الدكتورة نوال بنبراهيم تبحث عن منهج لفهم عملية الإبداع
على هامش "جمالية الافتراض من أجل نظرية جديدة للإبداع المسرحي" والذي صدر أخيرا عن منشورات دار الأمان استضافت عربيات مؤلفة الكتاب الباحثة المغربية الدكتورة نوال بنبراهيم لمناقشة طرح الكتاب، والوقوف على وضع المسرح في المغرب، كما استعرضت العوائق التي تقف بينه وبين الإبداع.
أصدرت مؤخرا كتابا يتمحور حول "جمالية الافتراض من أجل نظرية جديدة للإبداع المسرحي"، لماذا المسرح تحديداً، وما الهدف من الكتاب على المستوى التطبيقي؟
هناك أسباب عدة، انبثق السبب الأول من تأمل النظريات التي درست الإبداع الفني وأرخت له عبر العصور ومن الوقوف على نتائجها على المستويين التنظيري والتحليلي حيث دفعتني هذه النظريات إلى التساؤل على أي أرضية أقف خاصة وأن كل واحدة منها اهتمت بدراسة طرف واحد في العملية الإبداعية دون أن تلتفت إلى الأطراف الأخرى، كما أن هذه النظريات تنتقد بعضها البعض على مستوى المنطلق والممارسة والنتائج؛ الشيء الذي دفعني إلى البحث عن أفق جديد لايبخس عمل النظريات السابقة، ويهتم بالإبداع ومنطلقاته، وعلاقته بالمتلقي، ويتلمس الأنظمة التي تتحكم في اتصالهم؛ فكان هو "جمالية الافتراض من أجل نظرية جديدة للإبداع المسرحي"، ويتمحور السبب الثاني حول التساؤل عن الأساس المنتج للعملية الإبداعية والذي يحرك الفكر والتصور بكل حرية، ويتجاوب مع كل سياق سواء كان مقروءا أو مرئيا أو مسموعا أو محسوسا، ويفتح إمكانات إبداعية غير محدودة، ويكمن السبب الثالث في استقصاء الغموض الذي يكتنف مرحلة مرور الإبداع من نص مكتوب إلى نص منجز فوق الخشبة لاينقل افتراضات الأول وتصوراته وموضوعاته وشخصياته وأمكنته وأزمنته بدقة وأمانة، بل بشكل محايد وتقريبي يجسد التصور السالب في الخارج بمساعدة المناظر وقطع الديكور والإضاءة والأكسسوارات وتنقلات الممثلين وحركاتهم وإيماءاتهم ووضعهم الحركي، فيعرض عالما افتراضيا يبقى ظلا ونسخة مضاعفة.
والهدف من الكتاب على المستوى التطبيقي هو محاولة إيجاد منهج يملك آليات إجرائية وتحليلية تمكننا من فهم عملية الإبداع - بشكل عام - والتي تنطلق من أدوات منتهية فتنتج ممارسات إبداعية غير منتهية، أو بمعنى آخر تعطي صياغات ظاهرة لإجراءات الفكر الإبداعية؛ و الوقوف عند بناء جمالية الافتراض في المسرح - بشكل خاص - والتي توجد بعمق في جميع مستوياته، سواء في مرحلته الأدبية حيث يكون النص المسرحي حروفا وكلمات وجملاً، ويتضمن طبقات تنطوي كل واحدة منها على جمالية خاصة بحيث تنبجس جمالية الافتراض من مجموع كيفياتها الجمالية. أو في مرحلة الإنجاز حيث يبث علامات بصرية وسمعية ولمسية تخضع لتقنيات هندسية وفنية، وتنفتح على عالم وزمان افتراضيين يبعثان المؤلَف أو النص المسرحي بعثا جماليا.
ولهذا السبب اخترت دراسة الإبداع المسرحي دون غيره لأنه لا يظل حبيس الشكل الأدبي الذي ينحصر في الحروف المطبوعة على الورق، أو في قراءة المفتِرض وافتراضاته، بل يتحول إلى نبرة ( صوت وموسيقى) نسمعها، وحركة نراها، وصورة نتذوق جمالها.
للفنانين المغاربة باع طويل وصيت جيد على مستوى التنظير المسرحي كتخصص ضمن التخصصات في الكتابة عن المسرح وللمسرح، فكيف نوازن بين ما هو نظري وما هو تطبيقي؟
عرف المسرح المغربي ظاهرة التنظير منذ السبعينات منها: تنظيرات المسرح الاحتفالي، والمسرح الثالث، ومسرح المرحلة، ومسرح النقد والشهادة، والإخراج الجدلي، وسطرت هذه الظاهرة رؤيتها ومنهجها وموقفها من الإبداع المسرحي، لكن يبقى السؤال الجوهري - كما سألت - هل كان هناك توازن بين ما هو نظري وتطبيقي؟ ولِم لم تستمر هذه التنظيرات في تطوير ذاتها ومواكبة التطورات التي عرفها المسرح المغربي؟
وبالإمكان الموازنة بين ما هو نظري وتطبيقي - في اعتقادي- وذلك عن طريق مختبرات لتجريب الكتابة النصية وأساليب التمثيل والإخراج وآليات السينوغرافيا، والتخلص من فكرة تقليد النتائج الجاهزة والحرص على تكريس دخول المغامرة والتجربة على مستوى الممارسة من أجل تدشين مسرح له خصوصيته وأصالته المنهجية ينبثق من رؤى فنية ونظرية وتطبيقات ممنهجة بحيث يؤسس المستقبل. إن تشكيل مختبرات مسرحية كمعقل للتجريب سيمكننا من بلورة نهج جديد له أرضيته وأدواته الفنية التي تنزاح عن النظريات التي كرسها الغرب وصدرها إلينا.
لم نبلغ الاحترافية الحقيقية والمهنية في المسرح
كثر الحديث عن الدعم المسرحي سواء في شق الإنتاج أو الترويج، باعتقادك هل استوفى الدعم شروط المراجعة وإعادة الصياغة أم أن الأمر لا بأس به كما هو؟
أعطى الدعم المسرحي تجربة مسرحية حققت تراكماً كمياً منذ أواخر التسعينات إلى الآن حيث شجع على تكاثر الفرق والشركات التي أعطت إنتاجا متنوعا توفرت في بعضه الجودة والمهنية، ووفر الإطار القانوني لاشتغال الممارسين المسرحيين، ونظم الممارسة المسرحية والاستفادة من المال العام عن طريق الاعتمادات الممنوحة للفرق والمؤسسات المسرحية من أجل إنتاج عروض مسرحية أو ترويجها.
كما أن تعديل قانون الدعم أتى لتحسين المنظومة القانونية المنظمة للدعم المسرحي وتطوير القطاع وتطوير عملية الاستفادة من دعم المؤسسة العمومية؛ غير أنه لم يصل بعد إلى تحويل المسرح إلى صناعة، ولم يساعد على خلق سوق حقيقية تضمن رواج المنتوج المسرحي ،الشيء الذي يعطينا ممارسة مسرحية متقطعة.
بكل بساطة و صدق هل أنت راضية عن أداء المشهد المسرحي المغربي؟
تميز المشهد المسرحي المغربي بالحركية والدينامية من خلال تراكم كمي ونوعي توفرت في بعضه الجدة والجودة من الناحية الأدبية والفنية والتقنية، وتوفرت المهنية في طاقمه الفني والإداري والتقني، وكمثال على ذلك نتحدث عن بعض العروض المسرحية التي قدمت تجارب جريئة وتناولت مشاكل المجتمع بجدية وترصدت حياة الإنسان المغربي في قالب فني.
إلى جانب ذلك وجدت أعمال أخرى اهتمت بالشكل دون المضمون فعاشت على هامش مشاكل الحياة بعيدة عن هموم الإنسان المغربي وخالية من القيم الفكرية. كما سادت أعمال أخرى العفوية فأضحت كوكتيلا من الصيغ لا ترتكز على أسلوب مسرحي يقوم على قاعدة صلبة ولا تكشف عن أبعاد العرض ومواقفه، كما تفتقر إلى المستوى الفني الذي يستطيع بواسطته الفنان خدمة الوعي الشعبي.
وأعتقد أننا لم نبلغ الاحترافية الحقيقة والمهنية البحتة، بمعنى أننا لم نصل إلى ترسيخ تقاليد متينة لتداول الإنتاج المسرحي، ولم يتحول المنتوج المسرحي إلى بضاعة فنية حيث يغدو الاهتمام بشروط الإنتاج والإستهلاك من أولويات هذا المسرح وخلق سوق حقيقية للإنتاج والترويج المسرحيين.
كيف لنا الخروج من عنق الزجاجة فنيا بصفة تشمل جميع الفنون؟
أن ننظر إلى المسرح كبضاعة ترتبط بعمليات الصناعة والاقتصاد والاستهلاك، وأن نضع تخطيطا يربط بين عملية الإنتاج والترويج بحيث يتمحور هذا التخطيط حول وجود مؤسسات خاصة بالترويج، وعلى دور المهرجانات في هذا الترويج التي ينبغي أن تتحول إلى سوق حقيقية لتسويق المنتوج المسرحي بالشكل الذي يجذب مؤسسات الترويج إلى المهرجانات لتكتشف الإبداعات الجديدة والطاقات المبدعة الجديدة، ولا أغفل عن دور التغطية الإعلامية القوية والواسعة للمنتوج المسرحي، ودور التلفزة في ترويج هذه العروض ونشرها وتسويقها.
وغاية ما يفهم من ذلك الاهتمام بالمؤسسة المسرحية: بالانتاج والترويج والاستهلاك والسعي إلى تداخل الفني والصناعي والتجاري طالما أن المسرح يرتكز على التقنية والمؤسسة حيث يغدو الاهتمام بشروط الإنتاج والاستهلاك من أولويات هذا المسرح، وعقد الاتفاقيات مع المؤسسات العمومية للاستفادة من دعمها مثل وزارة البيئة ووزارة الصحة ووزارة التربية الوطنية والوزارة المكلفة بالأسرة والتنمية الاجتماعية والجماعات المحلية انطلاقا من الاهتمامات التي تشغلها ومن تقاطعات رؤية المبدعين المسرحيين مع توجهاتها وأهدافها.