش على أقل من دولار يومياً ولا يتمتع بأدنى رعاية صحية أو خدماتية.
الاقتصاد اللبناني تحت مجهر الأزمة
ما مدى تأثير الأزمة على الاقتصاد اللبناني؟
في البداية أود أن أشير إلى أن الاقتصاد اللبناني ليس بعيداً البتة بجوهره وفلسفته عن الاقتصاديات الغربية وبعض الدول العربية وخاصة فيما يتعلق بالإستهلاك والإنفاق والإستثمار، فالاقتصاد اللبناني لا يعطي أهمية تذكر للاقتصاد الحقيقي (80٪ اقتصاد ريعوي وخدمات و20٪ اقتصاد حقيقي) وهذا من أهم مسببات الأزمة المالية الحالية، بالرغم من التدفق الكبير لرؤوس الأموال والتحويلات إلى لبنان حيث أشارت جمعية المصارف إلى أن الموازنة مجتمعة للمصارف في لبنان توازي 100 مليار دولار أو أكثر مما يعني أن حجم الودائع يفوق حجم الاقتصاد وحوالي 5،3 إذا ما كان اعتمادنا 30 مليار دولار كناتج محلي عام للإقتصاد المحلي اللبناني.
هل يمكنك أن تعطينا صورة واضحة عن حقيقة الاقتصاد اللبناني؟
1 - الناتج المحلي هو حوالي 30 مليار دولار حسب سعر الصرف الحالي.
2 - العجز في الميزان التجاري اللبناني يناهز 11،5 مليار دولار، أي أن الواردات تقارب 15 مليار سنوياً، والصادرات تقارب 3،5 مليار سنوياً. أما الدين العام يقارب 50 مليار وربما أكثر، ونسبة الدين على الناتج المحلي جاوزت 200٪ والبطالة حوالي 20٪.
لبنان يعتمد بشكل أساسي على تدفق أموال المغتربين إليه، فهل تستطيع هذه الأموال من الحد من تفاقم الأزمة على الاقتصاد اللبناني؟
يعتبر التدفق الكبير للأموال المقيمة وغير المقيمة في لبنان مؤشراً إيجابياً حيث أصبح احتياط مصرف لبنان يقارب 29 مليار دولار، والفائض بميزان المدفوعات يقارب 2 مليار دولار، والنمو الإقتصادي يتجاوز 6٪، والدورة من 80٪ إلى 67٪ مما يعكس زيادة كبيرة بثقة المستثمر في العملة الوطنية اللبنانية وفي النظام المصرفي اللبناني، ولكن كل هذه المؤشرات الإيجابية لم تؤد إلى زيادة حقيقية في الإستثمارات وهذا ينعكس على قطاع التسليفات الذي بقي ثابت ولم يطرأ أي تحسن عليه بالرغم من الإغراءات المقدمة من البنك المركزي عن طريق إعفاء البنوك الخاصة من احتياط إلزامي، أو عن طريق دعم الفوائد على الليرة اللبنانية، وهذا يتعلق مباشرة بالوضع السياسي حيث حكومة الرئيس المكلف سعد الدين الحريري لم تبصر النور بعد مما يعطي في حال حدوثه دفعة إيجابية إلى الأمام تقنع المستثمر والمستهلك على حد السواء بتفعيل الحركة الاقتصادية وتنشيط الاقتصاد اللبناني بشكل عام مما يؤدي إلى ثبات واستقرار اجتماعي واقتصادي وسياسي.
إعادة الطبقة الوسطى إلى المجتمع اللبناني يجب أن يكون من أولويات الحكومة الجديدة
الجميع ينظر اليوم إلى ولادة الحكومة الجديدة وعلى رأسها الرئيس سعد الحريري، فما هي برأيك أولويات الرئيس المكلف للعمل على تحسين الوضع الاقتصادي؟ وما هي رسالتك له؟
أؤكد أن لدى الرئيس المكلف الكثير من الأولويات التي تنتظره، وأهم هذه الأولويات إعادة الطبقة الوسطى التي تمثل اليوم أقل من 18٪ من الشعب اللبناني بعد ما كانت 70٪ قبل الحرب الأهلية في عام 1975م، فالطبقة الوسطى في جميع المجتمعات العالمية صمام الأمان الذي يؤدي الى الاستقرار على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والإجتماعية، فكلما كبرت هذه الطبقة يزداد الاستقرار وكلما ضعفت ضعف الاستقرار، وهذا ما حدث في بعض المجتمعات كالمكسيك والبرازيل والارجنتين وحالياً لبنان. وباعتقادي الرئيس المكلف يستطيع أن يبني على أمجاد الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي أعطى لبنان الكثير، ولكن لا بد من تركيز المدرسة الحريرية الاقتصادية على الاقتصاد الحقيقي وليس الريعي، وعلى الاستثمار في الفكر البشري الخلاق حتى يتحقق للبنان الخلاص من كل الأزمات، ومن خلال "عربيات" أتمنى كل التوفيق والخير للرئيس المكلف حتى ينجح بمهمته في أدق المراحل التي تمر بها المنطقة ولبنان.