القاصة المغربية منى وفيق لـ"عربيات": أتجاوز مايسمى بالهم النسائي إلى الإنساني
تأتي كتاباتها من الأحاسيس الشفافة، ومن تلك الأسئلة التي تعني بالهامشي ملامسة الوجع بحنو تحمله قصصها، منى وفيق بطموح المبدعة الشابة تخوض تجربتها الخاصة بحثا عن سيرة إبداعية بدأتها بمجموعتها "نعناع، شمع وموت"، مجاورة الشغف الإبداعي بمصاحبة الصحافة.
لو أخذت مسافة من منى وفيق كيف تقدمينها للقارئ؟
تحب الحياة والآخر بشكل غير اعتيادي.. تتأمل كثيراً و على حد السواء هذا الضجيج الذي يحيطها والآخر الذي يسكنها.. تعشق فوضاها المنظمة.. تعتني بدهشتها ما أمكن.. تكتب لتتخلص ولو لحين من هذا القلق الوجودي الذي يرافقها أبداً.. طموحة جداً.. مزاجية جداً.. تغتاب ذاتها كثيراً.. و طبعا كما تعرف هي كاتبة وصحافية مغربية.
مجموعتك الأولى '' نعناع،شمع وموت" ضاجة بالتفاصيل الصغيرة والحميمية، لماذا أنت وفية لهذه المناخات؟
وهل نحن إلا تفاصيل صغيرة وصغيرة جداً أيضا؟ً! إنها تفاصيلك وتفاصيلي وتفاصيله.. في هذه الفترة من عمري الإبداعي أنا وفية للإنسان وحده لهذا تجدني مع كل قصة أكثر التصاقاً بأزمة الإنسان مع وجوده.. أكررها وسأكررها، أنا أتجاوز ما يسمى بالهم النسائي إلى الإنساني.
ماهي القصة التي تحلمين بكتابتها؟
أحلم بكتابة النص القصصي المسرحي والسريالي والوجودي والسينمائي والعبثي.. ليتني أوفّق في رهاني الشخصي مع نفسي فأجعل حدث القصّة داخل شكلها ذاته.. أن أكتب الواقعيّة السيريالية.. أن أزاوج أيضا بين الشعر و الحدث القصصي بشكل متميز بتفرّده.. أحلم كذلك بكتابة هذا النص الذي لست أعرف سبب إصراري على الإفلات منه.
هل لديك صراع مع فكرتك التي تحاولين إيصالها عبر الإبداع والخيال؟
أين هو الكمال يا لبكم؟ غير موجود.. لعلك أيضا تدرك أن الجمال في عدم الاكتمال..كم لذيذ أن يظل ثمة سرّ صغير يجمعك بنصك القصصي أو الشعري للأبد.. سرّ حتى لو حاولت أن تفضحه لقارئ محتمل فستفشل فشلا ذريعاً لأنه لا كلمات هنالك تصفه، تترجمه واقعا مكتوبا.. مشفّر هو والعجيب أننا – كتاب وقراء – نملك مفتاحه أو كوده لنعرفه بوعي داخلي و غير خارجي!.. بالمناسبة حتى الإجابات على أسئلة حوارك ستكون غير مكتملة بدايتها أو نهايتها هي عند قارئ معين قد يكون أنت و قد لا يكون.
لاشك أن جيل الشباب له هواجسه الثقافية تجاه حركة الإبداع العربي، كيف تقدمين لنا تصوراتك لمستقبل الثقافة العربية؟
كنت قرأت أن مستشرقا ألمانياً قال أن الأدب العربي كله عبارة عن استنساخ أعمال الأدب الغربيّ ونقلها إلى الأدب العربي و أن الأدب العربي يتوقف عند أعمال الجاحظ!!.. هل نحن مقصرون لهذا الحد في التعريف بثقافتنا العربية وتشجيعها والاحتفاء بها؟.. بالنسبة لي لا أغالي إذا قلت أنني شديدة التفاؤل اتجاه حركية الإنتاج الإبداعية في الساحة الأدبية ، سعيدة أنا بهذا الجيل الجديد وبما يراكمه من تجارب جديدة ومتميزة.. يا صديقي أنت تعرف مثلي تماما أن ما يؤلم حقيقة هو أن يتفرغ البعض لمحاربة البعض الآخر بغية إشغاله عن مشروعه الكتابي.. ما يشوه ساحتنا الأدبية وما يوجع بعمق هو هذا الحقد الذي توجهه بعض الأقلام الباهتة لتجارب إبداعية حقيقية.. علينا أن نتعلم أن نحب بعضنا أولا و نقرأ لبعضنا و نوجه بعضنا بمحبة وإخلاص إن نحن أردنا فعلا أن يكون هناك صدى إنساني و معرفي قوي لثقافة عربية في المستقبل!!.
هل أنتم جيل بلا قضايا كبرى كما يقال؟
نحن جيل (يدجّنونه) باستمرار.. جيل مُستلب يعيش على الانتكاسات.. إننا محظوظون إذ نكتب.. الكتابة ترهقنا لكنها تساعدنا على الاستعلاء على كل ما ذكرته، تجعلنا ننازل كل ذلك النفاق المجتمعي وكل تلك الرتوش لنجد الأصلي والحقيقي.. الكتابة التي تجعلنا نحافظ على علاقتنا الصافية بذواتنا.. تجعلنا جديرين بلقب مبدع و بمحبة الناس!
كيف تبرز عندك علاقة الحياة بالثقافة؟
ثمة مقولة تفيد أن ثقافة الحياة تنتصر على ثقافة الكتب، والحياة هي مرجعيتي الوحيدة.. الحياة توجد الثقافة و الثقافة توجد الحياة و الرابط هو الإنسان.
تكتبين الشعر والقصة، هل تعتبر هذه الغوايات الجميلة حالة هرب إلى الذات؟
يقول سيزار مورو: "على المرء أن يكتسي رذائله برباطة جأش كعباءة ملكية.. يغفلها مثل هالة، يتظاهر بعدم إدراكها"، إنها رذائلي التي أفخر بها.. إنها محرّضي على الاستمرار في الحياة.. هي من يكفكف كل هذا الدمع الوجودي.
كيف يسير موكب الإبداع المغربي؟
يضج المغرب الإبداعي الراهن بالكثير من الأسماء المبدعة سواء في القصة أو الشعر.. نلحظ هذا من خلال النصوص الهائلة العدد التي تنشر في الملاحق الثقافية للصّحف و المجلات وفي الشّبكة العنكبوتيّة.. ويمكن توقّع تكاثر متزايد في هذه الأجناس الأدبية خصوصا في القصة القصيرة.. بالنّظر إلى التحوّل العميق الذي تشهده القيم الاجتماعيّة وإيقاع الحياة والتّعامل مع الزّمن المنطلق في السّنين الأخيرة.. ما يميز المشهد الإبداعي في المغرب حاليّا من وجهة نظري هو تعدّد الّرؤى، أيضاً ظهور جيل جديد بارز يحمل رؤية مختلفة يسعى من خلالها لتجاوز كل الأشكال السّابقة.. أضيف أنّه لا مجال عند الأقلام المغربيّة الشابّة لقداسة اللّغة و بذخها.. لكن المجال الذي يكبر و يتّسع هو لكشف المختلف و المثير و المدهش في الوسط المغربي، الشّيء الذي يظهر جليّا من خلال المعايير اللّغوية و الفكريّة و الخيال أيضاً.. أقول أن هناك سقفاً للمستوى المطلوب باختصار.. هناك حركية إنتاج بمعنى تيارات جديدة تنتظر التاريخ ليحدد قيمتها!.
كتاب لم تنسيه؟
هما روايتين على وجه التحديد. "مائة عام من العزلة" لماركيز و "العجوز والبحر" لإرنست همنغواي ترافقانني على الدوام.. أحس أنني أكتبهما كل يوم و أعيش تفاصيلهما.
كتاب تدعينا إلى عدم إهمال قراءته؟
"فلسفة الثورة" للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.. أرى أن هذا الكتاب لا يخص المصريين وحدهم بل يخصنا جميعا.. يحرض على معرفتنا لأنفسنا ودورنا في التاريخ، وعلى اكتشاف الطاقة الكامنة داخلنا لتحقيق عدد من الأهداف.
حلم تنتظرينه؟
أحلم أن يأتي في يوم ما قارئ بعيد، لاتيني أو آسيوي للبحث عن هذه الكاتبة التي قرأها ووجد فيه شيئا منها.