24ساعة لاتكفي!!
يبدو لي أننا نُردد في بعض الأحيان جملاً وأسئلة لم يعد لها محل معاصر من الإعراب. سأتناول من تلك الأسئلة التي لابد وأن تنقرض سؤال (كيف نقضي أوقات الفراغ؟) فالواقع أننا اليوم في مواجهة حل من اثنين: إما أن نقضي على أوقات الفراغ ونجهز عليه حتى الموت أو أنها ستقضي علينا إذا ظلت تحاصرنا وعشنا أسرى خلف قضبان الحيرة والعجز عن مواجهة وقهر الفراغ.
قد يصبح السؤال أكثر منطقية في هذه الألفية إذا أعدنا صياغته وقلنا: (لماذا نعاني من أوقات الفراغ؟) فوجود حيز فارغ من مساحة يومنا ذي الـ24 ساعة فقط لاغير, يشير حتماً إلى أننا إما لا نعمل أو لا ننام أو ليس لنا هوايات أو لسنا متفاعلين مع المجتمع بأفراده وأدواته ومناشطه.
وبالإمكان هنا أيضاً أن نستبدل كلمات (لا) و(ليس) الواردة أعلاه بـ(لا نعرف كيف) فالكثير منا يود أن يعمل لكن لا يعرف كيف يجد العمل الذي يحبه ويستمتع بأدائه وينشغل بتطوير أدائه فيه, والبعض الآخر لا يعرف إن كانت له هوايات ليمارسها بشكل يومي والبعض الأخير يحيط نفسه بكافة وسائل الترفيه والصحبة, ومع ذلك يعاني من الملل والفراغ الذي قد لا يكون محيطاً به بقدر ما هو يسكنه لأنه ببساطة لم يعرف بعد ماذا يريد ولا كيف يستثمر تلك الساعات القصيرة والثمينة من العمر.
ثمة حلقة ما مفقودة من حياتك وعليك أن تبحث عنها إذا كنت أحد هؤلاء, ولن أُسهب كثيراً في فلسفة السؤال وتشخيص الحالة لكني سأبرر تأكيدي بأنها حالة لم يعد لها محل من الإعراب أو الوجود في عصرنا الحالي. والدليل أنه بالرغم من أن الـ24 ساعة هي نفسها التي تعيشها يومياً كافة الكائنات في جميع أنحاء العالم دون زيادة أو نقصان, إلا أن المفارقة نلمسها بين طرفي النقيض, ونُدركها بين هذا الذي يعاني من ساعات فائضة مهدرة وذاك الذي يعاني من ضيق الوقت ولم تعد تكفيه أو ترضيه ساعات اليوم الواحد, فهنا التفريط وهناك الإفراط.
حيث بدأت تبرز في الغرب ظاهرة الاعتماد على ما يُسمى بأقراص Stay Awake منذ أن توصل مبتكرو هذا الدواء إلى نتيجة تفيد بأن الـ24 ساعة لم تعد كافية لإتمام مشاغل الإنسان فطرحوا ذلك الحل السحري الذي يُعطل الإحساس بالنوم لساعات تطول أو تقصر, بحسب الجرعات, ويساعدك العقار على البقاء متيقظاً دون أن تشعر بالنعاس أو التوتر أو الخمول, لتتمكن تبعاً لوصفات محددة من البقاء متيقظاً لمدة تصل إلى 40 ساعة بنفس النشاط الذي تشعر به بعد استيقاظك من ليلة نوم عميق... المثير أنه لم يثبت لتلك الأقراص الى الآن آثار جانبية خطيرة إذا ما تم تعاطيها تحت إشراف طبي, كما أنه يعتمد عليها منذ ست سنوات بكثافة أصحاب الجداول المزدحمة بالأعمال أو الذين تتطلب أعمالهم المناوبة الليلية حيث لا يكون النوم خياراً مطروحاً.. ويعادل مفعول بعض هذه الحبوب 20 كوباً من القهوة... كما أنها أصبحت الصديق المفضل لجنود الجيش الأمريكي والبريطاني حيث تم الاعتماد عليها في حرب أفغانستان والعراق.
وهنا فقط قد يكون على العلماء اختبار إذا ما كانت الوحشية والعنف جزءاً من أعراضها الجانبية، والله أعلم!!
على كل حال ليس بالضرورة أن نتعاطى هذا النوع من الأقراص ولا أود أن نعتبرها مقياساً للإنجاز, ولكن المهم أن لا نكون من مدمني الحبوب المنومة أو من المتضجرين بالـ24 ساعة المجوفة بالفراغات.
* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ