ناجي العبيد: 92 عاماً من الفن حصيلتها 5032 عمل فني بملايين الدولارات
عندما جاء إلى الدنيا أطلق عليه والده لقب الناجي عسى أن ينجو بحياته من مصير حل بإخوته الاثنين من قبله، حيث توفيا وهما رضع، وكأن الله أنجاه من الموت لينجو هو بدوره بثروة فنية كبيرة جمعها على مدار تسعين عاماً من رحلته المليئة بالأحداث.
محمد ناجي العبيد سوري شمري ترجع أصوله إلى آل الرشيد من مدينة حائل في المملكة العربية السعودية، فنان من مواليد مدينة دير الزور، حاصل على وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية، وبطل سابق في الملاكمة وحاصل على الميدالية الذهبية بمصر في بطولة البحر الأبيض المتوسط.
عربيات زارت الفنان ناجي العبيد في معرضه الكائن في إحدى محلات سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية وسط دمشق، تدعو الزائرين هناك لافتة كتب عليها اسم الفنان (ناجي) ومن تحتها رقم هويته في نقابة الفنانين وتحمل الرقم أربعة، حيث يعتز بهذا الرقم كونه من المؤسسين الأوائل للنقابة.
في البداية، حدثنا عن تاريخك، متى ولدت وأين قضيت التسعين عاماً الفائتة من عمرك؟
كان والدي في الجيش العثماني، وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى وأصيب في الدردنيل عاد إلى سورية بعد أن تم تسريحه حيث عين محافظاً على مدينة حلب، ثم جاء إلى مدينة دير الزور وعاش مع إخوته الأربعة وكان أصغرهم، وعندما ولدت سماني باسم مركب وهو محمد الناجي، لقد رزق أبي بولدين من قبلي وتوفيا ما دعاه إلى تسميتي بالناجي كي أنجو من الموت، كما عمل على تعميدي في الكنيسة كنوع من المعتقدات.
أنا من مواليد مدينة دير الزور عام 1918 أي أن عمري 92 سنة ومع بداية السنة الجديدة 2011 سأصبح في الـ93 ، تقريباً لا يوجد فنان تشكيلي في العالم العربي أو حتى في العالم عمره تجاوز التسعين ويعمل في مجال الفن التشكيلي.
كيف عرفت أن لك موهبة خاصة في الرسم؟
في الحقيقة كان لي أستاذ في القامشلي اسمه نور الدين درس الرسم في فرنسا، وعندما جاء من فرنسا عينوه مدرس اللغة الفرنسية، ولاحظ في دفاتري بعض الرسومات فاكتشف أن لدي موهبة فنية فزاد من اهتمامه بي ووضح لي بعض النقاط حول كيفية رسم الأشخاص وما إلى ذلك.
ثم ذهبت كي أقدم للشهادة الابتدائية في الحسكة وبقيت هناك لمدة سنة واحدة لأنتقل بعد ذلك إلى دير الزور ومن ثم حلب ومنها إلى دمشق، الميل الفني كان واضحاً لدي بما كنت أرسمه لدور السينما في القامشلي، حيث كان هناك دارين للسينما الأول لكربيس وكان هو الأكبر والثاني كان لبوغوص على ما أعتقد، لذلك ومنذ صغري كنت أرسم لهم أفيشات الأفلام بالإضافة إلى الخطوط، وعندما أصبحت في الجيش كنت أكتب لمجلة الجيش كل الخطوط الأساسية فيها لمدة عشر سنوات كما عملت في إخراج المجلة وكان لي بعض المحاولات الأدبية.
لا متحف في العالم العربي يستوعب مقتنياتي المقدرة بملايين الدولارات
متى كانت البداية الحقيقية لناجي عبيد وكيف تصفها؟
عندما كنت في الجيش في مجلة الجندي كان موقعنا في بوابة الصالحية في الخمسينات من القرن الماضي، حيث كان يقام معرض يسمى معرض الربيع فقمت بتقديم خمس لوحات وتم عرضها في الصالة، وكان الفن في ذلك الوقت بدائي نوعاً ما فكان كل شخص يحضر لوحة ويقول أنا فنان.
كنت أشارك في هذا المعرض كل عام، وأقوم برسم عدد من اللوحات قبل أسبوع من انطلاق المعرض وأشارك بها، وكنت أرى في أعمال الفنانين المحترفين أو المعروفين أنها أعمال عادية ولا تشدني كنوع من التعبير أو قوة الرسم من ناحية المنظور أو الخط أو التكوين، ولكن فيما بعد بدأت بالتركيز في هذه المواضيع وأصبح يتكون لدي مفهوم عن أنواع الرسم وتكنيكاته، بالإضافة إلى قراءة الكتب والاحتكاك بالفنانين، ولكن كل هذه المعلومات لا تغني عن الدراسة، فقد كانت معلومات متقاطعة متضاربة فكل شخص إذا أراد أن يفيدك يتكلم معك من زاوية معينة حتى يظهر أن عمله هو الصحيح.
لديك مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية، حدثنا عنها؟
لدي الآن في منزلي 5032 لوحة، ولا يوجد متحف في العالم العربي بما في ذلك سوريا يمتلك هذا العدد من اللوحات، أنا لدي أربع غرف في المنزل وأربعة ملاحق تابعة لهذه الغرف ممتلئة بشكل كامل باللوحات، كما يوجد عدد كبير من اللوحات في غرفة النوم والملحق الخاص بها والذي أنشأته لهذا الغرض، حتى ممرات المنزل قمت بسقفها كي أخزن اللوحات بها، هذا طبعا عدا العدد الكبير من اللوحات التي قمت ببيعها، واعتقد أنني بما أملك من أعمال فنية ثمينة لفنانين عالميين وعربيين ومحليين بالإضافة إلى أعمالي أغنى فنان في العالم العربي والإسلامي كله.
بعض الأعمال التي أمتلكها أطلب فيها الآن ملايين الدولارات الأمريكية، وإذا سوقت هذه الأعمال في أوروبا قد يساوي الواحد منها عشرة ملايين دولار، وكل هذه الأعمال يوجد فيها أوراق ثبوتية تثبت ملكيتي لها وأنه يحق لي بيعها، فمثلا لوحة الفنان الفرنسي مانية والتي اشتريتها من سفير سابق لنا في لندن كان قد اشتراها من دار كريستيز العالمية إضافة للوحة الفنان مونيه، وقد عرضتها للبيع مقابل عشرة ملايين دولار علماً أنها في حال عرضت في أوروبا سيتجاوز ثمنها العشرين مليون دولار.
ومن بين القطع النادرة التي أمتلكها ايضا قطعة منحوتة من العاج طولها 176 سم ولا يوجد مثلها في أي متحف في العالم ولا بأقل من طولها بـ10سم، وتمثل يوم في حياة الإنسان في أفريقيا وعلى الطرف الآخر نحت يوم في حياة الحيوان في أفريقيا، و قدمت هذه القطعة كهدية للشيخ تاج الدين الحسيني الذي كان رئيسا لسوريا كأول دولة إسلامية تحصل على استقلالها من الانتداب الفرنسي وقمت بعد ذلك بشرائها من الورثة وقدر أن عمرها عشرة آلاف سنة وهي منحوتة افريقية.
وقد عرضت القطعة على المتحف الوطني في سورية ليشتريها أفضل من أن يتم بيعها لمتحف في الخارج وبعد حضور هيئة من خمسة أشخاص وقيموها بأقل بكثير من سعرها الذي عرضته وهو 150 مليون ليرة سورية فلم أبيعها لهم.
اقتناء كل جميل وراء هواية جمع اللوحات
كيف تولدت لديك فكرة جمع كل هذا العدد من اللوحات والأعمال الفنية؟
كان لدي مال جيد عندما قدمت إلى دمشق، وزودني والدي بمبلغ كبير من المال كنت أستطيع أن أشتري به حي كامل في دمشق في ذلك الوقت، فقمت بشراء منزل كبير في وسط الشعلان يتكون من شقتين بنفس الطابق بمبلغ 18 ألف ليرة سورية فقط.
عملت بعد ذلك على شراء كل ما كان يقع تحت يدي من أعمال فنية كنت أرى فيها شيئاً جميلاً، كما قمت بشراء عدد لا بأس به من الأعمال العالمية، وأحياناً كانت الصدف تقودني إلى قطع نادرة ورائعة.
ما الذي تتمناه في الوقت الحالي؟
حاليا لا يوجد شيء أتمناه، في السابق كان الواحد يتمنى وكانت أغلب أمنياتي تخص الوطن بأن يكون الوضع مختلف عما عليه، في السابق لم يكن لي أمنيات شخصية يمكن استغلالها ولو كنت كنت مسيس لوصلت إلى مركز ومرتبة غير التي أنا فيها الآن، ولكني أرفض التسييس لشخص معين أو جماعة ما.
وضعك المادي يسمح لك بافتتاح صالة عرض خاصة بك، لماذا لم تقدم على هذه الخطوة؟
الآن وفي هذه العمر لم أعد أتحمل التعب وما يتكلفه هذا الأمر من مشقة، ولدي قناعة بأن من يقوم بعرض أعماله داخل صالة للبيع يصبح كالتاجر وينحدر بقيمة أعماله وقيمة نفسه، كما أنني لا أتوقع أن أي صالة يمكن أن تكسب ثمن الكهرباء الخاص بها أو أن تستطيع أن تسد تكاليف افتتاحها، فنحن لا نملك مهارة التسويق وشعبنا ليس لديه استعداد أن يدفع على الفن.