أنا أولاً!!
من الأقوال الرمزية في علم النفس أن كل شخص يولد وعلى جبهته علامة تقول : " من فضلك ، اجعلني أشعر أنني مهم ... فضلاً ، اعترف بكياني " .... ويمكن اعتبار هذا القول قاعدة لابد أن ترتكز عليها تربية النشيء ليتعزز الإحساس بالأهمية في المجتمع منذ وقت مبكر ويتحول الفرد بموجبها إلى فاعل اجتماعي له ارتباط بالآخرين وبكافة القضايا المحيطة به عن قناعة بأن العلاقة بينه وبين مجتمعه تبادلية وحتمية ... والواقع الذي نشهده في العملية التربوية غير ذلك ، فكثيراً مايكون للمدرسة أو الأسرة دور في أن يصبح الإنسان متبنياً لحالات (( أنا مالي )) وأخواتها عن طريق قمع الآراء والاستهزاء منها ووصف المحاولات بالفشل وغياب التشجيع والإشادة بالعمل المتميز أو الإفراط بالدلال والمسارعة بتذليل العقبات... فتنشأ شخصية ضعيفة اتكالية تضرب بينها وبين المجتمع حواجز من شأنها أن تحد قدراتنا الاجتماعية في التواصل مع الآخرين ، وتحيط بنا قيود تحول دون التحرك معتقدين بأن هذا الدور يجب أن يقوم به غيرنا من المعنيين بالأمر وأن موقفنا هو موقف المتفرج والمستمع والمتلقي..... وتشيع ثقافة الإنسان المستهلك ويبور الأمل في خلق الشخصيات المنتجة التي تبني عليها المجتمعات المتطورة مستقبلها .
وهذه الرؤية ليست مدعاة لفقدان الأمل في إمكانية خلق تفاعل إيجابي بين الأفراد والمجتمع لأن الشخصية قابلة لإعادة البناء ، والتفكير يمكن إثراءه مجدداً بوقود الثقة .... وتبدو الضرورة حتمية اليوم لتشجيع كافة فئات المجتمع على المشاركة الفاعلة لتجاوز الأزمات التي تمر بنا ولابد من أن يشعر كل فرد بأنه مهم وأنه جزء من نسيج هذا المجتمع ليشكل بشخصيته وتفاعله حلقة ضعف أو قوة تؤثر على الصورة النهائية لمجتمعه .
وقد يكون علينا جميعاً في هذه المرحلة أن نتعاطى المضاد الحيوي للسلبية آلا وهو قاعدة " أنا أولاً " لنعمل على تحديث البرامج العقلية لدينا وتشع الأفكار والخطوات الإيجابية التي نصرح بها وتتحول إلى نماذج حية يحتذى بها تمزج بين القول والعمل .... والنماذج الجريئة التي اختارت أن تجسد دور البطولة والإقدام وتبدأ من نفسها كثيرة، ولعلني أراهن اليوم على الشباب والمجتمع النسائي بقوة نظراً لما لمسته من محاولات ناجحة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر (( لجنة الطوارئ النسائية )) التي تكونت لتواجه تبعات الأحداث الإرهابية واتجهت لتقديم العون للمتضررين ودراسة حالاتهم الاجتماعية .... ومجموعة (( سعوديات )) التي تكونت لدعم وإبراز الموهوبات والعمل على تطوير قدراتهن من خلال فعاليات يكن هن أبطالها .... والشباب القائمين على إعداد برنامج (( يلاشباب )) والذين اختاروا اقتحام الإعلام المرئي لتقديم رسالة ذات قيمة بلغة يفهمها الشباب وتساعده على التفاعل معها ... والصوالين الثقافية التي تساهم في التوعية وتفتح آفاق واسعة للحوار وتبادل الآراء ....
إن القاسم المشترك بين هذه التجارب هو أنها قامت على جهود بدأت تطوعية وفردية وتحولت إلى منظومة جماعية استقبلها الناس بحماس وتركت بصمتها وأعلنت عن رسالتها الواعية بأن الإصلاح والتغير الإيجابي يبدأ بخلق الشخصية القوية المنتجة والمتفاعلة ، وأن كل منا صاحب قرار فيما يتعلق بتوظيف قدراته وإمكانياته التي منحه الله لها .
*رانية سليمان سلامة
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ