الطالب.. محشياً أو مخفوقاً أو مطلوباً؟
كلما تقدم العلم يزداد الهم الذي يحمله الآباء وتتقاسمه الأمهات... ذلك الهم هو اختيار المدرسة المناسبة للأبناء، وما بت ألمسه بوضوح مؤخراً هو أن الأمهات يجدن صعوبة أكبر في اختيار مدارس لأبنائهم الذكور ذلك أن الخيارات المتوفرة هي مدارس تقليدية تكتفي بحشو المناهج المقررة من الوزارة، أو مدارس أهلية تفرض أقساطاً مبالغاً فيها نظير تقديم أنشطة وبرامج تعليمية إضافية، أو مدارس ذات صبغة دينية.
إذا اخترت النوع الأول من المدارس فأنت تقرر باختصار تحويل ابنك إلى (محشي) كما وصفه فنان الكاريكاتير المبدع فهد الخميسي بصحيفة الاقتصادية عندما صور مراحل نمو الطالب من لحظة تكوينه في أحشاء أمه إلى لحظة تخرجه متحولاً من إنسان إلى قطعة (محشي) كبيرة.
وإذا اخترت النوع الثاني فعليك أن تتأكد أولاً من أنك قد أجريت عملية استئصال المرارة لأنها قد تنفجر على كل حال أثناء متابعتك لابنك وهو يتحول إلى (كريما مخفوقة) في مدرسة تتحكم فيها طبقة (الكريم شونتي) المخملية التي تفرض على الإدارة تقديم أشكال الدلال والرفاهية بعيداً عن التربية وأبعد مايكون عن تقويم السلوك أو التفكير باللجوء إلى العقاب... كل شيء قد يتوفر لابنك حتى الدرجات المرتفعة التي يتم تقديمها في بعض الأحيان على طبق من ذهب للطلاب دون عناء لتتفاجأ كما تفاجأت إحدى الأمهات أن ابنها في الصف الخامس الابتدائي ويحصل باستمرار على امتياز رغم أنه لا يجيد قراءة سطر واحد في كتاب!!.
أما النوع الثالث فقد لاتخشى من المناهج أو الأنشطة الدينية التي تقدمها المدرسة وفقاً لنشرتها التعريفية ولكن يحق للشك أن يراودك في من سيقدمها من المعلمين ومن سيختارها من الأهالي، ويحق لك أن تخشى من أن يتحول ابنك في نهاية المطاف من طالب إلى (مطلوب).
يتبقى خياران آخران أحدهما لايحلم به أهل (الفقوس) لأن من سيذهب به هم أهل (الخيار) الذين بوسعهم الحصول على ترخيص استثنائي لتسجيل أبنائهم في المدارس الأجنبية. وثانيهما أن تخاطر بإرسال ابنك مبكراً إلى الخارج ليحصل على العلم قبل أن يمر بمرحلة تأسيس اللغة وترسيخ الدين وتشكيل الوعي فيعود بعد تخرجه ويعيش إحساس الغربة في وطنه وبين أهله.
المبشر حقاً هو تأكيد الأمهات أن مدارس البنات أفضل حالاً من مدارس البنين، أو على الأقل تتوفر خيارات متوازنة قد تكون (قليلة) ولكنها موجودة والسر في نجاحها هو أن صاحباتها قد عشن نفس الحيرة قبل أن يساعدهن امتلاكهن لأدوات كافية على المبادرة بتأسيس هذه المدارس حريصات على توفير برامج تعليمية متطورة واختيار المعلمات ومراقبة المجتمع المدرسي عن قرب ليبقى صحياً وسوياً.
أما المؤسف حقاً فهو أن (أغلب) مدارس البنات لاتزال ترفض إدخال اللغة الإنجليزية إلى صفوفها الأولى وتتجاهل الاهتمام بها في المراحل المتقدمة بالرغم من كل الإحصائيات التي تكشف عن تزايد عدد الإناث اللواتي يلتحقن في الجامعة بالأقسام العلمية والطبية، ومن المعروف أننا لم نكتب العلوم منذ قرون ولم نخترع دواء أو نبتكر جهازاً متقدماً وبالتالي فالمواد العلمية يجب تدريسها باللغة الإنجليزية، كما أن الالتحاق بهذه الأقسام تسبقه مقابلة شخصية لوجمعنا مايقع فيها من طرائف ونوادر قد نحصل على أطرف كتب العالم.
إحدى الزميلات بكلية طبية كُتِب لها أن تجري في كل عام المقابلة الشخصية لضحايا تلك المدارس وقدر لها أن تستقبل في يوم سبت مشرق طالبة طموحة سألتها عن اليوم باللغة الانجليزية لتحصل على إجابة سريعة تفيد بأن اليوم هو (أمس) أو (Today is yesterday) بدلاً من Saturday، وتتبعها أخرى طلبت منها أن تقرأ أسماء المواد الدراسية التي صادف أن يكون أولها (Islamic culture) أو الثقافة الإسلامية لتقرأها خريجة الثانوية العامة وطبيبة المستقبل بعد تهجئة كل حرف على حدة Islamic see you later!!.
نظلم الطلاب والطالبات كثيراً عندما لانمنحهم التعليم المناسب ولانزودهم بأدوات تحقيق طموحاتهم ومن ثم نطالبهم بالنبوغ.... كما نظلمهم في الجامعات عندما ندمج خريجين من شتى أنواع المدارس السالف ذكرها دون مراعاة لتوزيعهم بشكل مناسب، ودون إمكانية تجاوز بعض المواد الإلزامية العامة مثل اللغة الإنجليزية عن طريق اختبار مستوى، فنجد طالباً تلقى جزءاً كبيراً من تعليمه المدرسي باللغة الإنجليزية يجلس في الجامعة إلى جانب طالب يتعلم مبادئ اللغة، وعلى الأول أن يهدر ساعات طويلة من وقته وعلى الثاني أن يتحمل الإحباط وهو يرى زملاءه المتقدمين في اللغة فيخجل من السؤال ويخشى من الحديث، وعلى المعلم أن يوجد وسيلة سحرية لتقديم المحاضرة لهذا وذاك في قاعة واحدة.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ