اسماعيل المسعودي، فنان تشكيلي مغربي كفيف
الذهول .. هذا ما سيصيبك – حتما - عند دخولك لمعرض اللوحات التشكيلية الذي أقامه الفنانان )عبد الإله الرمحاني و إسماعيل المسعودي ) . فقد نجحا في تحقيق ما قد يراه الكثيرون مستحيلاً . فهاهو ذا ( إسماعيل المسعودي ) ، الكفيف ، بمساعدة من أستاذه، يرسم لوحات تشكيلية قد يعجز عن رسمها شخص مبصر . الإحساس بالضآلة أمام هذا الشخص الذي تحدى إعاقته انتاب عددا من زوار المعرض حتما .. الذهول و الاستغراب انتاب البعض الآخر .. و عدم التصديق كان هو انطباع زوار آخرين. أما نحن فحملنا معنا عددا من الأسئلة لإسماعيل و أستاذه عبد الإله لنكتشف فعلا أن الأمر حقيقي مئة بالمئة، و أننا أمام ما يشبه المعجزة و أمام تجربة فريدة من نوعها ربما على الصعيد العالمي..
· إسماعيل المسعودي، كل هذا يبدو مبهرا بالفعل، هل يمكن أن تصف لنا كيف نجحت في القيام به ؟
اسماعيل المسعودي :الفكرة هي فكرة أستاذي ( عبد الإله الرمحاني ) و الاقتراح اقتراحه ، فقد كان يرى أنه باستطاعة الشخص الكفيف أن يرسم انطلاقا من قواعد خاصة من ابتكاره . نعم ، كان لدي اهتمام بالفن التشكيلي ، لكنه اهتمام عادي به كفن من الفنون . و بعد أن بدأنا في تنفيذ الفكرة و بقواعد خاصة كما قلت اكتشفنا أن الأمر ليس مستحيلا و أن الإرادة قادرة على صنع كل شيء . و قد وجدت أن هذه الفرصة تناسب شخصيتي التواقة إلى التحدي ، تحدي الإعاقة على وجه الخصوص ، فالرسم التشكيلي هو فن قد لا يستطيع القيام به حتى بعض المبصرين فما بالك بشخص كفيف؟!.
· في إحدى حواراتك ذكرت أنه كانت لديك تجارب قصصية ... لماذا لم تستمر هذه التجربة أيضا؟
اسماعيل المسعودي : نعم، سبق لي أن سجلت بعض القصص القصيرة على شرائط كاسيت ، لكنني لم ألق أي تشجيع ، خصوصا أنها كانت تجربة انفرادية . لا زلت أحتفظ ببعض التجارب، لكن أغلبها أعدمته بعد عدم اقتناع من طرفي . لكني لا أستبعد أن أعود للقص من جديد إن كتب لهذه التجربة النجاح.
· أستاذ الرمحاني، ما قمت به يكاد يدخل في خانة المستحيل. ألم يكن الأمر صعبا جدا؟
عبد الإله الرمحاني : طبعا، كانت هناك صعوبات كثيرة.. لكن – و بصراحة – فقد كان الأخ المسعودي في مستوى التحدي الذي رفعناه معا ، فهو شخص جاد و دؤوب و قوي الإرادة . لقد جربت – قبل أن أطرح الفكرة على المسعودي – غير ما مرة أن أرسم بعينين مغلقتين ، و قد لاحظت أن الأمر ليس مستحيلا بالفعل، لكنني وضعت في اعتباري الاختلاف النفسي بين شخص يرسم بعينين مغلقتين من أجل التجربة فقط و بين شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة يرسم تحت ظروف نفسية تختلف كل الاختلاف . لكن اسماعيل كان عند حسن ظني و كان قادرا على خوض التحدي . هكذا ، استطعنا أن نضع قدمينا معا على أول خطوة في طريقنا .
· لوحاتك تزخر بكل ما هو تقليدي، خصوصا المغربي منه ... لماذا ؟
عبد الإله الرمحاني :ربما لأنني شغوف بالثقافة المغربية الأصيلة بشتى أنواعها ، لأن فيها جمالية لا يمكن مقارنتها بأي جمالية أخرى ... يكفي أن ترى آنية خزفية عادية و بسيطة مثلا ، و دون أي بهرجة تذكر ، لتشعر بنوع من الإعجاب و الارتياح النفسي.
· اسماعيل ، هناك لوحتان مثيرتان للانتباه في معرضك هذا .. تمثلان طفلان يلعبان بعجلة بداخلها قط ( في اللوحة الأولى) ... ثم ، و في مشهد حزين ، يجلس الطفلان و قد سقط القط مضرجاً بدمائه ( في اللوحة الثانية). إلى ما ترمز هاتان اللوحتان ؟
اسماعيل المسعودي :إنها قصة حقيقية حدثت لي في طفولتي ، حيث كنا نلعب أنا و أخي بنفس الطريقة و حدث ما رأيته مجسدا في اللوحة . و قد رسخ هذا المشهد في ذهني لأنها كانت ، ربما ، أول مواجهة حقيقية مع الموت . و كانت هناك تساؤلات عديدة بداخلي : هل شعر القط الذي قتلناه دون قصد بالعذاب ؟ هل سيعاقبنا الله لأننا فعلنا ذلك؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الطفولية الممتزجة بغموض و ضبابية ... و هي ، بالمناسبة ، أول لوحة رسمتها.
· فلنفترض أنك الآن أمام ورقة أو قاعدة للرسم ، كيف تبدأ العمل عليها بالتفصيل؟
اسماعيل المسعودي :أولا لا بد أن تكون هناك فكرة أو موضوع للوحة ، و هذا ما أحدده أنا ... ثم أناقشها مع أستاذي كي نقوم بعد ذلك بالتخطيط و دراسة الأبعاد الهندسية و خطوط النظر إلى غير ذلك من قواعد الرسم التي لا يمكن العمل بدونها.
· أستاذ الرمحاني، يبدو من خلال لوحاتك أنك مولع بالتفاصيل بدرجة كبيرة ..
عبد الإله الرمحاني : أنا عاشق للتفاصيل الدقيقة، لكنني لم أصل بعد إلى درجة الاقتناع في كل هذه التفاصيل التي تعج بها لوحاتي ... لا زلت أبحث عن مزيد من الدقة ... أريد أعمالا أكثر قوة كالرسم بالألوان الطبشورية على ورق " الباستيل" أو الزجاج..
عبدالإله الرمحاني : تجربة الرسم على خيوط العنكبوت تعتبر أيضاً الأولى من نوعها في عالمياً
· من الواضح أنك تبحث عن شيء خارق فعلا بدليل أنه لديك لوحات هنا مرسومة على خيوط العنكبوت ، و هذه أول تجربة على الصعيد العالمي حسب علمي ..
عبد الإله الرمحاني : هذا صحيح ، فقد بحثت كثيرا عن تجربة مشابهة فلم أجد. و عملية الرسم على خيوط العنكبوت مرهقة جدا، حيث لا بد من جمع عدد كبير من خيوط العنكبوت حتى أصنع منها أرضية يمكن أن أرسم فوقها، و لا يخفى أن الرسم على هكذا أرضية ليس هو بالتأكيد الرسم على الثوب أو الورق أو الباستيل ... و لا أنكر أنني خضت هذه التجربة – و التي تبدو مستحيلة – فقط كي أثبت أن الكفيف – لمن لا يصدق – هو أيضا قادر على الرسم، رغم أن هذا أيضا يبدو مستحيلا. و لدي تجربة في الرسم على الماء ، لكنني لم أقتنع بها لذا لا تجدها معروضة هنا.
· من هو الفنان الذي تأثرت به ؟
عبد الإله الرمحاني : الفنان و الأستاذ " كلاوديو برافو" التشيليّ الأصل، و الذي لم ألتقي به أبدا حتى الآن رغم أنه يقيم بطنجة.
· الفنان المسعودي ، هل كان هناك دعم من أي جهة خلال مسيرتك؟
اسماعيل المسعودي : لا، لم يكن هناك أي دعم ، باستثناء دعم و تشجيع أستاذي و أسرتي ... و قد عانينا الأمرين حتى استطعنا أن نقيم معرضنا هذا ، و لم نحصل على هذه القاعة إلا بشق الأنفس ... الكثيرون وعدونا شفهيا و لم يفعلوا أي شيء يذكر.
نبحث عن من يتبنى الفكرة ... وله فقط سنكشف السر والقاعدة التي اعتمدنا عليها
· أعتقد أنها تجربة فريدة بالفعل …. هل تتوقعان لها صدى عالميا ؟
المسعودي و عبد الإله الرمحاني :نتمنى ذلك ... و هدفنا من هذا المعرض و من هذه التجربة هو نشر الفكرة . بحثنا في شبكة المعلومات العالمية ( الإنترنت) فلم نجد تجربة مماثلة ... فقط هناك تجارب فردية و غير مقنعة ... فمثلا هناك فتاة تقول أنها استفاقت يوما لتجد أنها اكتسبت – بقدرة قادر – موهبة الرسم ،و هي لا تريد أن تكشف لأحد كيف تقوم بفعل ذلك ... في حين نعلن نحن أننا قادرون على كشف سر ما نقوم به و كيف نقوم به ، لكننا نتحفظ في الوقت الحالي على كشف طريقتنا مؤقتا. ذلك أن غايتنا هي البحث عمّن يتبنى فكرة إنشاء مدرسة لتعليم المكفوفين فن الرسم ، ونشرف عليها أنا و المسعودي الذي يمكنه أن يدرسها أيضا ، و ذلك انطلاقا من قواعد واضحة و محددة استطعنا أن نصل إليها و لا يمكننا كشفها كما قلت و إلا فقدت فكرتنا سريتها المؤقتة و ضاع حقنا في إنشاء المدرسة و في اعتبارنا أصحاب الفكرة ... خاصة أنه ليست هناك ضمانات في وضعية كهذه.
· هل هناك مبيعات لحد اللحظة ؟
عبد الإله الرمحاني : لا، لحد الآن لا مبيعات ... و إن كانت ليست هدفا رئيسيا في حد ذاتها ... الإقبال أيضا متوسط ... لكننا كنا نتوقع ذلك و قد طلبت من المسعودي أن يفترض أنه لن يبيع شيئا كي لا يصاب بالإحباط خصوصا أنها تجربته الأولى.