نستاهل
ـ سعدت بالآراء التي تلقيتها على مقالي السابق عن زواج المسيار والزواج فريند وقبلها عن سيدة الأعمال ووكيلها... وبقدر ما سعدت واستمتعت بمناقشتها عبر بريدي مع المؤيدين والرافضين، أصابني الإحباط... فمن بين كل الردود التي تلقيتها لم تطرق أبواب بريدي نقرات أصابع امرأة على الكيبورد لأنقل رأيها في قضية هي طرف أساسي فيها... ولا ألومها فربما هي منشغلة بقضايا أكثر أهمية قد يكون منها رفض وتأييد قيادتها للسيارة، أو دراسة التداعيات الخطيرة لتحولها من مشترية من بائع إلى بائعة لمشتري مستلزمات نسائية... أما في قضايا تمس حقوقها الشرعية الأساسية كزوجة، أو كسيدة أعمال لها حرية التصرف في ذمتها المالية، يحضر الرجل مسجلاً رأيه بقوة وشجاعة وتبقى المرأة ضميراً مستتراً منشغلاً بما خف وزنه وارتفعت أصوات الجدل حوله... وشيء ما يضيع من حياتها بين الضجيج يسمى (الأولويات)... أقر مع ضياعه بإصرارها وافتقاد ترصدها لحقها بأنها (تستاهل)، و للحديث عن هذه القضية بقية .
ـ كانت المفاجأة هي القاسم المشترك بين ردود الأفعال على المقال الذي أشرت فيه إلى خطوة هيئة الاتصالات بطلب مرئيات العموم على خدماتها الجديدة، فالغالبية لم يسبق لها الإطلاع على إعلانات الهيئة التي للمفاجأة أيضاً، كانت تملأ الصحف في نفس الأسبوع الذي نشر فيه المقال!!... إحداهن أبدت إلى جانب مفاجأتها سعادتها بهذه الخطوة وبعد أيام التقيتها لأسألها: هل شاركت؟ أجابت: بالتأكيد لا!! ماذا سيضيف رأيي؟!... تذكرت لحظتها أنني أيضاً لم أشارك وسط دوامة من المشاغل المطرزة بالإحباطات وأدركت أننا في بعض الأحيان ( نستاهل ) أن لا يتم إشراكنا في اتخاذ القرار المناسب لنا... إذا كنا لانسعى إلى إيصال رأينا فلماذا نتوقع أن يستجديه منا غيرنا؟.
ـ بعد 37 عاماً تم تغيير نظام العمل والعمال الجديد، خطوة رائدة لست بصدد مناقشة تفاصيلها التي غدت حديث الساعة، أكتفي بتحليق خيالي مع ذلك الرقم بحثاً عن عدد اللوائح والأنظمة التي لم تتغير منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان في زمن بات يتغير مع مشرق الشمس ومغربها... تتغير الوجوه وتتغير الأسماء ويتغير العالم من حولنا ونستبشر خيراً بكل الظواهر الصوتية والشكلية التي تبرز تحت المصابيح الإعلامية الضوئية حتى ننسى أن سر التغيير الحقيقي الذي بوسع أناملنا أن تلمسه وبوسع أعيننا أن تبصره على أرض الواقع يكمن في اللوائح والأنظمة... والبعض منها يجعلني أعيش تجربة فريدة أشاهد خلالها الماضي والحاضر يتجادلان على المستقبل... مستقبلنا المرهون بوتد خيمة قد دق قديماً بحكمة وإحكام على أرض الماضي، إلا أن الرقعة التي تظللها الخيمة قد اتسعت أفقياً وعامودياً حتى لم يعد بوسعنا إلا أن نخترقها أو نختنق تحتها، أو ربما نقوم بتوسعتها بأنامل (خياط) ماهر يفك غرزها ويوصلها بقطعة من القماش المطاط (الستريتش) حتى تبقى متصلة بالوتد الثابت ومستوعبة لمتغيرات الحاضر وبها حيز لاستشراف المستقبل... أتأمل كل الجدر الصلبة التي تصطدم بها الطموحات الواعدة فأجدها لوائح قديمة تكاد أن تضم نفسها إلى دفتر أحوال العادات والتقاليد والثوابت دون وجه حق... ونتكيف كثيراً مع بعض جوانب جمودها وبيروقراطيتها أو نتجاوزها بحرف (الواو) السحري أو (إلا) الاستثنائي، فإذا كنا نساهم في ذلك (نستاهل) ثوباً لايحتوي طموحات مستقبلنا بمرونة وعدالة.
ـ انطلقت أخيراً فعاليات الحملة الوطنية لمكافحة حمى الضنك، والبشارة في أول أيامها كانت صورة بألف مقال توسطت الصفحة الأخيرة من هذه الصحيفة لتفيدنا أنه في محاضرة التوعية اقتصر الحضور على المحاضرين والقائمين على الحملة بينما بقيت مقاعد الجمهور المهدد بالإصابة بالمرض فارغة إلا من نشرات التوعية التي وضعت عليها لتزال عنها بعد المحاضرة... الخلل في إعلان لم يصل للجمهور المستهدف أم في جمهور استهدف السلبية؟... النتيجة واحدة، توجد أموال أهدرت ويوجد وعي غائب يوشك أن يهدر حياة أصحابه... وإذا تجاهلنا ذلك... ( نستاهل ) لسعات خفية من بعوضة شقية هربت من مستنقعاتنا ذات الرائحة الزكية .
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ