علاقتنا بعقود الزواج المستحدثة
استمتعت بقراءة تعقيب المستشار القانوني ياسر غندور في صفحة سوق عكاظ على مقال (زواج مسيار وفرند لأسرة بارت تايم) ذلك أنه يؤكد صحة ماذكرته في مقالي (ذرائع مسدودة) عن الردود المعارضة التي ترد وترتد على نفسها.
- يقول الأستاذ ياسر بأنني قد أسميت هذا الزواج بمسميات الغرب (الفريند) واستخدمت مصطلحات لاتعرفها مجتمعاتنا الإسلامية، وأفيد سيدي الكريم بأنني في الواقع بعد قراءة البيانات الصادرة عن المجمع الفقهي في موقعه الرسمي على الإنترنت أو في الصحف تعجبت من احتوائها على هذه الكلمة حتى أنني كنت أنوي أن أكتب مقالي باللغة الإنجليزية ظناً مني أن اللغة العربية قد أصبحت مفرداتها عاجزة عن وصف عقود الزواج المستحدثة، ولكن لأن هذه الصفحة تصدر باللغة العربية اكتفيت بوصف (بارت تايم) مجاراة لكلمة (فريند) واستنجاداً بمن يعربها لنا وإن اضطر الأمر اللجوء إلى مجمع اللغة العربية ليفيدنا إن كان اللفظ يعني في هذا السياق الأصدقاء أو الأخدان أو الزملاء أو أن مصطلح (الزواج فريند) أساساً متضارب وليس له معنى في اللغة، بل وربما نحن بحاجة لاستحداث مجمع علم اجتماع لندرك أن نفس المصطلح خارج عن سياق مجتمعنا وطبيعته وأعرافه أو سائق لمجتمعنا نحو مسار مخيف دون فرامل أو ضوابط.
- يذكرني القارئ الكريم بأعضاء المجمع الفقهي الذي يضم علماء من مختلف أنحاء العالم وأشكره على هذه الإشارة الهامة ذلك أننا نعلم أن المنظمات والهيئات العالمية عندما تصدر عنها توصيات لاتكون جميع بنودها ملزمة بالضرورة لكل الدول، خاصة إذا كانت بعض هذه البنود تتعارض بشكل صريح مع قوانين وتشريعات دولة دون غيرها... وأشير إلى أن أغلب الفتاوى التي صدرت فيما مضى عن هذه العقود من علمائنا الأفاضل قد شددت على توثيقها، وتوثيق الزواج لدينا يعني استخراج قسيمة وضم الزوجة لدفتر العائلة وهذا كل مانريده ممن يود أن يتزوج مسياراً.
- أما الزواج فرند فهو مسمى استحدثه الشيخ عبدالمجيد الزنداني للأسر المسلمة التي تعيش في الغرب مشدداً في فتواه التي أثارت الجدل إلى أنه لايجب تعميم فتوى إباحة هذا الزواج على المسلمين... فهو حالة خاصة وطارئة لزواج مترتب على علاقة غير شرعية بين ذكر وأنثى في مجتمعات غير إسلامية... وبناء عليه لا توجد ذريعة للزواج فريند في مجتمعنا ولاتوجد مسوغات لزواج سعودي من سعودية في السعودية على طريقة الزواج فريند ولابد من التنبيه إلى ذلك... أما إذا أقدم أحد طلابنا الأفاضل على هذا النوع من الزواج في الخارج فارتبط بأجنبية على الطريقة (الفرندية) فيؤسفني أن أخبر المستشار القانوني ياسر إمام غندور أن المواطن سيكون خارجاً أو متحايلاً على القانون السعودي ذلك أنه بحاجة إلى توثيق الزواج ليعود بزوجته إلى وطنه بعد انتهاء الدراسة، وليتحقق له ذلك لابد من الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية للزواج بأجنبية... هذا الأمر الهام بالمناسبة يحتاج لمعرفته فقط من هو جاد بالفعل في زواجه وملتزم بشرط المجمع الفقهي الذي اشترط عدم تبييت نية الطلاق أو تحديد مدة الزواج... أما من لن يعيره اهتماماً فهو من يبطن نية يجبن عن إعلانها ويود أن يستفيد من الرخصة ويخالف الحكم الشرعي والقانون المحلي.
- وليعلم سيدي الفاضل أنني تجاوزت الخوض في الجدل الفقهي وانصرفت إلى الجانب الاجتماعي عمداً لا جهلاً، وذلك لقناعتي بأن اختلاف العلماء رحمة أما اختلاف العوام فهو (فتنة) خاصة عندما يكون كل مابوسعهم أن يتجادلوا حوله هو ترديد مايتفق مع أهوائهم من آراء العلماء، بل والأكثر خطورة هو أن نسقط من فتوى عالم فاضل جزءاً هاماً منها... فيحق للأستاذ ياسر أن يأخذ من مقالي جملاً مقطوعة وكلمات متقاطعة يحتج بها على رأيي، أما ما لا يصح فهو أن نتعامل مع فتاوى العلماء الأفاضل بهذه الطريقة وأخص بالذكر فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله التي أسقط منها قوله (بشرط إعلان النكاح وعدم إخفائه)، وأنه في مواضع أخرى أفتى بالجواز مع الكراهية... أما الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق فقد أصدرفتوى بإباحة زواج المسيار، ولكنه كان مخالفاً لفتوى شيخ الأزهر الراحل الشيخ جاد الحق الذي أفتى بحرمة زواج المسيار... علماً بأن الدكتور نصر فريد قد أفتى في المقابل ببطلان فتوى الزواج فريند ورفض إباحة مثل هذا الزواج ضمن مايسمى بفقه الأقليات المسلمة في الخارج... أما الشيخ القرضاوي فقد أجاز زواج المسيار إلا أنه في نفس مواقع الإجازة أكد على أنه لايحبذ هذا الزواج ولايدعو إليه.
وختاماً، أؤكد لسيدي المستشار القانوني أن الزواج بالفعل قد يصبح محطة أوتوبيس مالم نضع للعقود المستحدثة شروطاً وضوابط ونحدد علاقتنا بها في إطار يسد ثغراته علماؤنا الأفاضل مع أخصائيي علم الاجتماع والقانونيين.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ