الحوار الوطني،، مخرجاته وخريجوه
آلاف الأميال أولها خطوة، وطريق الإصلاح يبدأ بمساحات حوار كتلك التي انطلقت من مركز الحوار الوطني لتكون بمثابة اللوحات الإرشادية الكفيلة بتوجيه مراكب الإصلاح إلى الطريق الصحيح ... وكما تحاك الثياب يحاك ثوب المستقبل بخيوط حوار تتداخل وتجتمع بمختلف ألوانها لتنتج ثوب وطني يناسبنا فلايضيق على جسد أبناء الوطن ولا نضطر إلى استيراده جاهزاً فترفضه ذائقتنا.
لقد أتاحت لنا خطوة النقل المباشر لجلسات الحوار الوطني الخامس فرصة لنتعرف على ماكان يدور في الغرف المغلقة.... أما وقد عشنا التجربة من قلب الحدث فبعض الملاحظات أتمنى أن يتسع لها صدر القائمين على المركز والمشاركين في جلساته:
أولها: آلية إدارة الجلسات تبدو موفقة ومناسبة ( مؤقتاً ) ولمرحلة البداية ( فقط ) حيث نحتاج في هذه المرحلة أن تعتاد أنفسنا على الاستماع والإصغاء لوجهات النظر المختلفة بمثل هذه الصراحة والوضوح، وقد سجلت الجلسات نجاحاً اختصاره أننا بتنا نعرف ونعترف بمختلف الآراء.... ولكنها تبقى خطوة ما قبل الحوار الذي لم يبدأ بعد ونترقبه لاحقاً عندما نتجاوز هذه المرحلة ويتمكن المشاركون من خوض تجربة المناظرة والتعقيب على بعضهم البعض حول الأفكار المطروحة مدركين أن بوسعهم استخدام كافة وسائل الإقناع والمحاورة دون أن يكون بوسع أي منهم أن يخرج عند نقطة تقاطع يرفض فيها الآخر أو يعلن أنه لاتوجد معه نقطة التقاء منصفة... فالحوار أخذ ورد ومداخلة حتى يصل أطرافه إلى نقطة التقاء وانطلاق لايمكن أن تنتج بمجرد أن يصفر الحكم ويقرأ نتيجة لم يصل إليها المتحاورون بعد .
ثانيها: ودي لو أن رائحة التشنج والعصبية لم تخترق شاشات التلفزة صادرة من أسلوب طرح بعض المشاركات فليست المشكلة أبداً في أن نطرح آرائنا بكل صراحة ووضوح ولكن يبدو أن المشكلة في أسلوب الطرح الذي يتشكل باختيار الكلمات التي نعبر بها عن وجهة نظرنا وبملامح الوجه ونبرة الصوت، ففي الواقع سيسمع الجميع نفس الطرح سواءًا رفع صاحبه صوته وانفعل أو طرحه بهدوء .
ثالثها: ندرك أن مركز الحوار الوطني لايملك العصى السحرية لتحقيق كل ما نطمح إليه بسرعة قياسية كما ندرك أنه ليس جهة تنفيذية بوسعها أن تصدر قرارات تتمخض عن جلسات الحوار ولكن تبدو الحاجة ملحة لوجود لجنة دورها أن تحمل رؤى وتوصيات الحوار الوطني إلى الجهات والوزارات المختصة بها وتتابع معها ما يمكن تنفيذيه وتطلعنا باستمرار على نتاج هذه المساعي.... نتطلع حقاً أن نشعر ( وأكتفي بنشعر ) أن ما قد وصل إليه الحوار قد انتقل ( ولو لمجرد النظر فيه ) من قبل الجهات المعنية وأن نعلم إن كان مرفوضاً أو مقبولاً أو تم وضع خطة مستقبلية لتطبيقه .
رابعها: يسهم حتماً النقل المباشر في نشر ثقافة الحوار أو ما أصر على وصفه بأنه ما يسبق الحوار من ثقافة ( التعبير عن الرأي ) ولكني شعرت بشيء من الإحباط وأنا ألمس بأن النخب وحدها قد حرصت على متابعة الجلسات فكانت بذلك جلسات نخبوية تابعها النخبة من مثقفين وكتاب وغيرهم في مقابل قلة من العامة التي هي في الواقع أكثر حاجة إلى الاقتراب من هذه التجربة بل وربما كانت الفئة المستهدفة من هذا النقل... وقد ملأني هذا الإحباط بعد أن ظللت أكرر طرح السؤال على فئات مختلفة وفي أماكن متعددة ( هل تابعت جلسات الحوار الوطني؟ ) كانت النتيجة أن عدد كبير من العاملين والعاملات في الحقل الأكاديمي لم يتابعنه ومثلهم من سيدات المجتمع وربات المنزل ورجال وسيدات الأعمال أما الطلبة والطالبات فلم يكن لديهم علم عن ذلك وأما استطلاع الرأي الذي قمت وإحدى الزميلات بطرحه على الإنترنت فكانت إجابة أكثر من 60% من المشاركين فيه والذين يتجاوز عددهم 2000 مشارك ومشاركة ( لا ) وأما الأسباب فتتراوح بين: لم نكن نعلم عن النقل المباشر، لم نهتم بذلك، لم يكن لدينا الوقت الكافي.... وبينما يتفق الأغلبية على أن الخطوة موفقة ومطلوبة إلا أن أحداً لم يبدي حماساً وعزيمة على متابعته اللقاءات القادمة... والسؤال لماذا؟.... والإجابة قد تتطلب دراسة من المركز إلا أنني أتوقع أنها ببساطة لأن العامة يسمعون عن الحوار الوطني لكنهم لم يشعروا بعد بأهميته ولم يستشعروا دورهم فيه أو يلمسوا مخرجاته .
كنت ولازلت أرى المركز الوطني للحوار بمثابة الأكاديمية التي أتطلع إلى أن يتخرج منها كل من يلتحق بها مشاركاً في جلساتها وورش عملها بما يؤهله لنقل هذه التجربة والثقافة لمحيطه على اعتبار أنه إما يملك مسبقاً مهارة إدارة الحوار الصحي أو أنه قد تأهل لذلك فأصبح مدركاً أن للحوار الهادف آلية وللغته مفاتيح بها نفتح الأبواب التي تخفي وراءها أهدافنا المنشودة من الحوار، بودي لو أن يكون من ضمن شروط المشاركة في هذه اللقاءات أن يسمح وقت المشارك بعدها بالالتزام ببرنامج لنشر الثقافة في محيطه من خلال ملتقيات أخرى تتواصل على مدار العام بإشراف مباشر من المركز أو بإطلاعه دورياً على تقارير تشير إلى نتاج مجهودات المشارك وماتوصل إليه وماتم جمعه من آراء واستطلاعات لتصل رسالة المركز وتنتشر ثقافته بالفعل في المدارس والجامعات وكافة حقول العمل، ولتصل كذلك إلى المجالس الرجالية والصوالين النسائية المخصص منها للثقافة والمتخصص منها بالثرثرة... وإلى الإنترنت التي تضم أكبر فئة مستهدفة تستعذب الحوار وتتعذب لغته بين أناملها، و( تهوى ) الحوار ولكنه ( يهوي ) بها وبنا ويهدم بدلاً من أن يبني... وأظل على ثقة بأن المركز الذي نجح بالتأسيس للغة حوار أطرافه من النخب الناضجة التي قد ترسخت قناعاتها سينجح في إدارة حوار يصيغ فكر العامة والشباب، وقد ينجح في إطلاق حملة حوار وطني الكترونية تستهدف رواد الإنترنت في المنتديات التي يتواجدون فيها أو في موقع المركز يشترط فيها إتباع أسس الحوار الهادف و آلية معينة للطرح لتقدم للمتحاورين التوجيه السليم الذي يؤطر التفكير ويوظف الحماسة... لاشك أن خطوة كهذه ستسهم في تشجيع من يتجاوب معها ليرتقي بأسلوب طرحه وحواره وليحذو حذوه الآخرين .
سيدعم أهداف المركز إحساس الجميع بدورهم المطلوب في هذه التجربة وهو الأمر الذي يتطلب المزيد من التخطيط والدراسة ليتحقق، وإلى قناعة بأن عصر الجمهور المتلقي قد شارف على الانتهاء وحل مكانه الجمهور المتفاعل الذي يبحث عن دوره في صناعة الأحداث .
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ