لقاء مع الأديبة السعودية الدكتورة هيفاء اليافي
الدكتورة / هيفاء اليافي الأديبة السعودية المعروفة و الاستشارية الاجتماعية ، وجدت نفسها في العطاء الانساني الذي استحوذ على الجانب الأكبر من اهتماماتها ... وأصبحت باختيارها لطريق الإبداع علامة بارزة تتميز أعمالها الأدبية بنفحات مفعمة بالرومانسية .... عرفناها بزاويتها الأسبوعية " همسات غير مسموعة " ، ونعرفها اليوم لقراء عربيات بلقبها الأحب إلى قلبها حيث نصحبكم معنا في هذا الحوار مع " هيفاء الإنسانة " .
الدكتورة / هيفاء اليافي أخصائية علم الإجتماع ، هل تستطيع وحدها متسلحة بخبرتها أن تحل مشاكلها الشخصية أم أنها تلجأ للغير عندما يتعلق الأمر بها ؟
لم أعتد على اللجوء لأحد في حل مشاكلي ، ليس لأني لا أحتاج للآخرين ولكن لأن الظروف وضعتني في ذلك التحدي منذ الصغر فقد أعتدت على الاعتماد على نفسي كلياَ في سن مبكرة جداً حيث كنت أدرس خارج الوطن و كنت لا أرى أسرتي إلا في العطلات الصيفية مرة واحدة في السنة.... وكنت نادرا ما ألجأ الى الوالدة – رحمها الله - في أمور محدودة ، كأي فتاة تحتاج أحياناَ إلى رأي الكبار و الأم تحديداً و هي تخطو نحو عالم الأنوثة الكاملة و ألغاز المرأة المسؤولة... و كنت أتعثر كثيراَ في قراراتي الشخصية فأحاول أن أعدل عنها أو أغيرها وهكذا تعلمت من أخطائي و تجاربي و دراساتي حتى تمكنت من القضاء على معظم المشاكل التي تعكر صفو الحياة.
المرأة العربية تعاني الكثير من الهموم خاصة تلك المتزوجة و الأم و العاملة في آن واحد... لذلك يفشل في كثير من الأحيان زواج هذه المرأة العاملة ، ما هي الأسباب من وجهة نظرك ؟ و ما هي وصفتك لنجاح زواج المرأة العاملة ؟
يفترض أن لا تكون هناك هموماَ للمرأة المتزوجة العاملة في وقتنا الحاضر خاصة إذا أقدمت على العمل وهي واعية للنتائج والتوقعات والتصورات التي يجب أن تدرسها و تفكر فيها بطريقة منظمة كي تتلافى معظم المشاكل و الهموم قبل أن تخوض هذه التجربة... ويفترض أيضاَ أن يكون هناك تفاهماَ مسبقاَ بين الزوجين على تنظيم الوقت و العمل و رعاية المنزل و الأطفال، فان تم ذلك في جو التفاهم سوف تتقلص الهموم و تتلاشى ... و هناك حالات كثيرة يكون فيها الزوج سبباً لتلك الهموم و حالات أخرى تكون الزوجة هي السبب لإهمالها أو جهلها ... وقد يوافق الزوج على عمل زوجته ثم تبدأ المعاناة والإحساس باهمال الزوجة لواجباتها الزوجية و أبناءها فيبدأ بالتسلط و التحكم دون رحمة و تتحول الأسرة إلى جحيم و ينسحب الزوج من وعوده التي بذلها في لحظة حب ... وفي أحيان أخرى تتمرد الزوجة فتعمل دون موافقة الزوج و تمارس أنواع العناد دون مبرر و هذا يؤدي حتماً إلى كارثة يقع الأطفال ضحايا لها... و نصيحتي لكل زوجة لها أطفال بحاجة إلى رعاية أن تتوقف عن العمل حتى يصبح الأبناء في سن الالتحاق بالمدارس - هذا بالطبع إذا كان دخل الزوج كاف ولا يحتاج إلى مساعدتها في الإنفاق - .... أما المشكلة الكبرى التي تعاني منها بعض الزوجات فهي الزوج العاطل عن العمل و الذي يعتمد بالكامل على نفقة زوجته دون مبرر أو يستحوذ على مالها دون وجه حق ثم تصتدم بمفاجأة زواجه بأخرى على حسابها !! ، أي أنها مع الأسف كانت تسدد فواتير مسراته و ملذاته على حسابها و حساب أطفالها ، و هناك نماذج كثيرة من هذا النوع في مجتمعنا .... والنتيجة فشل في الحياة الزوجية+ فشل في تربية الأطفال + فشل في العمل = فشل في الحياة.
هنالك العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية ، فما أبرزها من وجهة نظرك؟
إن كنت تقصدين الظواهر لا المشكلات... فهناك فارق كبير بينهما لأن الظواهر الاجتماعية متعددة ومتفاوتة ، فما نراه سلبياَ يراه الآخرون إيجابياَ تبعاَ لأعرافهم و تقاليدهم المتوارثة... و لكن عندما تتكاثر تلك الظواهر فإنها تتحول إلى مشكلة قد تؤذي المجتمع كمشكلة سوء تربية الأبناء التي تنشأ عن ظاهرة سوء الخلق و تنتهي بمشكلة الانحراف! ... و نستطيع أن نضع أي ظواهر سلبية في إطار ( ضعف الوعي الاجتماعي الحضاري ) و أيضاَ الجهل بتعاليم الدين و تطبيقه بشكل خاطئ و الإصرار على ذلك! ... دعيني أقص عليك قصة واقعية كنت شاهدة عليها في إحدى المستشفيات مع صديقة لي أثناء زيارتنا لمريضة ففي طريقنا إلى باب الخروج شاهدنا تلك المأساة بقاعة الاستقبال ، رجل يصفع امرأته ثم يسحبها من رأسها كالأضحية وهو يصرخ في وجهها قائلاً : (( ألم أقل لكِ لا تتحدثي مع الطبيب و دعيني أنا أتحدث معه ؟ )) فأجابته: (( لكنه سألني عن بعض تفاصيل مرضي التي تجهلها و لم تجب عليه عندما سأل و قد كان يفحصني و أراد يكمل الفحص بهذه الاستفسارات الضرورية لحالتي ... و... )) و قبل أن تكمل انهال عليها صفعاَ و لكماَ حتى تدخل بعض الموجودين بعد أن أصابتهم الدهشة , فما كان من المرأة إلا أن صرخت في وجههم قائلة : (( لا شأن لكم بي ، هذا زوجي و من حقه أن يفعل بي ما يشاء )) ... فانسحبوا بدهشة أكبر و شفقة يشوبها السخط ، وعاد الرجل يصفع زوجته لأنها صرخت أمام الرجال وكشفت من وجهة نظره عن عورة صوتها.... لقد تصور أن الصوت هو العورة و لم يتعلم أو يفقه أن إهانة المرأة و إذلال كرامتها من أكبر العورات و النقائص .
آلمتني تلك الحادثة , آلمني أكثر سلوك المرأة و ردة فعلها ، ولكني تيقنت عندها أن ذلك المظهر الشاذ السلبي في مجتمعنا كان في غاية الإيجابية و الطبيعية في مجتمع تلك المرأة ... و بالرغم من أن الخطأ يظل خطأ و الصواب يظل صواباَ... و الحل يكمن في تكثيف إجراءات التوعية الاجتماعية ... فلو نظرنا إلى مصير فتيات المستقبل و رجاله الذين تفرزهم مثل تلك الأسر ذات الوعي الإجتماعي المتدني سيكون بإمكاننا استشفاف المشاكل وإيجاد الحلول لها مبكراً قبل تفاقمها .
مما لا شك فيه أن بعض الأفراد يتمتعون بسلوك اجتماعي صحي فهل هذا يمكنهم بأن يحدثوا تغييراَ في المجتمع؟
نعم ، و من المؤكد دون شك يستطيع كل فرد صالح أن يحدث التغييرات الإيجابية إذا بدأ بنفسه ثم بأسرته ثم بالعائلة الكبيرة ثم الأصدقاء و المحيطين الذين يتناقلون هذا التغيير الإيجابي ليغطي مساحة مجتمع بأكمله .
نعيش حالياَ في منعطف تاريخي مهم بسبب الأحداث التي تجري على الساحة و هذا من شأنه أن يصدّر مشاكل إجتماعية جديدة خاصة في الجيل الجديد ، فمن وجهة نظرك ما هي المشاكل التي تطفو على السطح في ظل هذه التغييرات ؟
التغييرات التي تحدث عادة في الأزمات و المنعطفات التاريخية تكون طبيعية و مؤقتة إذا تم تعديل إعوجاجها في حينه مثل الفوضى و الخروج عن القوانين من أجل مبادئ قد تكون وهمية للأشخاص المارقين.... و لكن أعود لأقول أن الأسرة لها دور كبير في تعديل سلوكيات أبناءها لو أنها أحسنت تربيتهم و علمتهم أن النظام فوق الجميع... فالوعي هو أن يحافظ الإنسان على سلامة مجتمعه و أمانه لا أن ينجرف نحو التدمير و تحطيم القيم التي بنيت على مر العصور... و التغييرات الإيجابية في المجتمع لا تحدث إلا في الأجواء الآمنة و الطمأنينة و السلام ، لا بالقوة والإرغام .
كيف ترى الدكتورة / هيفاء أبناء وبنات الجيل الجديد ثقافياً واجتماعياً ؟ وماهي من وجهة نظرك أهم التحديات التي تواجههم ؟
سؤالك هذا يمثل مساحات شاسعة من عقول المفكرين فكيف تطلبين مني أن أطرح رؤيتي عن الجيل الجديد دون رهبة؟! ... دعيني أختصر لك ذلك على مستوى المجتمع الذي نعيش به و قد ذكرت لك أن ضعف الوعي بين الشباب العربي و الشابات كبير ولم يرتقي بعد إلى المستوى المطلوب الذي يؤهله لتحمل مسؤليات نفسه.... وللاستدراك أنا لا أعمم ولا أنفِ وجود أعداد لا بأس بها من هذا الجيل تتسم بالوعي الذي نفتخر به ... و كل ما في الأمر أننا جميعاَ نريد أن نرى الأجيال القادمة أفضل من التي سبقتها لأن المهام الثقيلة المنتظرة سوف تقع على عاتقهم فعليهم تسليح أنفسهم بالعلم و الثقافة و الوعي و الحكمة و الصبر فهم مستقبل التقرير لمصير شعوبهم .
سيدتي الفاضلة دعيني أبتعد معك و لو قليلاَ عن المشاكل الاجتماعية لننتقل إلى أعمالك الأدبية ، هل لكِ أن تكشفِ لنا النقاب عن الرسائل التي تدسها الأديبة / هيفاء اليافي عمداً بين نسيج سطورها لتصل للقارئ ؟
بالطبع هناك رسائل وأهداف سامية يحملها كل كاتب إلى قرائه وإلا فما فائدة القلم ؟! عن نفسي أحاول أن أشير إلى بعض جوانب القصور الوجداني بين الرجل و المرأة ... فالمشاعر هي أسمى ما في الوجود و علينا رعايتها و تغليفها بـ " سوليفان" الإحترام المتبادل... أيضاَ أحاول أن أنقل بعض النصائح الاجتماعية و الإنسانية وأتناولها بشئ من الرقة و التهذيب و المداعبة البريئة دون أن أهبط إلى مستوى التجريح و السخرية...
وكم أنا سعيدة لأن هذه الأهداف وصلت لكثير من القراء الذين يتبادلون معي الرسائل وأشعر بنجاحي ككاتبة عندما أعلم أن أحد القراء قد أصبحت حياته أفضل وتحققت له استفادة من طرحي .