الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كيف؟
تناولت مواقع الإنترنت الخبر الذي نشرته صحيفة الجزيرة عن مسؤول في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قام أحد المواطنين بالإبلاغ عنه في حالة خلوة غير شرعية مع وافدة أندونيسية كانت تجلس بجواره في سيارته. وقد أثبت التحقيق أن الوافدة (متخلفة) كان يرغب بإيصالها لمنزله للعمل لديه، وأن زوجته كانت ترافقه لكنها انتقلت لاحقاً إلى سيارة أخيه!!!. قد يكون الخبر صحيحا أو للحقيقة وجه آخر، ولكن ما يعنيني التعليقات التي توضح في هذا الخبر أننا أولاً نستخدم أوصافا غير مقبولة ولا مفهومة فأغلب التعليقات التي وردت عن غير السعوديين كانت تظن أن الوافدة متخلفة عقلياً مما يسقط تهمة الخلوة أو يشكك في نزاهة التحقيق لأن الشرطة ليست مستشفى للصحة النفسية بوسعها تشخيص الحالة العقلية للمتهمين.
ثانياً لم يفهم أحد كيف غادرت زوجة المتهم لترافق شقيقه في خلوة أخرى؟، وكيف انتقلت الوافدة عند مغادرة الزوجة من المقعد الخلفي إلى الأمامي؟ وكيف تم اقتصار التهمة على التستر دون تدخل لمعاقبة المتهم على تهمة الخلوة؟. وأخيراً أختصر التساؤلات على أنها دليل جديد على حالة أصبحت تسكننا من الشك والريبة و(اللقافة) وتتبع العورات والبحث عن فضيحة والتشفي في ضحية وفوقها (فضاوة) وإحساس بالوصاية التي تتجاوز حدودها لتخترق الخصوصية دون مراعاة لظروف الإنسان أو احترام لقناعاته.
أقول ذلك دفاعاً عن رجل الهيئة وعن كل رجل وقبله امرأة تجد نفسها في موقع اتهام من الآخرين يمس شرفها ويسيء إلى سمعتها. لا أدري متى سندرك أننا كمواطنين ليس بوسعنا أن ننظر للآخرين بعين الشك والريبة وسوء الظن ونعبر عن ذلك علنا دون مراعاة لبشاعة الاتهامات ووقعها، ولا أدري متى نحدد كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يفترض أن تكون مناصحة بالمعروف أو الإبلاغ عن مخالفة ليتكفل رجال الأمن والشرطة بدورهم ومسؤوليتهم في عملية التحقيق والمداهمة وإلقاء القبض على اعتبار أن الذي يحركهم هو النظام فقط دون اجتهادات قد تصيب وقد يصاب منها بريء بمقتل سمعته.
العيب لا أظنه في الهيئة ولكنه في صلاحيات لم تعد تخدم أهدافهم بقدر ما تضعهم في مواجهة المجتمع وتزيد من احتمالات وقوع الخطأ في جهاز يفترض أن يمثل الصواب.
المسؤولية كبيرة جداً على رجال الهيئة، أكبر من الصلاحيات وإيقاع العقوبات لأن المناصحة إذا نجحت بتحقيق أهدافها سيجني صاحبها ثواب الدنيا والآخرة كما سيساعد كل أجهزة الدولة في إرساء النظام، ونحن بأمس الحاجة إلى ذلك على أن تدرك الهيئة أنها جهاز له منتج هو الأسلوب، وجمهور هم كل المواطنين والمقيمين في هذا البلد، ومن يرغب بتسويق منتجه لابد أن يجري دراسة على السوق ليطور المنتج حتى يصل إلى الشريحة المستهدفة، فالهيئة اليوم عليها باعتقادي أن تدرس هذا المجتمع من جديد لتخرج إليه بأسلوب جديد وتصل معه إلى الأهداف المرجوة شريطة أن تضع هدف إصلاح النفوس بالحسنى بعيداً عن الترهيب والتخويف الذي لا أظنه يجدي مع عاصي، فالإيمان هو ما يؤدي بالإنسان إلى مخافة الله والالتزام بتعاليم الدين، أما ما يجب أن نخشاه فهو أن يصبح لدينا جيل يخاف الهيئة أكثر مما يلتزم بتعاليم الشريعة فيظل لدينا جهاز هيئة وقد يضيع الهدف من وجوده.
أهم أسلحة المصلح لمحاربة الفساد هو أسلوب التواصل ومهارة الاتصال ورحابة الصدر في الحوار الذي ما أن تتخلله الاتهامات حتى تنقطع جدواه، وكم أتمنى أن يتمسك رجال الهيئة بأصعب وأشرف مهمة للوصول إلى الناس ونصيحتهم ومحاورتهم بالحسنى للإقناع ويتنازلوا عن بقية الصلاحيات لغيرهم من الأجهزة التي يمكنها أن تمارس القوة وبوسعها أن تخطئ وتصيب.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ