دعم الخدمات العامة
يكثر الحديث عن ضرورة دعم الغذاء والدواء انقاذاً للمواطنين من الغرق في بحر الغلاء وارتفاع الأسعار، غير أنني أجدف مع المجدفين عكس التيار في طريق أزعم أنه الأسهل والأسرع والأجدى لمواجهة الأزمة ألا وهو دعم الخدمات العامة من ماء وكهرباء واتصالات ومواصلات وخدمات صحية، فهذا الطريق على الأقل نملك كافة مفاتيحه دون الحاجة إلى فتح ملفات مصالح التجار وأسعار الصرف.
المواطن الخليجي يستبشر غالباً بارتفاع أسعار النفط دون أن يدرك أن دولته عندما تصدر النفط بأسعار مرتفعة ستستورد المنتجات التي يستخدمها أيضاً بأسعار مرتفعة وهو ما يجعل النتيجة في نهاية المطاف بالنسبة للمواطن العادي (صفرا) إلى جانبه علامة استفهام من المواطن الخليجي وفوقها علامة تعجب من المواطن في الدول الصناعية عندما يجد بيننا من يعيش تحت خط الفقر أو يشتكي من عدم القدرة على سد احتياجاته الأساسية في الحياة اليومية.
ويكثر الحديث عن ضرورة رفع المرتبات دون أن نتنبه إلى أن الدولة بوسعها فقط أن ترفع مرتبات القطاع الحكومي لتستفيد من ذلك شريحة محدودة في مقابل أغلبية تعمل في القطاع الخاص الذي يعتبر المشغل الأكبر في سوق حر مرتبات موظفيه ترتفع وتنخفض تبعاً للمنافسة بين الشركات لاستقطاب المهارات والمحافظة عليها.
مردود دعم الخدمات العامة أو تخفيض أسعارها يتجاوز مردود دعم المنتجات ورفع المرتبات، فلو أن المواطن تخلص من ثقل فاتورة الكهرباء والماء والهاتف والمواصلات سيتمكن حتماً من توفير ثمن الأرز والحليب، ولو أنه حصل على تأمينه الصحي الكامل الذي يكفل له العلاج المجاني في أي مستشفى حكومي أو خاص بصفته مواطنا وبغض النظر عن وظيفته سنستغني عن الحاجة إلى دعم الدواء، ولو توفرت له وسائل مواصلات عامة صالحة للاستخدام وبأجور رمزية ستذهب نفقات السيارة والبنزين إلى سلة التسوق.
جميع السلع التي ركبت موجة الغلاء قد نجد لغلائها مبررات، ولكن يستعصي على المواطن أن يستوعب قفز الخدمات العامة في تلك الموجة لتشتعل أسعارها بذريعة تطوير خدماتها وكأنها قررت أن تغطي تكاليف التطوير من جيب المواطن بالرغم من الميزانيات الضخمة التي تخصصها لها الدولة.
الماء، الكهرباء، الهاتف، العلاج، وأخيراً البريد السعودي الذي بشرنا بتطوير خدماته ومواكبة العصر بخطوات منها:
- التصنيف الجديد للصناديق البريدية.
- الارتكاز على نظرية (التدبيلة) الشهيرة لوضع التسعيرة الجديدة.
- تطوير البنية التحتية والخدمات ومن بينها خدمة إنذار صاحب الصندوق إذا تأخر عن تسديد الرسوم.
ولقد اعتمد البريد الموقر على آلية (المفاجأة) لإشعار صاحب الصندوق بضرورة تغيير وضعه، فلو كنت صاحب صندوق فردي على سبيل المثال واعتدت على أن يصل بريد العائلة كلها إلى الصندوق فالجديد أن البريد عندما بدأ بتطبيق سياسته الجديدة اتجه مباشرة إلى تجاهل الرسائل التي لاتحمل اسم صاحب الصندوق دون إنذار مكتفياً ربما بتصريحات متفرقة في الصحف حول الآلية الجديدة، أما إذا قمت بتسديد رسوم الصندوق العائلي وسقط سهواً من الموظف أن يشعرك بأنك يجب أن تزود البريد بصورة من البطاقة الشخصية لكل فرد من أفراد العائلة فبريد الأسرة الكريمة سيعود إلى مرسله أو يصبح في عداد المفقودين وعلى المتضرر أن يسدد ويحدث بياناته ويطلب العوض من الله، ذلك أن مؤسسة البريد يبدو أنها تعتقد أن المواطنين يستخدمون البريد للتعارف والتسلية لا لاستلام فواتير خدمات عامة قد تنقطع، ولا بطاقات ائتمانية وحسابات بنكية وربما مع رواج التجارة الإلكترونية تكون مشتريات من الخارج.
علماً بأن البريد السعودي قد ألهمته فكرة بيع لوحات السيارات المميزة وأرقام الهاتف المميزة فدخل مجال الاستثمار في أرقام صناديق البريد المميزة وهو أمر اكتشفته شخصياً بعد أشهر من افتقاد بريدي وبريد أسرتي في صندوق جدي رحمه الله ذي الأرقام الثلاثة التي لا رابع لها والذي انتقل إلى جميع التصنيفات الجديدة قبل أن نتعرف على التصنيف الأمثل له وبعد أن تلقينا عروضا سخية لبيعه، وقد يكون ذلك استثمارا مشروعا إذا تم بالتراضي غير أنني أخشى أن تجبر الأسعار الجديدة مواطنين حصلوا على تلك الأرقام كونهم عاصروا تأسيس البلد لصالح آخرين من هواة شراء التميز بالمال.
أكتب المقال وأنا أتابع مشاهد يعرضها الإعلامي عمرو أديب لطوابير المواطنين في الشقيقة مصر بهدف الحصول على رغيف خبز، وبجانبي خبر في الصحيفة يتحدث عن أزمة الدقيق التي نعاني منها اليوم وتهدد بإغلاق المخابز، علماً بأن الدقيق قد انقطع فعلاً من أغلب المتاجر في جدة، واتساءل هل الحل هو أن ندعم رغيف الخبز اليوم لنقف غداً في الطابور؟، أو لعلنا نسارع بالموازنة بين جودة الخدمات وسعرها ووضع المواطن وميزانية بلده.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ