سوق الأسهم ومؤشرات جديدة للقراءة
كان المشهد يوم الأربعاء الموافق 25/مايو/2005م على طرفي النقيض بين فئة تراقب بهدوء الهبوط الحاد لمؤشر الأسهم السعودية وتستند إلى توقعات وتحليلات مسبقة تشير إلى حتمية وقوع ذلك, وأخرى أصابها الذعر فتخبطت بين قراري الشراء والبيع... ولن أتطرق في مقالي إلى تحليلات خبراؤنا الأفاضل في هذا المجال أولى بها مني, ولكني أود أن أحصر طرحي على متابعة فرضها عليَّ عملي لمتداولي الأسهم على شبكة الإنترنت... وسأبدأ بدراسة قمنا بها مؤخراً بهدف تسجيل معلومات عامة عن شريحة المتداولين للأسهم السعودية من رواد الشبكة العنكبوتية وسأشير إلى بعض نتائجها بالرغم من أنها لا تزال قائمة, حيث كشف الاستطلاع عن أن الشريحة العمرية الأقل من 35 عاماً تشكل ما نسبته 57%, وتبلغ نسبة الذكور 67%, ويشكل أصحاب الدخل الشهري الأقل من 3500 دولار نسبة 64%, أما عن قيمة محافظهم الاستثمارية بالريال السعودي فكانت النتيجة أن حوالى 58% منهم من أصحاب المحافظ التي تقل عن 100,000 ريال, و49% منهم قد دخلوا لسوق الأسهم خلال العامين الأخيرين فقط, و46% يصنفون أنفسهم كمضاربين, كما يعتمد أكثر من 30% على التوجه العام في صالات التداول ومنتديات الإنترنت وعلى الشائعات ونصيحة شخص يثقون برأيه لاتخاذ قرار البيع والشراء. وسأكتفي بتسجيل ملاحظات على الفترة الزمنية التي شهدت دخول نسبة كبيرة من صغار المساهمين إلى السوق وعلى التوجه السائد نحو المضاربة لا الاستثمار وآلية اتخاذ قرار البيع والشراء... فالملاحظ أن سوق الأسهم قد شهدت نقاط تحول في 3 مراحل, الأولى كانت بعودة الأموال المهاجرة بعد أحداث سبتمبر, والثانية تأثرت بحرب العراق, والثالثة سجلتها حمى الاكتتابات الأخيرة التي شجعت على دخول أعداد كبيرة جداً من المواطنين الى السوق وسهلت البنوك عملية فتح المحافظ الاستثمارية للمكتتبين فكانت فرصة على طبق من ذهب لجني أرباح سريعة حفزت الغالبية على الاستمرار والتوجه نحو الاستفادة من هذه المحافظ بخلفية دون الصفر عن ألف باء التداول... وفئة أخرى لا تختلف كثيراً عنها خطفت أنظارها الأرباح التي نجح البعض بتحقيقها من سوق الأسهم فاتجهت بنفس الخلفية نحو المغامرة المثيرة متأملة أن يحالفها الحظ في جني أرباح مماثلة. وعلى لسان الفئتين أتساءل هل كان السوق وكان الوسطاء مهيئين لاستقبال هذا الكم بهذه السرعة?... إن أغلب الملاحظات التي تمكنت من رصدها من المنتديات أو التي تلقيتها على بريدي خلال أسبوعين فقط كانت تحمل قاسماً مشتركاً وهو الشكوى من بطء تنفيذ أوامر البيع والشراء عن طريق الإنترنت وهو أمر طبيعي ومتوقع يعرفه صاحب الموقع العادي ويدرك أن ارتفاع معدلات الزيارة يتطلب منه التخطيط مسبقاً والاستعداد لزيادة سعة الخادم ليستوعب هذه الزيادة, فما بالنا بعمليات مصرفية في غاية الحساسية لمساهمين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود وجدوا أنفسهم في مواجهة خلل لم يضعه الوسطاء بالحسبان في توقيت يعد في غاية الخطورة على فئة تفتقد لثقافة التداول وتعتمد على المضاربة وتستند في اتخاذ قرارها على الشائعات والتوصيات؟!...
ولهذا الاستناد وقفة أخرى يتقاسم بها الأفراد مع الجهات المعنية المسؤولية فمن سارع بالدخول إلى ساحة لا يملك خارطة السير فيها ولم يهتم بالتعرف على قوانينها واعتمد على مجرد احتمالات بوجود مرشدين قد يأخذون بيده ليصل إلى بر (الأرباح) عليه أن يدرك أنه مسؤول عن مغامرته غير محسوبة العواقب.. أما الجهات المعنية بنشر ثقافة التداول فكنا نتأمل أن تخرج بخطة طوارئ سريعة أو على الأقل توزيع نشرات مجانية موجهة إلى المبتدئين تساعدهم على قراءة المؤشر واستيعاب حركته وفهم المصطلحات المتداولة, فمع الأسف قد كشف الأربعاء الماضي أن كلمات مثل التصحيح والانهيار والمحفزات والارتداد لا تعرف شريحة كبيرة من المتداولين مرادفات لها فتسمعها وتزداد ارتباكاً بين البيع والشراء وتعود لتتخبط مع الشائعات التي تأخر تفاعل الجهات المعنية مع بعضها لنفيها وبقي بعضها الآخر عالقاً بانعكاساته حتى لحظة كتابة مقالي... ومع إدراكي أن تداول الشائعات جزء لا يتجزأ من عالم الأسهم والأسواق المالية إلا أن المؤسف أن تنطلق شائعات مؤثرة بشكل كبير على سوقنا في الإعلام الخارجي دون أن يتم التطرق لها مباشرة في إعلامنا أو الرد عليها من قبل الشركات المعنية لطمأنة المساهمين وإخراجهم من حلقة الحيرة والتكهنات. لم يخسر صغار المساهمين وحدهم الأسبوع الماضي ولكن خسرنا جولة في شفافية كانت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى ونحن على مشارف خطوة تاريخية بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية... وفي مرحلة ليس من المناسب فيها أن نتجاهل مصالح صغار أو تجاوزات كبار أو أخطاء قطاعات مختلفة.. ثمة ثغرات أدت إلى تحول أمر طبيعي إلى مسار مخيف, وأتمنى أن نتجه نحو قراءة سليمة لطبيعة وثقافة المتداولين للتعامل معها بواقعية والارتقاء بها, مع توفير خدمات وآليات وأنظمة تواكب القفزات الهامة التي نشهدها والنهضة التي نتطلع إليها.
رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الاكترونية
[email protected]
المصدر: عكاظ