مقال - كليب ( 3 )
* كل شيء في حياة (سارة) يسير بدقة متناهية, فهي تهتم بأدق التفاصيل, حتى إنها قبل أن تخطط للسفر تمضي فترة طويلة على الهاتف والإنترنت لتتعرف على الفندق الذي ستحل فيه ضيفة (مزعجة) وتُحدّد موقعه على خارطة المدينة التي يقع فيها ثم تختار الحجرة والدور والمنظر الذي تطل عليه شرفتها وتحصل على رقم الغرفة مسبقاً، والويل كل الويل لمدير الفندق إذا اكتشفت عند وصولها أن رقم الغرفة لا يُطابق الرقم الذي حصلت عليه أو أن الأثاث ليس مطابقاً للصور التي شاهدتها.... عندما تلقيتُ منها اتصالاً في وقت متأخر من الليل ووجدتها تقول: (ضيعت عنواني) تأهبت لـ(حبة تعمل منها قبة), إلا أن الأمر اتضح بأنه (قبة) فعلاً هذه المرة!!
* بينما كانت (سارة) تقلب القنوات الفضائية لفت انتباهها جهاز رياضي جديد تابعت مميزاته على الشاشة إلى أن وصل التعريف للخاتمة المعتادة: (لطلب الجهاز اتصل بنا على الرقم التالي وإذا كانت الخطوط مشغولة عاود الاتصال... اتصل بنا الآن). فقررت أن تتصل (الآن) وطلبت الجهاز وأعطت الشركة عنوان منزلها بالتفصيل الممل من موقع الشركة إلى باب منزلها رقم (36)..
بعد أيام قليلة اتصل بها أحدهم يخبرها أنه اتبع العنوان المذكور ليحضر لها الجهاز وأنه يقف أمام المنزل رقم (36) ولكن أصحاب المنزل قد أخبروه بأنه مخطئ في العنوان!!... (بسيطة) قالت سارة: (لابد أن أسماء الشوارع قد تشابهت عليك وأنك أمام المنزل رقم (36) في شارع آخر, سأعيد لك الوصف, فأعادت وظل هو يُعاود الاتصال ليؤكد أن العنوان خاطئ وأنه في الشارع المذكور غير أن المنزل رقم (36) ليس منزلها!!..
كاد أن يجن جنونها فهي تعيش في هذا المنزل منذ 15 عاماً ولم يسبق لأحد أن ضل الطريق على وصفها الدقيق.
* لم تعد ترغب بالحصول على الجهاز فكل ما كان يتملكها آنذاك هو الرغبة بالاتصال بمدير الشركة لتعنيفه على تكليف سائق غير مؤهل بهذه المهمة, ولكنها استعاذت بالله من شياطين غضبها قبل أن تقدم على ذلك وطلبت من البواب أن يتحقق من الرقم الموجود على المنزل فعاد لها وهو يسوق لها البشرى قائلاً: (يا مدام, لقد تغير رقم المنزل من 36 إلى 38!!). سألته غاضبة: (متى حدث ذلك؟ ولماذا لم تخبرني عندما حضر موظف البلدية ودق الجرس وأجرى هذا التغيير؟)... أجابها: (أي موظف؟ لم أشاهد أحداً ولم يدق جرس الباب أحد إلا وتصديت له بالتعليمات التي أحفظها عن ظهر قلب: من أنت؟ وماذا تريد؟ ولماذا؟ ثم أخبركم بكل ذلك مباشرة).
* تحت وقع المفاجأة قالت: (لقد غيّرت البلدية رقم منزلنا ونحن بداخله!! هكذا بكل بساطة دون أن يخبرنا أحد، أليس رقم المنزل بنفس أهمية أرقام الجوال التي تم الإعلان قبل وبعد إضافة الصفر لها حتى نستعد لذلك؟)... حاولتُ أن أهوّن عليها فقلت لها: (من النادر أن نستخدم رقم المنزل للاستدلال على العناوين, فأنا عن نفسي لستُ متأكدة من رقم منزلي خاصة وأنه موجود على الباب الخلفي المهجور, وقد اعتاد كل منّا أن يصف الطريق إلى منزله بالطريقة البدائية الشائعة أي التوجه إلى اليمين واليسار بحسب عدد الشوارع وأشكال المباني وأنواع المطبات وإشارات المرور والجسور... و...), قاطعتني وصوتها تبدو عليه ملامح الصدمة الحضارية: (هذا أسلوب من المستحيل أن نتبعه مدى الحياة فالمفترض أن يكفي اسم الحي والشارع ورقم المنزل للوصول للعنوان المطلوب وإلا ماذا سنفعل مع واصل؟), سألتها بتعجب: (ومن هو واصل؟), صرخت: (ألا تعرفين واصل؟, الخدمة الجديدة لتوصيل البريد إلى المنازل كيف ستتوفر لها أسباب النجاح إذا كانت أرقام منازلنا وأسماء شوارعنا متحركة وقابلة للتغيير دون إعلان أو إشعار مسبق؟ هل سأبحث عن بريدي مستقبلاً في صناديق الجيران؟).
* عندما تبدأ (سارة) بتحليل وسرد المشكلة وتوابعها أفقد قدرتي على التركيز, فلديها قدرة عجيبة على الانتقال من موضوع لآخر... وقد بدأت تسترجع من ذاكرتها مشاكل مشابهة, فمن مشكلة تغيير رقم المنزل دون علمها, إلى شركة الاتصالات التي حضر موظفها لتركيب هاتف جديد دون أن يتكبد عناء إبلاغهم عنه, فلم تعلم عن ذلك إلا بعد 3 أشهر عندما استلمت فاتورة لرقم لا تعرفه ولم تستخدمه, ومنها إلى شتلات زرعتها أمام منزلها لتستيقظ في الصباح وتجد أن أحدهم قد ارتكب الجرم المشهود بليل وانتزع الشتلات وربما زرعها في منزله ونام قرير العين.
* أردتُ أن أختصر المكالمة فاقترحتُ عليها أن تكون صاحبة السبق لحل هذه المشاكل وتضع لوحة كبيرة على سور منزلها تقول فيها: (فضلاً, يوجد سكان بالداخل... الرجاء إبلاغهم قبل القيام بأي شيء في حدود الأرض التي يقع عليها المنزل... وشكراً..), مع جرس إنذار يوفظ الحي ويجمع دوريات الشرطة بمجرد أن يمس أحدهم سور المنزل حتى لا تُصاب بوسواس قهري يجعلها تتفرغ لمراقبة ما يحدث على حافة السور من نافذتها.بعض الأشياء لا يجوز أن تتغير دون علم صاحبها خاصة إذا كانت من ضمن المعلومات الأساسية التي يعرف الإنسان نفسه بها مثل (اسمه أو رقمه أو عنوانه), وحتى يصل (واصل) لابد من المزيد من التواصل, والإيضاح, والاهتمام بثبات مسميات الشوارع وأرقام الأملاك... مع الإعلان عن خطط التغيير لئلا يضيع أحدنا عنوانه.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الالكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ