سوق الأسهم والعقار.. هل يعيد التاريخ نفسه؟
شهد عام 2005م ارتفاعاً جنونياً في أسعار الأسهم وتحول السوق من الاستثمار للمضاربة خاصة وأن بعض الأسهم كانت ترتفع في اليوم الواحد 100 إلى 500 ريال ليحصل حتى صغار المستثمرين على ربح يومي يعادل مرتباتهم الشهرية برأس مال صغير، وقد تضاربت التحليلات آنذاك بين من كان يجد الارتفاع مبرراً مع توقع المزيد من الارتفاعات، وبين من كان يعتبره ضرباً من ضروب الجنون، لكن المؤكد هو أن مجموعات المضاربة قد لعبت دوراً كبيراً في صناعة تلك الطفرة الوهمية.
وفي عام 2006م عندما اكتمل النصاب واقتنع الجميع تقريباً بضرورة وجدوى الدخول إلى سوق الأسهم، احتفل المؤشر بضيوفه فأقام مهرجان الإغلاق على النسب الدنيا متبوعاً باحتفاليات مصغرة تخلص خلالها من التضخم وأجهز على أموال وآمال وقروض المغرر بهم.
قيل إنها كانت فقاعة، ولست متأكدة إن كانت حقاً فقاعة أو كيس ماء أو قنبلة ذرية ولكن المؤكد أنها انفجرت وأحدثت دوياً مريعاً وأضراراً كبيرة وخلفت ضحايا لم يتم حصر عددهم أو معرفة حجم خسائرهم.
وفي مطلع عام 2007م بدأ سوق العقار مسيرة مباركة على خطى سوق الأسهم في 2005م، فاليوم لم تعد الأسعار ترتفع بمعدل سنوي أو نصف سنوي أو حتى شهري بل الجديد أن الأسعار أصبحت ترتفع يومياً من 100 إلى 500 ريال في شمال جدة تحديداً مما جعل الاستثمار في العقار مناسباً لهواة الربح السريع من المضاربين بعد أن تخلى سوق العقار عن طبيعته الاستثمارية وتحول إلى مضاربي، ومجدداً تضاربت الآراء حوله بين من يرى أن للارتفاع بقية مدعومة بنهضة عمرانية ومد وتمدد سكاني سيجتاح المساحات المأهولة والمهجورة لتتسع رقعة العمران، وبين من يرى أن الأسعار أوشكت على الارتطام بسقفها لتستقر أو تبدأ رحلة الهبوط. وكلها احتمالات قد يحسمها عام 2008م مع أمنياتي بأن لاتكون مفاجآته لأصحاب العقار كمفاجآت عام 2006 لأصحاب الأسهم.
نعلم أن سوق العقار شأنه شأن سوق الأسهم تتحكم في أسعاره قوى العرض والطلب، ولكن ثمة فارق بين القوى الحقيقية والوهمية، فالمضاربات الحالية تثير الريبة وآليتها قد تبدو عشوائية غير أنها مؤثرة، فيكفي أن يرفع أحد الملاك سعر أرضه أو يجند مجموعة من الأشخاص لجذب اهتمام المكاتب العقارية بطلبات وهمية متزامنة على الأراضي في منطقة تعاني من ضعف الطلب عليها لبعدها عن قلب المدينة حتى يرتفع سعر المتر المربع بين عشية وضحاها، ويكفي أن يعلن مالك مخطط عن أسعار منخفضة لشراء قطع مخططه دون أن يبيعها حتى ينخفض سعر ماحولها فيشريه ويتوسع مخططه ثم يرفع أسعاره من جديد.
أحد القراء الأفاضل أشار إلى تلك العمليات الوهمية حيث يذكر أن مكتباً عقارياً عرض عليه شراء أرض العام الماضي بـ 700 ريال للمتر، هذا العام قبل رمضان ارتفع السعر إلى 1000 ريال، بعد شهر رمضان أصبح 1400 أما اليوم فسعر المتر وصل إلى 2000 ريال غير قابلة للتفاوض والغريب أن الأسعار ظلت ترتفع للأرض وماحولها دون أن يشهد الحي عملية شراء حقيقية واسعة الانتشار تؤكد على واقعية الأسعار وتطمئن مخاوف من (انقرص) من سوق الأسهم فخاف من سوق العقار.
كما يبدو أن حمى العقار بدأت تظهر أعراضها مع انتشار القروض والتسهيلات من جهات مالية وأخرى (احتيالية) تعزف على أوتار الحاجة وتدعي تمويل شراء العقارات (للغلابة) بعروض مغرية لازالت أهدافها البعيدة مجهولة.
كما يكثر الحديث عن الرهن العقاري الذي أتمنى أن يتلافى كارثة (تسهيلات الأسهم) حتى لايحصل المواطن على أرض بأعلى سعر ثم تنخفض الأسعار قبل أن يتمكن من البناء ويواجه أحد الأمرين ليبيع بخسارة أو يتحمل ديوناً جديدة لقروض و(تسهيلات) تؤدي إلى (صعوبات) معيشية.
تلك هموم من لايتجاوز حلمهم امتلاك سكن خاص، أما المقتدرون فلديهم هموم أخرى حيث لم يعد المشتري يثق في تصنيف الحي والواضح في جدة أن أحياء كثيرة كانت سكنية قد تحولت مع مرور الوقت إلى تجارية أو ارتفع البناء فيها ليكشف خصوصية المنازل، كما أن على المشتري في المناطق الهادئة البعيدة أن يفكر في خطر بناء مدرسة أو مسجد مجاور ليسد الازدحام مداخل ومخارج منزله وهي مخاوف مبررة لأن المدارس لاتعترف بأهمية وجود مواقف سيارات تعادل عدد الطلاب المتوقع والمساجد لاتوفر كذلك مواقف كافية بالإضافة إلى أنها في الكثير من الأحيان تسيء استخدام مكبرات الصوت.
الخطر الأخير أن يتم بناء مجمع سكني بجانبك فتجد أنك مرغم على التضحية بجزء من الشارع أو البحث عن شارع آخر للوصول إلى منزلك بسبب الحواجز بالرغم من أن هذه المساحات يفترض أن يتم اقتطاعها من المجمع نفسه بدلاً من معاقبة جيرانه.. لايوجد استثمار على وجه الأرض بلا مخاطر، ولكن فلنكتفِ بالمخاطر الطبيعية ونزيل المخاطر الصناعية وبؤر تكاثرها.
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ