مُشاهد مافهمش حاجة
من الملاحظ أن فايروس الإرهاب ينشط سنوياً في فصل الصيف ويبدو أنها حالة تستحق افتتاح معامل متخصصة لتحليلها، فهل يعقل أن يكون الإرهابي -مثلاً- طالباً نجيباً منشغلاً طوال العام بدراسته وعندما تحين الإجازة الصيفية يلتحق بـ(كورس) صيفي لممارسة هواية الانتحار في أوقات الفراغ؟!، هل يعقل أن يكون موظفاً أو طبيباً يؤدي واجبه بأمانة وإخلاص ثم يعمل (أوفر تايم) كإرهابي في الصيف فقط؟!... هل تضع الجماعات الإرهابية ضمن أجندتها وأهدافها استهداف المدن المفضلة للسائح العربي في رسالة مفادها (خليك في البيت)؟!، أو تهدف إلى إعادة رسم الخارطة السياحية لمصلحة مدن ومناطق جديدة من العالم؟!، أو هي محاولة للتأثير على الدول التي يعتمد اقتصادها على السياحة؟!. إذا كانت الإجابة على السؤال الأخير تحديداً بـ(نعم) فماهو تفسير ازدهار العمليات الإرهابية صيفاً في المدن السياحية العربية والإسلامية وبأيدي أبنائها الملوثة بالغدر؟!.
لا أملك إجابة، وأجدها فرصة لمناشدة قارئ مقالاتي بأن لايتوقع مني أبداً إجابات أو تحليلات صحيحة بنسبة 100% فأنا أعشق مساحة العصف الذهني التي تجمعني بآراء القراء عندما أطرح التساؤلات وأجتهد في الإجابة عليها، وهذا المقال تحديداً فكرته من صنع قارئ يتفق مع المخرج الأمريكي (مايكل مور) في رؤيته التي لخصها معتبراً أن كل مايدور حولنا تحت عنوان الإرهاب وحربه ماهو إلا مسرحية هزلية يتم تمثيل فصولها على خشبة الكرة الأرضية وكلنا جمهورها الذي يعتقد أنه يشاهدها بينما هو (شاهد ماشفش حاجة) وربما (مشاهد مافهمش حاجة).
المشكلة أن المسرحية فلسفية معقدة لايبدو أن بوسع خريجي مدارس الواقع أو الخيال استيعابها، كما أن أبعادها السياسية تتداخل بل وتطغى في الكثير من الأحيان على الأبعاد الدينية والاقتصادية التي يميل التحليل إلى تفسير الأحداث من خلالها كونها الحقيقة الوحيدة التي نعرفها، ولكن يجب ألا ننسى أن الحقيقة هي أول ضحايا الحرب، وأن العالم يعيش حالة حرب.
هل الصراع القائم هو صراع فكري أم سياسي؟ وهل هو حقاً بين أفراد وجماعات وطوائف؟ أم أنه في واقع الأمر صراع بين دول وسياسات تحرك دمى المسرحية البلهاء بخيوط مرتبطة بمخططاتها السرية؟.
إذا كانت رائحة المؤامرة قد انبعثت من بين السطور فلابأس، ولكن في الواقع حتى نظرية المؤامرة من الصعب تحديد أطرافها فقد يراها الغرب مؤامرة على ثقافته وحريته وديمقراطيته بينما يراها الشرق مؤامرة على عقيدته وثرواته.
الحقيقة هي الضحية الأولى أما أول المفقودين فهو الأمان الذي لم يعد له مكان بعد الإرهاب وحروبه بالإضافة للكوارث الطبيعية التي تجتاح العالم فأمامك خطر الحرب وخلف الحرب الموت والدمار والتلوث والأمراض، وبين عينيك وأنت في الطائرة رعب 11 سبتمبر، أما إذا كنت من سكان ناطحات السحاب فعليك أن تخشى من أن (تنطحها) وتخترقها الطائرات الانتحارية، وإذا كنت من سكان الطوابق المنخفضة في مدينة ساحلية فبعد مشاهدة الأخبار عليك أن تفكر في السيول والفيضانات، وإذا كنت سائحاً فقد تستخرج فيزا لزيارة مدينتك المفضلة ثم تعود منها بشهادة وفاة أو ذكرى إصابة أو إهانة.
منذ القدم ارتبطت ممارسة الرذيلة بالليل في أذهاننا وفقاً للأفلام، واليوم ارتبطت ممارسة الإرهاب بالصيف وفقاً للمسرحية العالمية، دون أن يكون لهذا الارتباط تفسير منطقي يبرر العلاقة بين التوقيت والفعل المتكرر ولكنها حالات فرضت نفسها علينا لنقبل بها ونتأهب لمواجهتها.
قبل أيام عرضت قناة (فوكس) الأمريكية تقريرا بعنوان «بوش وبوتين يتناولان قضية الدرع الواقي الصاروخي في مباحثاتهما» وقد تطرق التقرير إلى رحلة الصيد التي قام بها الزعيمان ومزاحهما حول ما إذا كانت مهارات بوتين في هواية الصيد ستؤثر على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
شخصياً لا أرى ذلك بعيداً ولكن أتمنى ألا تكبر القضية في رأس أحدهما لأن صالات العرض محجوزة بالكامل هذا الصيف للأفلام والمسرحيات القائمة وعلى المخرجين الأفاضل أن يتفضلوا بالحجز المبكر لمهرجان الصيف القادم بينما على المسافرين ألا يتعجلوا باتخاذ قرار السفر أو على الأقل فليبحثوا عن خارطة السياحة الجديدة لاكتشاف مدنها.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ