في لحظة ما قد تقف المرأة عاجزة عن اتخاذ القرار، وتعيش مشوشة الفكر، عديمة الحيلة. وقد يأتي وقت تندم فيه على تضييع الفرص أو اتخاذ قرارات خاطئة تدفع ثمنها لاحقا.
وأمام هذه الاحتمالات التي تصادفها وهي تنتقل من مرحلة عمرية لأخرى يبدو ضروريا للمرأة أن تتقن فن اتخاذ القرار الصائب الذي يمنحها بطاقة عبور نحو مستقبل مزدهر اجتماعيا واقتصاديا. قرارات تعتمد على اختيارات ذكية ومدروسة تحميها من السقوط في مستنقع الإحباط وتعزز من فرص نجاحها.
ويمكن أن نقول أن كتاب «عشرة قرارات ذكية قبل الأربعين» لمؤلفته الدكتورة تينا ب.تسينا، هو واحد من أهم الكتب التي توفر للمرأة خطة حكيمة تأخذ بيدها نحو النجاح.
وصدر للدكتورة تينا تسينا، طبيبة نفسانية في ولاية كاليفورنا الأمريكية، ثلاثة عشر كتابا في مواضيع تتعلق بالمرأة والأسرة تُرجمت لسبع عشرة لغة. وتربو سنوات خبرتها عن الخامسة والثلاثين عاما في مجال تقديم الاستشارة للأفراد والأزواج.
وعن كتابها الذي نعرضه اليوم تقول د. تينا أنه ليس كتابا عاديا يناقش المشكلات النسائية الخاصة بالزواج أو الجنس أو تربية الأبناء بصورة ناجحة، كما أنه لا يتعرض لكيفية الحصول على كل ما تريده المرأة في الحياة ولا كيف تتجنب الإخفاق أو الفشل في أي جانب من جوانب حياتها لكنه يتناول جوانب أكثر واقعية في حياتها.
وفي هذا الكتاب سوف ترى المرأة كيف أن اتخاذ بعض القرارات الصائبة قبل بلوغ سن الأربعين ربما يتيح لها الفرصة لتعيش حياة حقيقية تهنأ خلالها ببعض الراحة والأمان والمتعة والحب وبعض المرونة لمواكبة ظروف الحياة المتغيرة سواء كانت ظروفا اقتصادية أو اجتماعية.
وعلى امتداد 280 صفحة تخاطب الدكتورة "تينا" المرأة على وجه الخصوص باعتبارها المعني الأول بهذا الكتاب، غير أن قراءته مفيدة كذلك للرجال الذين يرغبون في إتقان عملية اتخاذ القرار. وقسمت المؤلفة الكتاب إلى عشرة فصول، في كل فصل تتناول قضية بذاتها وتطرح الحلول وتقدم نماذج إنسانية من أجل تعميق الفكرة وتوضيحها أكثر.
قرري القيام باختيارات ذكية
يناقش الفصل الأول من الكتاب كيفية اتخاذ القرارات الذكية باعتبارها لا تأتي فجأة أو بمحض الصدفة، بل تعتمد على خمس جوانب أساسية ينبغي أن تتوافر في صانع القرار وهي: الوعي ومعرفة النفس، الدراسة والبحث، الملاءمة، توفر المساندة، احترام الذات. ويكمن سر المرأة القادرة على اتخاذ القرارات بحزم في اعتمادها على مبادئ صائبة.
وترى الكاتبة أنه في أحايين كثيرة يتمثل حل مشكلة ما في إعداد النفس وملاءمة الظروف مع أكثر من خيار في نفس الوقت، فلا بد من وضع خطتين على الأقل ثم تنفيذ الأصلح أو الأكثر توافقا مع الظروف، ويفيد استخدام هذا الأسلوب إذا كانت الخطة الأصلية تضم الكثير من المخاطر غير المتوقعة.
كما أن القرار السليم يتطلب توافر الدعم والمساندة اللازمة لنتفيذه، ولا بد أن يؤدي إلى زيادة احترام النفس. ولا يعتبر الاختيار اختيارا إلا إذا تم تنفيذه، "فإذا قررت بكل وضوح أن ما تفكرين فيه هو أفضل ما تقومين به في ظل الظروف المتاحة أمامك ولم تكملي خطوات تنفيذ هذا الاختيار فيعني ذلك أنك قد قمت باختيار سلبي."
لا تسجني نفسك في جدران الماضي
المشكلات القديمة وضرورة حلها هي موضوع الفصل الثاني من الكتاب، فاتخاذ قرارات صائبة يعني تحمل مسؤولية تولي زمام الأمور الحياتية. وطالما ظلت المشكلات القديمة المرتبطة بالطفولة والعلاقات السابقة والتجارب الفاشلة في العمل والمهام التي لم تكتمل تسيطر على حياتها وتخلق ثورات انفعالية بداخلها أو مع من ترتبط بهم فلن تتمكن من تولي زمام الأمر بصورة واقعية وصحيحة.
وبما أن مثل هذه التجارب من الممكن أن تكون مؤلمة ومفزعة إلى أقصى حد فإن سماحها لها بأن تظل بلا حل هو بمثابة استمرار في تجاهل رغبتها في تولي مسؤولية معرفة النفس أو معرفة ماهية حياتها.
وتعتقد د.تينا أنه "من الصحي التركيز على أفراد الأسرة الذين يبعثون السرور والمرح إلى أنفسنا وتحديد علاقاتك بأفراد الأسرة المعروف عنهم إثارة المشكلات بحيث تقللي من حجم الاحتكاك بهم وأن تقتصر محادثاتك معهم على موضوعات سطحية مثل الطقس وما إلى ذلك."
تحديد الأولويات والبحث عن الجمال الداخلي
في الفصل الثالث تنصح المؤلفة المرأة بمعرفة ما تريده في حياتها لتتمكن من تحديد قائمة الخيارات المتاحة. وطبقا لقاموس وبستر، الأولوية هي "شيء ينبغي القيام به في المقام الأول".
ثم إن تحديد الأهداف حتى وإن كانت أهدافا صغيرة فسوف تتيح لصاحبتها لحظات من الإشباع والاحتفال بالنجاح حتى لو كانت لحظات قصيرة، فالاحتفال بالنجاح وتحقيق الأهداف يمثل الدافع للمضي في تحقيق الهدف التالي وهكذا فإن معادلة النجاح تصبح: الاحتفال + التقدير= الدافع.
وتخلص الكاتبة للقول أنه "غالبا ما تتصارع الأولويات الداخلية مع الأولويات الخارجية فعلى سبيل المثال من الممكن أن تحتاج بشدة لقدر كبير من الحرية الشخصية- أولوية داخلية- وفي نفس الوقت يجتاحك احتياج قوي في بعض الأحيان لتقدير المجتمع لكِ - أولوية خارجية- مما يعني حاجتك إلى التوافق مع معايير المجتمع حتى يعترف بك ويمنحك ما تحتاجين إليه من تقدير. ومن الممكن أن يؤدي هذا الصراع إلى شعورك بالضيق والقلق وإذا شعرت بالاضطراب أثناء رسمك لخريطة مسار حياتك خذي وقتا كافيا لدراسة أفكارك حتى تكتشفي العلاقة التي من الممكن أن تربط وتوفق بين أولوياتك الداخلية وأولوياتك الخارجية."
أما الفصل الرابع فيعالج قضية البحث عن الجمال الداخلي وأهمية إبرازه لتحقيق النجاح. وتحذر الكاتبة من تقليد عدد كبير من النساء اللواتي يجمعن قدرا رائعا من المواهب والمهارات والتجارب والخبرات والسمات الشخصية المتميزة لكنهن ينتقدن أنفسهن بحدة ويقللن من قدراتهن.
وتولي الدكتورة أهمية بالغة لتعلم كيفية التفكير والنظر إلى النفس بعيون إيجابية وإبراز أفضل ما تتسم به من مواهب ومميزات لأنه كفيل بإشباع الاحتياجات بشكل ناجح ويشجع على حسن التصرف بصورة تترك انطباعا ايجابيا عند الآخرين.
الحاجة للتعليم والتدريب وإتقان التواصل الاجتماعي
يضع الفصل الخامس المرأة أمام مرآة مكبرة ليكشف لها عن مكامن الضعف لديها، وخاصة أمام تحديات وسائل التكنولوجيا الحديثة. ويحثها على مواصلة الدراسة بغض النظر عن عمرها.
ويؤكد الفصل السادس على حاجة المرأة لمعرفة كيفية التواصل مع مختلف الأشخاص وبأساليب مختلفة وفي جميع المواقف في ظل ضغوط أو في جو من المرح. وتحتل مهارات التواصل منزلة كبيرة في جميع مسارات الحياة. فالقدرة على الفهم وإفهام الآخرين تمثل أساس أي نجاح سواء في العلاقات الأسرية أو المعاملات العملية أو المواقف اليومية مع جميع أنواع البشر.
وتعرج الكاتبة على ذكر وشرح أفضل أسلوبين من أساليب التواصل المؤثر وهما الإنصات العملي والتحدث اليقظ.
"ويعني الإنصات العملي إلقاء الانتباه لما يقوله الشخص الآخر بنفس الطريقة التي تحبين أن ينتبه إلى ما تقولين. وللقيام بذلك عليك إعادة صياغة ما يقوله أي أن تكرري بلغتك الخاصة ما قاله المتحدث الآخر حتى توضحي له بـأنك استمعت إليه بحرص وأن تؤكدي له فهمك لما يقصده من وراء هذا الحديث."
"الأسلوب اليقظ أسلوب يتم تعليمه في معظم الأحيان لمندوب المبيعات والمتحدثين البارعين أو المحاضرين في مساعدتهم على الاحتفاظ بانتباه عملائهم أو مستمعيهم ولجعلهم أكثر وعيا لقدرتهم على توصيل أفكارهم ويذلك يمكنهم إقناع عملائهم بصورة فعالة ومن ثم زيادة مبيعاتهم."
مواصلة التعلُّم والتفاعل مع النسيج الاجتماعي
يتطرق الفصل السابع إلى أهمية مواصلة التعلم حتى بعد أن تنال المرأة قدرا أوليا من التعليم والتدريب. ويتطلب التعلم طوال فترة الحياة البحث المستمر عن المعلومات في جميع المجالات الطبية والمالية والسياسية والثقافية التي تؤثر عليها وعلى عملها وعلى مستقبلها وأسرتها واستقرارها المالي. فالبحث الدائم عن المعلومات يعطيها تميزا في جميع مجالات الحياة، في وظيفتها، وفي المواقف الاجتماعية مع الأسرة والأولاد.
ومن المهم أن تواظب المرأة على القراءة من أجل الصحة العقلية والبدنية. حيث أصبح استخدام الكتب لإصلاح العلاقات والاطمئنان على الأحوال الصحية والشخصية والمشكلات العاطفية أمرا شائعا لدى كثير من الناس اليوم حتى أن هذا الاتجاه اكتسب اسما وهو العلاج بالكتب. وهناك أعداد ضخمة من الكتب المتخصصة الموثقة في علم النفس والعلاج الذاتي والصحة العامة متوافرة في كل مكان. ولا تقتصر عملية التعلم على القراءة فهناك طرق مختلفة يمكن التعلم بفضلها. وهناك أربعة طرق لاكتساب المعرفة والحصول على المعلومات منها: طرق سمعية (السمع)، طرق مرئية (الرؤية)، طرق حسية (اللمس)، طرق تخيلية (الفكر).
وأشارت الدكتورة "تينا" في الفصل الثامن لأهمية نسج المرأة لشبكة علاقات من الممكن أن تساعدها مهما حدث أو أينما كانت. وإذا قررت استخدام هذه الأخيرة بطريقة صحيحة فإن ذلك سوف ينمي حياتها الوظيفية والشخصية. وتتسم معظم المجتمعات بأعداد ضخمة متنوعة من الهيئات الاجتماعية والمهنية التي تتيح فرصا رائعة لعمل الخير من خلال عمل الخير.
وفور إقامتها لروابط متينة مع الآخرين فسوف تكتسب محيطا عريضا من المصادر التي ستجعل حياتها أكثر سهولة وسعادة. كما أن من تعمل معهم يمكنهم أن يجعلوا حياتها أسهل بكثير من خلال التعاون والتضامن.
تأمين الوضع المادي والمالي
الفصل التاسع خصصته المؤلفة للجانب المادي والمالي كعامل أساسي لاستقرار المرأة. فليس من الضروري أن تكون غنية أكثر من اللازم ولكن من الضروري أن تقرر تأمين وضعها المادي. إذ لا بد أن تمتلك المرأة مالا خاصا بها وغرفة بمفردها.
وتقول الكاتبة بهذا الصدد "وعلى الرغم من أن أمك وجدتك قد اعتمدتا على الرجال في حياتهما سواء أكان أبا أو زوجا في اتخاذ القرارات الخاصة بالوضع المالي للأسرة، إلا أنه يجدر بك ألا تسمحي لأحد أن يكون مسؤوولا عن تأمين احتياجاتك المادية أو أن يتولى زمام مستقبلك المادي اليوم."
وتشبه الميزانية بالحمية الغذائية وبأنها أحد التصرفات التي تمتلك الكثير من النساء نوايا حسنة بشأنها مع ذلك لا يستطعن تنفيذها لكن عندما تعرف المرأة كيف تتعامل مع مثل هذه الأمور فسوف يصبح وضع الميزانية أسهل بكثير من الحفاظ على حمية غذائية.
الموازنة بين العمل والمتعة
وتنهي د. تينا كتابها بالتطرق في الفصل العاشر إلى قضية الترويح عن النفس والتي ترتبط باللعب واللهو وسميت ترويحا لأنها تعيد الروح إلى الجسد الإنساني بعد أن يستهلكها العمل المتواصل.
و لا تعني المتعة الضحك طوال الوقت ويقول أحد الأمثلة الصينية "إذا كنت تريد أن تكون سعيدا لستة أشهر فتزوج وإذا كنت تحب أن تكون سعيدا حتى نهاية حياتك فتعلم الاعتناء بحديقتك".
وتنصح المرأة بقضاء بعض الوقت كل يوم في الصلاة أو التأمل أو التقارب الروحي مع النفس لأنه يساعد في الحفاظ على الإيمان بالقيم ويعزز مغزى تصرفاتها اليومية. فالصلاة والتأمل تعيد شحن الطاقة الروحية وتنعش وتطمئن إلى أن الحياة لها قيمة كما أن البصيرة تتوقد في لحظات إدراك معنى الحياة.