المصرفية عظيمة زهير: المرأة السعودية شريك أساسي في نهضة التجارة الخليجية
تعد نائب رئيس قطاع إدارة الثروات في بنك غايتهاوس البريطاني، واحدة من النساء المسلمات اللاتي يمتلكن خبرة كبيرة ورؤية واعية متخصصة في مجال الاستثمار العقاري والصيرفة الإسلامية، وهي تمثل حالياً همزة الوصل بين مجتمع الاستثمار الخليجي وبين الكوادر والخبرات الاقتصادية والمالية في المجتمع البريطاني من خلال عملها في هذا البنك الذي يعد بدوره أول البنوك العاملة وفق نظام الاقتصاد الإسلامي ببريطانيا. وتحتل هذه السيدة مكانة اقتصادية رفيعة على المستوى العالمي وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً، خاصة وأنها تتطلع بجدية كبيرة إلى إبرام تعاقدات استثمارية جادة ومربحة للمرأة الخليجية والمرأة السعودية بصفة خاصة؛ حيث تهتم بتطوير آليات وخبرات الفتاة السعودية مثلاً في مجال الاستثمار العقاري بالمملكة المتحدة، وتشارك من حين لآخر في فعاليات اقتصادية وتدريبية بالمملكة العربية السعودية من أجل تحقيق هذا الهدف.. عربيات أجرت هذا الحوار مع السيدة عظيمة زهير الخبيرة الاقتصادية حول عدد من الأمور الاقتصادية التي تهم المرأة السعودية وسيدات الأعمال الخليجيات، وعن رؤيتها الخاصة لمنطلقات الاقتصاد الإسلامي قياساً بالاقتصاد العالمي.
الشركات العائلية تمثل 90% من تجارة الخليج
كيف بدأت علاقاتك الاقتصادية بسيدات الأعمال السعوديات؟
أسافر في كثير من الأحيان إلى المملكة العربية السعودية، وغالبية عملائي هم من الرجال. وقد أردت التواصل مع النساء حيث إن النساء في هذا الجيل يتجهن بشكل متزايد إلى تطوير أنفسهن مهنيًا، ومن المهم لهن أن تقمن بإدارة ثرواتهن واستثمار تلك الثروات بحكمة. ويعتبر الاستثمار في رؤوس أموال تنمية الشركات وفي الشركات العائلية عاملاً أساسيًا في منطقة الخليج، حيث يشكل الاستثمار في الشركات العائلية أكثر من 90% من النشاط التجاري. وتنتشر في المنطقة أكثر من 5.000 شركة عائلية يزيد حجم موجوداتها عن 500 مليار دولار أمريكي، وتسهم المرأة بدور متزايد في الأهمية في هذه الشركات العائلية. وقد كانت كلية دار الحكمة أول مؤسسة نسائية تواصلت معها.
ما جنسيتك الأصلية؟ وهل لك أصول عربية؟
أنا امرأة أمريكية مسلمة، والدتي تحمل الجنسيتين الإيرانية والبورمية، ووالدي باكستاني الجنسية.
ما طبيعة تخصصك الرئيسي ببنك غيتهاوس؟
تخصصي الأساسي في الاستثمار العقاري والصيرفة الإسلامية.
من وجهة نظرك، هل تلقى المعاملات التجارية وفق النظم الإسلامية ترحيباً في بريطانيا أم لا زالت هناك عوائق في هذا الإطار؟
تنشأ الخدمات المالية الإسلامية كجزء سريع النمو من القطاع المالي العالمي. ولا تقتصر الخدمات المالية الإسلامية على الدول الإسلامية، بل هي تنتشر أينما كان حجم الجاليات الإسلامية كبيرًا، كالمملكة المتحدة واليابان. وفي الواقع، يوجد حاليًا أكثر من 300 مؤسسة مالية إسلامية منتشرة في أكثر من 51 دولة، بالإضافة إلى أكثر من 250 صندوق استثمار مشترك متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها. وقد شهد هذا القطاع على مدى السنوات العشر الماضية معدلات نمو تراوحت ما بين 10% إلى 15% سنويًا، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في المستقبل. وقد تطورت الصيرفة الإسلامية، ولكن الهيكليات والممارسات المالية لا تزال تفتقر إلى الالتزام بمعايير موحدة. وقد أدى هذا إلى صعوبات أعاقت تحقيق القطاع لكامل إمكانياته. وقد أخذت المجتمعات الأوروبية وعلى الأخص المملكة المتحدة تعتمد النظام المصرفي القائم على هذا المبدأ وقامت بتعيين فرق متخصصة ضمن هيئة الخدمات المالية للمساعدة في هذا النمو وتنظيمه والإشراف عليه.
نساء المملكة يسبقن رجالها في التكنولوجيا والتعليم، ويحتجن لمرونة في تكييف ساعات العمل
ما الذي تحتاجه سيدة الأعمال السعودية بشكل أكثر إلحاحاً لتكون مهيأة لمنافسة اقتصادية واستثمارية متكافئة مع نظيرتها البريطانية والأوربية؟
تشكل المرأة السعودية 45% من سكان المملكة وتمتاز بنسبة تعليم تبلغ 79%. وعلى الرغم من ذلك، فإن 65% من النساء فقط يعملن. وهذا يشير إلى الإمكانيات الهائلة للاستفادة من المرأة السعودية في القوى العاملة والتنمية الاقتصادية الأشمل. وعلى الرغم من أن مشاركة المرأة في سوق العمل السعودية محدودة، غير أن النساء يسبقن الرجال من حيث الحصول على مستويات تعليم أعلى. إذ أن أكثر من 93% من النساء العاملات يحملن شهادة الثانوية العامة أو درجة جامعية في مقابل حوالي 60% من الرجال في سوق العمل (وفقًا لما أورده تقرير بوز آند كمباني Booz & Co. الصادر في العام 2010). وأنا شخصيًا أرى أنه في مواكبة التطور في التكنولوجيا، يجب على الشركات اتباع ساعات عمل مرنة للمرأة. فالقدرة على العمل من المنازل مهمة جدًا للمرأة لكي تنجح في سوق العمل وفي العناية بأسرتها.
من مِن سيدات الأعمال السعوديات تعد الأكثر تفاعلاً مع بنك غيتهاوس؟ وهل لديكم خطة مستقبلية لاستقطاب المزيد من سيدات الأعمال الخليجيات بصفة عامة؟
وقعت الدكتورة سهير القرشي، رئيسة كلية دار الحكمة، مذكرة تفاهم مع بنك غايتهاوس منذ عدة أشهر. وهي من أشد المتحمسات للتدريب المالي ونقل المهارات للمرأة السعودية. ونعمل في الكويت أيضًا بالتنسيق الوثيق مع الدكتورة نبيلة النجار، رئيسة مجموعة القادة. وبالإضافة إلى ذلك، استقبلنا أيضًا عددًا من المتدربات ببنك غايتهاوس، منهن الآنسة هند النافعي من جدة والآنسة عائشة أحمد الإسحق من الدوحة. كما أننا ننوي مواصلة تقديم الدورات في جدة بالمشاركة مع دار الحكمة بالإضافة إلى المزيد من التدريب وورش العمل التطويرية لنساء الأعمال الخليجيات من الكويت وقطر.
بنك غيتهاوس متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ولا يغفل مراعاة البعد الأخلاقي في تعاملاته الاقتصادية
ما أهم الملامح الاقتصادية والتجارية التي يتبناها بنك غيتهاوس وتتوافق مع النظام الاقتصادي الإسلامي؟
جميع استثمارات بنك غايتهاوس، كمصرف متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، هي استثمارات أخلاقية من حيث القطاعات المستثمر فيها وهي تشمل التزامات تعاقدية بمبادئ المشاركة في الأرباح وتحمل المخاطر بما يؤدي إلى إيجاد أساس عادل لتوزيع المخاطر والعوائد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جميع الاستثمارات تتميز بالشفافية وتخلو من أي مضاربات. وبالإجمال، تسمح استثمارات بنك غايتهاوس للمستثمرين بتخصيص فوائض مواردهم في استخدامات أفضل وأكثر جدوى بما يتيح الفائدة للمستثمر وللمستفيد النهائي من رأس المال المستثمر والاقتصاد المحلي من خلال إيجاد الوظائف وتحسين التسهيلات. وهذا يتوافق مع الأهداف الأسمى للشريعة الإسلامية (المقاصد الشرعية) وللاقتصاد الإسلامي الأخلاقي، وتحديدًا التخصيص الفعال للموارد في ظل المبادئ الأخلاقية الإسلامية والتوزيع العادل للثروة.
باعتبارك خبيرة مصرفية ... ما أبرز عيوب الصيرفة في العالم العربي من وجهة نظرك؟ وكيف يمكن تدارك هذه العيوب؟
لقد أصبح قطاع الخدمات المالية الإسلامية معترفًا به اليوم في الأسواق المالية العالمية كنظام مالي مستقل ومجدٍ اقتصاديًا في مجمله. وهناك سوق وطلب على الخدمات المالية الإسلامية؛ وهذه السوق كبيرة ومن المتوقع أن تشهد المزيد من النمو والتوسعة. غير أنه لكي يتمكن قطاع الخدمات المالية الإسلامية من تحقيق إمكانياته المثلى، فإن الأولوية الأساسية الآن هي التأكد من ترسيخ القطاع على أسس تشغيلية سليمة تشكل قاعدة قوية للتنمية في المستقبل. وما من شك بأن قطاع الخدمات المالية الإسلامية يحتاج إلى معايير موحدة وإجراءات رقابية وإشرافية وشفافية لتحسين مكانته ضمن السوق المالية العالمية. وسوف يؤدي توحيد المعايير إلى المساهمة في إيجاد نظام خدمات مالية إسلامية مستقر وقائم على أسس سليمة، ما يجعله عنصرًا مجدٍياً اقتصاديًا ويحظى بالموثوقية في النظام المالي العالمي، بينما تؤدي المعايير الإشرافية والرقابية إلى تعزيز موثوقية الخدمات المالية الإسلامية.
سياسات المملكة الاقتصادية كفلت لها الحماية من أخطار الأزمة الاقتصادية العالمية، والمستثمرة المرأة أقل عرضة للخطر من المستثمر الرجل
لم تهتز اقتصاديات المملكة العربية السعودية بالأزمة الاقتصادية العالمية، كيف فسرتم ذلك كاقتصاديين بريطانيين؟
تأثر عدد قليل من المصارف السعودية تأثرًا بسيطًا نتيجة للأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009، غير أن السوق المالية المحلية السعودية حافظت على مسارها المستقر والمربح. وتمتاز المصارف في المملكة العربية السعودية برؤوس أموالها الجيدة وقد شهدت استردادًا كبيرًا للمديونية قبل الأزمة بفعل السياسة الحكومية الجيدة. وكانت سوق سندات الشركات السعودية لا تزال في بدايتها خلال هذه الفترة ولم تتأثر بالأزمة. وقد أدت مشاريع البنية التحتية المحلية الكبيرة والنمو في السوق العقارية إلى المحافظة على الاستثمارات الرأسمالية في داخل المملكة وبالتالي فإنها لم تتعرض بشكل كبير للتأثر باقتصادات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
ما أبرز نتائج محاضراتكم بكلية دار الحكمة بجدة عن الاستثمار العقاري؟ ولماذا لم تشجعوا المستثمرة السعودية على منافسة استثمارية في غير هذا النوع من الاستثمار؟
أبرز النتائج تمثل في التعريف بالعقار من "منظور استثماري". غير أني أعتقد أن مثل تلك الدورات الأكاديمية/النظرية البحتة لا تؤدي إلى إعداد الطالبات للعالم الحقيقي. وهي رؤية تشاركني فيها كلية دار الحكمة بفكرها التقدمي والتي تدرك مدى القيمة التي يمكن أن تحصل عليها الطالبات من التعامل الميداني مع عالم الشركات. لذا لم نقتصر في التدريس على أسس السوق العقارية ولكننا قمنا بتعليم الطالبات كيفية تطبيقها من منظور مصرفي. ونحن نشجع التنويع. وينبغي أن تشكل الاستثمارات العقارية نسبة 25% فقط من محفظة استثمارات الفرد.
في رأيك ما أفضل المجالات الاستثمارية في بريطانيا، والتي يمكن للمرأة السعودية أن تستثمر فيها بعيداً عن العقارات واستثماراتها؟
إنني أبحث عن الاستثمار في فئات الموجودات التي تتيح التحوط من التضخم، والاستثمار أيضًا في سوق الصكوك.
بعين الخبيرة وبعين المرأة أيضاً، من يتفوق عالمياً على الآخر في إدارة أمواله واستثمارها، المرأة أم الرجل؟
حتى بهذا المستوى من التعليم، فإن النساء أقل عرضة للمخاطر من الرجال. وقد أظهرت الأبحاث أن النساء يملن إلى المنتجات الأبسط كالحسابات النقدية والاستثمارات العقارية الشخصية مقارنةً بالبرامج الاستثمارية الأكثر تركيبًا التي يفضلها الرجال. والسبب في ذلك فيزيولوجي، حيث إن المرأة تقلق عند اتخاذ قرار استثماري، بينما يتحمس معظم الرجال بعامل المغامرة عند الاستثمار. وبشكل عام، يستمتع الرجال بالتعلم عن الاستثمارات بين تميل المرأة إلى وضع أولوياتها في جوانب حياتها الأخرى. وتشير الدراسات إلى أن المرأة أكثر واقعية أيضًا في قراراتها الاستثمارية، والدراسة الملفتة بدرجة أكبر التي قرأتها تشير إلى أن المرأة تكون أسعد بالتبرع مما تكون بالاستثمار. ومن الأسهل إقناع المرأة بالتبرع بدلاً من الاستثمار. والطريقة الوحيدة لتأمين تكافؤ الفرص في الاستثمار هي بزيادة التدريب والدراية في المجال المالي.
الاقتصاد الإسلامي حريص على التناغم بين المصلحة والأخلاق، لكن قطاع الخدمات المالية لدى المسلمين ابتعد عن أغراضه الأساسية
ما الفارق السلبي أو الإيجابي الذي وجدته موجوداً بين الاقتصاد الاسلامي وغيره؟
أولاً، الاستثمارات الإسلامية استثمارات أخلاقية لا تشمل قطاعات تعتبر غير أخلاقية أو غير عادلة أو تؤثر سلبًا على التناغم البشري ومصالح الإنسان في الإسلام. ثانيًا، الخدمات المالية الإسلامية بحد ذاتها تشجع الاستثمارات في الاقتصاد الحقيقي والتي تؤدي إلى منافع اجتماعية واقتصادية ملموسة مثل تمويل التجارة، والاستثمار في أسهم الشركات الخاصة، وتمويل المشاريع، والاستثمار العقاري. ثالثًا، النظرة الإسلامية للعالم هي أن جميع الموارد الدنيوية (العامة) موقوفة كأمانة للبشرية وبالتالي يجب أن يتم استهلاكها أو توزيعها بكفاءة وعدالة دون أي احتكار. وهذا يوحي أيضًا بأنه يجب استهلاك الموارد لتلبية "الحاجة" وليس لإشباع "الأطماع". ويرتكز الاقتصاد الإسلامي على هذه المبادئ على عكس الاقتصادي العالمي التقليدي الذي يرتكز بشكل رئيسي على الرأسمالية دون أي رادع أخلاقي ديني أو إلهي لتوجيهه. ومن المؤسف أن قطاع الخدمات المالية الإسلامية قد ابتعد عن أغراضه الأساسية في السنوات الأخيرة وقد ساعد على زيادة مستويات المديونية العالمية.
ما الذي أعجبك في المرأة العربية؟ وهل لديكم في بريطانيا من يعكس صورة غير حقيقية عنها؟
النظرة التعميمية اليوم تبين في الغالب أن المرأة هي زوجة خاضعة، وينبغي ملاحظة أن هذا في الغالب يعتبر مرآة للمجمع وأحداثه. وتؤثر النظرة التعميمية على كيفية تكوين الناس لمعارفهم وسلوكياتهم ومواقفهم وممارساتهم، والانتقال إلى إبراز المرأة بصورة أكثر إيجابية وواقعية يمكن أن يتأثر بوسائل الإعلام التي تبين مدى قوة وصلابة المرأة العربية في الحقيقة، ليس فقط في محيط أسرتها ولكن في المجتمع ككل.
في الختام ، وانطلاقاً من رؤيتك الاقتصادية الخاصة، أي من القطاعين الخاص أو الحكومي هو الكفيل بإحداث تطور اقتصادي سريع وقوي في الدول العربية؟
الليبرالية الجديدة والتي تتبنى الاقتصاد الحر كإطار مرجعي لها تقوم على مقولة أن التنمية الاقتصادية تعتمد على إيجاد مناخ يتيح تمكين القطاع الخاص، بما في ذلك الأسواق الحرة وحرية تدفق التجارة والتمويل. كما أن تشجيع الاستقرار المالي على حساب الاستثمارات العامة في البنية التحتية والمادية والاعتماد الكبير على الضرائب غير المباشرة بالمقارنة مع الضرائب التصاعدية وضرائب الأرباح تسهم في التنمية بشكل رئيسي من خلال نقل الموارد من الحكومات إلى القطاع الخاص. وفي ظل هذه الأوضاع، من المتوقع أن ينمو اقتصاد العالم العربي بشكل طبيعي.