الدكتور ناصر السعيدي: نهضة الدول العربية مرهونة بتغيير استراتيجياتها
على هامش منتدى جدة الاقتصادي 2011 التقت عربيات بالدكتور ناصر السعيدي رئيس الشؤون الاقتصادية ورئيس العلاقات الخارجية في سلطة مركز دبي المالي العالمي, والمدير التنفيذي لـمعهد حوكمة الشركات (حوكمة) في مركز دبي المالي العالمي، والذي أثارت ورقة عمله إعجاب الحضور حتى داعبه مدير الجلسة معتبراً أنه الفائز في اليوم الأول بأعلى نسبة "تصفيق"، حيث استعرض خلال الحوار تجربة مركز دبي ومدى إمكانية تطبيقها في الدول العربية، كما تحدث عن قضيتي التنمية والتعليم وكيفية تعامل الدول العربية مع تحديات القرن، معتبراً أنه من الخطأ الاستثمار في التعليم دون النظر إلى المخرجات وتوافقها مع الإحتياجات حيث تكون النتيجة استثمار من أجل زيادة معدلات البطالة، كما وجه النقد إلى مفهوم بيع الثروة النفطية بدلاً من تحويلها إلى صناعة وإنتاج محلي، موضحاً أن البترول ثروة ناضبة بينما الصناعة تنمية مستدامة. وعرج السعيدي في ورقته على الثورات التي مرت بها بعض الدول العربية معتبراً أن هذا الأمر كان مفاجئاً لدى البعض خاصة وأن هذه الدول بدأت تحقق نجاحات في مجالات اقتصادية مختلفة غير أن سر الفشل يعود إلى أن الثروة كانت لاتصل إلى قاع المجتمع بقدر ما تتركز في القمة. وكان لنا معه هذا الحوار.
تجربة دبي نجحت لأنها وفرت البنية التحتية والتشريعية وأهلت المواطنين للتعامل معها
لمركز دبي تجربة ناجحة في التنمية، هل من الممكن أن تحدثنا عن هذه التجربة، وهل يمكن تطبيقها على الدول العربية؟
باختصار، نعم يمكن تطبيقها على الدول العربية، فتجربة مركز دبي مهمة لأنها أول تجربة من نوعها بالعالم، حيث تم اتخاذ قرار إنشاء منطقة حرة مع قوانينها خاصة بها. وهذه القوانين مصممة للقطاع المصرفي والمالي، واعتمدنا فيها إلى حد ما على القوانين الإنجليزية Common Laws كقاعدة للتنظيم والرقابة، والسبب في اعتمادنا على القوانين الإنجليزية أنها الأكثر استخداماً في القطاع المصرفي والمالي عالمياً. بعد ذلك استثمرنا في البنى التحتية لتكون حديثة وتسمح بالاتصالات السريعة مع كل المراكز في العالم، والبنى التحتية مؤمنة فكان استثماراً مهما من هذه الناحية، كما تم إنشاء ثلاث مؤسسات مستقلة، أولا: مؤسسة سلطة المركز والمسؤولة عن تطوير المركز ككل، وثانياً: انشأنا مؤسسة مستقلة تتكفل بالرقابة على القطاع المصرفي والمالي بالمركز واستعنا فيها بأشخاص لهم خبرة عالمية. وثالثاً: أنشأنا المحاكم الخاصة بالمركز لوجود أنظمة خاصة ورقابة خاصة، والقضاة أيضاً مستقلين وهم من أفضل القضاة بالعالم، كما تم تدريب مواطنين إماراتيين بكل مجالات الحياة، فهذه التجربة ناجحة ولها اليوم خمس سنوات حيث استقبطنا أكثر من 800 مؤسسة وشركة أصبحوا موجودين.
تطبيق تجربة دبي في المملكة لا يتطلب سوى اتخاذ القرار
كيف يمكن تطبيقها في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال؟
ناقشنا هذا الأمر مع الحكومة السعودية وبعض الجهات الرسمية ودار النقاش حول إنشاء منطقة حرة تكون مدينة مالية واقتصادية بقوانينها الخاصة. وهذا يتطلب أن يتم اتخاذ القرار على مستوى الدولة لإنشاء منطقة حرة من هذا النوع وهذا قد يحدث بالمملكة، وباعتقادي من الممكن أن يتم ذلك، وإن حدث سيسهم في استقطاب شركات ومؤسسات ومصارف مالية من جميع أنحاء العالم خاصة وأن العديد من دول العالم ترغب في أن تستثمر في السعودية.
رأس المال البشري هو المنقذ من الأزمات الاقتصادية
ركزت في ورقة عملك على التعليم والتنمية، باعتقادك كيف بالامكان الخروج من هذه المنظومة بتطور إيجابي؟
كاقتصادي ومن خلال تجربة العديد من الدول يتضح أن الاستثمار في البنى التحتية من مرافق ومرافئ وطاقة وغيره أمر مهم جداً حيث أن الاقتصاد الحديث لابد وأن يستند على بنى تحتية مبرمجة، منظمة، ومهندسة لتدعم قطاع الأعمال. أما التعليم فمن الواضح أن أي شخص يود أن يستخدم التكنولوجيا اليوم لابد أن يكون متعلم ومثقف ولهذا السبب نجد أن الدول التي تستثمر في رأس المال البشري هي الدول الأنجح في العالم، وهي القادرة على أن تستوعب أي أزمات اقتصادية. لأن قدرة الشخص المتعلم -مع رأس المال البشري المرتفع- تفوق قدرة الشخص الغير متعلم خاصة وإن تطلب الأمر تبديل أو تغيير النشاط، فاليوم أصبح الاستثمار برأس المال البشري أهم عنصر للنمو، ولاستعمال التكنولوجيا، وللأبحاث، ولتطوير الاقتصاد.
كيف ترى مستقبل الاقتصاد العربي مع تحديات القرن الواحد والعشرين؟
الواضح أن الاقتصاد العالمي متجه تجاه الشرق، وعلى البلدان العربية أن تغير من استراتيجياتها ومن سياساتها الاقتصادية والاستثمارية وتوجهاتها نحو الشرق لتتمكن من الاستفادة والشراكة مع هذه الدول الناشطة في آسيا وغيرها. فلابد من أن تتجه اتفاقياتنا التجارية والاستثمارية نحو الشرق وخاصة تجاه الصين والهند وسنغافورة وماليزيا وغيرها، كما يتطلب ذلك دراسة الأنشطة الاقتصادية التي تبرز فيها هذه الدول حتى تكون الخطوة إيجابية في إتجاه التكامل الاقتصادي وليس مجرد الدخول في شراكات قد لاتكون مجدية لأحد الأطراف فيخرج منها خاسراً.