قضية الرجل وخصوصيته 3-3
لماذا أزعم وقد أكون مخطئة أن ثمة ازدواجية في الشخصية نعاني منها وسببها الرجل الذي لم يحسم بعد صراعه مع مفاهيم الخصوصية والعادات والتقاليد والتطور والالتزام والتحرر؟
صور عديدة تأبى أن تختفي من ألبومنا الاجتماعي مؤكدة على معاناتنا من هذه الازدواجية.
فهذه صورة امرأة ترسّبت بداخلها مفاهيم أفضلية الذكر على الأنثى كجنس بشري لا كفروقات طبيعية وفطرية وطبعت التنشئة بذاكرتها مشاهد تعزز هذا المفهوم, ونلوم جهلها حتماً عندما نراها تتحول بردة فعلها إلى مسخٍ بشري مُتشبه بالرجال في الملبس والممارسات لكن لا يمكن أن نتجاهل لوم من أشعل بداخلها الرغبة بالانسلاخ من الأنوثة الى أن طفت على سطح المجتمع النسائي ظاهرة كريهة تحمل مسمى (المسترجلات) فلا هي امرأة ولا هي رجل بل حالة من الفصام والاضطراب في الشخصية تفتقد للتوازن.
وتلك صورة امرأة يولى وليهّا العادات والتقاليد اهتماماً مقدساً في مجتمعه, ويحرص على التزامه والتزامها بكل ما توارثه من مفاهيم, وما يلبث أن تتغير مفاهيمه وسلوكياته عندما يرتحل بجسده خارج حدود الوطن, وبعيداً عمن يعرفهم ويعرفونه وكأن العادات والتقاليد في السلوكيات والمظهر يرتبط الالتزام بها بالنطاق الجغرافي. لا أتوقع أن نتوجه هنا بلوم امرأة تمارس نفس التناقض خاصة تلك التي لم يكن لها يوماً نصيب أو حق للمناقشة والاقتناع بما يفرض عليها أو لم تتح لها فرصة تكوين شخصية قويمة وقوية تستند على وازع ديني راسخ ودرجة عالية من الوعي, والعقل يقيس بحدود امكانياته الخطأ بالخطأ والصواب بالصواب. فلعلنا بنظرة سريعة إلى المرأة نلتقط صوراً لنا في الداخل لا تشبهنا في الخارج بالرغم من أننا نفس الأشخاص.. فهل تعكس تلك الصور خللاً في بعض ما توارثناه من عادات وتقاليد لنعيد النظر فيها؟.. أم تعكس تناقضاً مع الذات تأصل بداخلنا؟
لن نكون منصفين قطعاً لامرأة تتخبط بين تناقضات رجل وضعها على هامش التفكير والقرار وحاكمها قبل أن يُحاكم نفسه كما حصل لبطلة القصة التي أمرها زوجها بالرقص للتخلص من قاطع الطريق, فتجاهلت رؤيته وتوقعاته إمكانية أن تقوم المرأة بفعل أو ردة فعل تتجاوز ما وضعه لها من حدود فاصلة على خط تماس متقطع وغير واضح الملامح يفصل بينها وبين الخطأ.
وأخلص من تلك الاستدلالات والصور إلى أن المرأة في الواقع لم تعد بحاجة لذلك الطرف الذي يخشى عليها الى حد الرعب ويحيطها بوصاية ترفع عنها الحقوق التي لها أن تمارسها والمسؤوليات التي عليها أن تتحملها, كما هي ليست بحاجة لرؤية واسهامات من يود أن ينقلها نقلة فجائية سريعة من الشرنقة ويستورد لها أجنحة تحلق بها في فضاء الحريات. وقد يكون عندها أول من يُطبق فعل الزوج الذي لم يتوقع أن تتفنن زوجته بالرقص إلى هذا الحد غير المقبول ويتخلى عنها قبل أن يعلمها كيف تستقر على أرض الواقع. إنها بحاجة لرجل يتخلص من ازدواجيته ويساعدها على تكوين شخصية تتسم بقدرٍ عالٍ من الإدراك والوعي والإلمام بخطأ وصواب لا تختلف عليهما الرؤى تاركاً لها أموراً مشتبهات ستتمكن حتماً بشخصيتها القوية وإرادتها المستقلة من حسمها لتتمتع بحرية اختيار مستندة على ثقافة راسخة وسليمة.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ