عضو مجلس الشورى الدكتور مازن بليلة
بين السياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام نتنقل في هذا الحوار مع الدكتور مازن بليلة عضو مجلس الشورى الذي اختار أن يقطف من مسيرته ثمرة الإقتصاد والتعليم معتبراً أنهما مفتاح النجاح للمشاريع التنموية، فيما رأى أن رئاسته لمجلس إدارة واحة جدة للعلوم والتكنولوجيا تعد مسؤولية إجتماعية حملها لإستكمال مسيرة المراكز العلمية التي كان لجدة قصب السبق في إنشاءها، معبراً خلال الحوار عن رأيه في التعليم الحكومي والأهلي بعد تقلده لعدد من المناصب فيهما، ومستبشراً بآلية التدرج التي ستسهم في تحويل الإعلام المحلي إلى سلطة رابعة وبتحقيق مكتسبات جديدة للمرأة السعودية.
كيف ولدت فكرة إنشاء واحة جدة للعلوم والتكنولوجيا؟
لم تولد الفكر ولكنها استمرت رغم الصعوبات، فواحة العلوم هي امتداد لمركز جدة للعلوم والتكنولوجيا الذي تأسس عام 1992م بدعم من إحدى شركات القطاع الخاص، وكان المركز يضم معروضات ومقتنيات عديدة من بينها جميع ممتلكات الأمير سلطان بن سلمان -أول رائد فضاء سعودي- في رحلته التاريخية إلى الفضاء حيث وافق على انتقالها من مركز واحة العلوم بالرياض الذي قام بتأسيسه إلى إحدى صالات مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا فكان دعماً مميزاً للمركز، كما أنه قبل 10 سنوات تقريباً قام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز بزيارة المركز وأبدى إعجابه به وعلى ضوء الزيارة رأى حفظه الله أن يفتتح مركزاً مشابهاً على نفقته الخاصة في المنطقة الشرقية هو مركز "سايتك"، ولكن بعد ذلك وتحديداً في عام 2007م رأت الشركة التجارية أن مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا قد استنفذ أغراضه وبالتالي تم إغلاقه واستثمار موقعه في مشاريع أخرى، وكأحد المساهمين في تأسيسه وجدت أنه من المؤسف أن تخسر مدينة جدة هذا المعلم الحضاري الرائد والرافد المتميز لقطاع التعليم وشاركني في ذلك الرأي عدد من الغيورين والمحبين لجدة، فتحركنا من منطلق احساسنا بالمسؤولية الاجتماعية واتجهنا إلى تأسيس واحة جدة للعلوم والتكنولوجيا لاستكمال مسيرة سابقة حيث كان لمدينة جدة قصب السبق في تأسيس مراكز العلوم والتكنولوجيا في المملكة.
هل انتقلت إليكم مقتنيات ومعروضات مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا؟
واحة العلوم فرصة للتجديد، والوصول إلى أحدث تقنيات مراكز العلوم والتكنولوجيا، ومعروضات مركز العلوم والتكنولوجيا بعد 15 عاماً أصبحت منتهية الصلاحية، واستنفدت أغراضها، والصالح منها أصبح تقنية قديمة، ومع الأسف عندما تم إغلاق مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا رأت إدارة الشركة المؤسسة إعادة المعروضات الأصلية لأصحابها، فصالة الفضاء على سبيل المثال انتقلت إلى واحة العلوم بالرياض بعد أن توسعت وانتقلت إلى مقر جديد وتحول مسماها إلى واحة الأمير سلمان للعلوم وتم إضافة عدة صالات جديدة لها من بينها صالة الفضاء، أما المعروضات الأخرى بوضعها في ذلك الوقت، ومع تقادمها، تم التبرع بها لبعض القطاعات مثل "سايتك" في الشرقية ومعاهد ومراكز ومدارس كلاً حسب احتياجه.
التعليم بالترفيه لمساندة التعليم العام
يعاني هذا النوع من المشاريع محلياً من ضعف الإمكانيات خاصة فيما يتعلق بعناصر الإبهار والتقنيات العالية التي تتوفر في المراكز العالمية الموازية، فكيف تجاوزتم ذلك؟ وهل توجد عوامل لضمان الاستمرارية؟
نحن أعضاء في الاتحاد العالمي لمركز العلوم ومقره بوسطن بالولايات المتحدة، ومن هنا تأتي أهمية تبادل المعلومات والإستفادة من الخبرات العالمية، ويعقد الاتحاد مؤتمراً سنوياً يجمع كل المهتمين بهذه الصناعة حول العالم، ويصاحبه عادة معرضاً لأحدث تقنيات العلوم والتكنولوجيا، مما يعني أن سد الفجوة بين هذه المراكز والتقنيات العالية هي خطوة أساسية لضمان حسن التشغيل والإستمرارية، لكن فيما يخص الوضع الاقتصادي لمراكز العلوم وقدرتها على الصمود، فبالتأكيد نحن قد استفدنا من الأخطاء السابقة، ولعل من أهم الأمور التي تساعد على استمرار هذه المشاريع أن يتم تشغيلها بطريقة اقتصادية أو بالحد الأدنى من مصروفات التشغيل لتصبح مكتفية ذاتياً وقادرة على تغطية تكاليفها، كما حرصنا على تسويق مشاريع المركز للقطاع الخاص للمساهمة بالتبرعات أو الرعاية وخصوصاً رعاية مشاريع التذاكر لاستضافة الطلاب والطالبات، فمثل هذه المشاريع تدخل ضمن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص الذي يجب أن تكون له مساهمة في التنمية الاجتماعية وفي المشاريع التنموية التي تهدف إلى نشر الفكر والارتقاء بالمستوى الثقافي ونشر العلوم كونها جزء لايتجزأ من منظومة الحياة في المنطقة التي يعمل فيها القطاع الخاص، ولكن بالطبع الحد الأدنى الذي يضمن استمرارية المشروع كفلناه من خلال التشغيل الاقتصادي ليغطي الدخل مصاريف التشغيل.
ماذا عن عناصر الإبهار وخطط التطوير لاستقطاب الجمهور؟
واحة العلوم لها رسالة متميزة تعمل بقتضاها بقناعة وحماس ومحبة، وهي "التعليم بالترفيه لإكمال ومساندة التعليم العام، وتبسيط العلوم والتكنولوجيا للجمهور ورعاية الموهوبين"، فكل أعمالها للإبهار وإستقطاب الجمهور تنبع من هذه الرسالة، لذلك هناك في الفترة الصباحية تعاون يومي أشبه بجسر متواصل بين المدارس والواحة لإستقطاب الزيارات المدرسية طوال العام، من مدارس البنين والبنات والمدارس العالمية، كما تستقطب الجمهور في الفترة المسائية عبر تبسيط العلوم لهم، وإثارة الشغف لديهم لمعرفة الجديد، وتحظى معارض الديناصورات بإهتمام خاص من جمهور المساء، وفي المناسبات السعيدة والإجازات والأعياد، على إعتبار التقنية المتطورة لهذه المعارض التي تجعل هذه الحيوانات الضخمة المنقرضة تظهر وتتحرك وتنادي بأصواتها الطبيعية في بيئة تعيد الجمهور ملايين السنين للوراء.
ومن جهة أخرى هناك إدارات متخصصة لرعاية الموهوبين في كل إدارة للتعليم بالمملكة، وهناك مؤسسة الملك عبد العزيز ورجالة لرعاية الموهوبين (موهبة)، وهي إدارة مركزية إشرافية متطورة تساند وتعضد كل النشاطات التربوية لرعاية الموهوبين، ونحن إحدى هذه الجهات التي تعنى بعناية خاصة من موهبة، لأننا نشترك معها في نفس الأهداف ونفس الرسالة.
وعموماً فإن إدارة هذه المشاريع تعد صناعة وعلم موجود منذ حوالي 50 سنة، و"آستك" أو "الإتحاد العالمي لمراكز العلوم والتكنولوجيا" يسلط الضوء في مؤتمراته السنوية على عقبات وقصص نجاح ومشاريع وأبحاث تطوير هذه الصناعة وكيفية خدمة المجتمع بها، كما يصاحب الملتقى معرض لأبرز المعروضات التفاعلية التي تم تطويرها ونتبادل خلاله الخبرات، ونحن بحكم عضويتنا في هذه المنظمة تصلنا باستمرار معلومات ومطبوعات كما نتابع موقعهم الإلكتروني الذي يساعد على تبادل الخبرات والتعرف على الجديد وعلى الشركات التي توفر التجهيزات المطلوبة أو تعمل على تشغيل وصناعة مراكز العلوم والتكنولوجيا حول العالم. ولقد استفدنا عمليا من هذه العضوية والمتابعة فعلى سبيل المثال عندما فكرنا بفتح مجال العضويات للطلاب المتميزين والموهوبين طرحنا برنامج "جواز السفر العالمي"، الذي يمنح الحاصلين على عضوية هذا البرنامج في واحة جدة للعلوم تلقائياً تأشيرة الدخول والاستفادة من 300 مركز للعلوم والتكنولوجيا حول العالم، وهذا مجرد نموذج يوضح أننا لانعمل بمعزل عن العالم بل نضع معايير معينة لاختيار المشاريع ونحرص على الاستفادة من عصارة خبرة وتجارب حوالي 300 مركز للعلوم والتكنولوجيا موجودة في مختلف أنحاء العالم لننقل التجربة والتقنيات المتطورة في هذا المجال إلى واحة العلوم.
ثقافة التسوق في المملكة كانت وراء اختيار المقر
استطعتم من خلال موقع الواحة في أحد المراكز التجارية أن تصلوا إلى تجمعات الأسرة، فهل من توجه للوصول إلى المدارس وتزويدها ببرامج أو مناهج موجهة؟
اختيار موقع الواحة في مركز تجاري يعد بحد ذاته فكرة جديدة ومن المبادرات الجريئة التي أعتقد أننا بوسعنا أن نطرح بها ورقة عمل في ملتقى "آستك" القادم، فلقد وجدنا أن هذا الموقع البديل لإنشاء مبنى مستقل للواحة يوفر 80% من تكاليف المشروع، كما أن ثقافة التسوق في المملكة قد تطورت ولم تعد المراكز التجارية مجرد مواقع للتسوق بقدر مايراها المجتمع السعودي مراكز ترفيه بالنسبة للعائلة تضمهم في جو اجتماعي وثقافي إلى جانب التسوق واستقطاع الوقت لتناول الطعام في المطاعم أو المقاهي، من هنا كان اختيار موقع واحة العلوم في داخل مركز تجاري فكرة اقتصادية مدروسة حيث نجحنا بتوفير تكلفة مرتفعة للتأسيس، وانتقلنا كما تفضلت إلى نقطة تجمع الجمهور المستهدف بدلاً من أن نتركه يبحث عنا أو يجدنا عن طريق الصدفة. وأعتقد أن واحة العلوم خدمت جانب كانت تفتقده الأسرة التي تزور مراكز التسوق وهو مفهوم التعليم بالترفيه أو المرح والتعلم بنفس الوقت.
ألم تواجهكم عقبات أو مشاكل في تنفيذ هذه التجربة الأولى من نوعها؟
بحكم خبرتنا السابقة لخمسة عشر عاماً في مجال العلوم والتكنولوجيا، تم توظيف هذه الخبرة لإنضاج تجربة وضع واحة العلوم في قلب الأسواق التجارية، وبدون شك واجهتنا بعض العقبات في البداية وأهمها استقطاب المدارس في الفترة الصباحية إلى هذا الموقع علماً بأن أهم شريحة نستهدفها هي شريحة طلاب وطالبات المدارس على اعتبار أننا نكمل جزء لايتجزأ من مناهج التعليم أو ما يسمى بالجانب التطبيقي، فاستغرقت عملية الاقناع بعض الوقت إلى أن قام بزيارتنا بعض المسؤولين في إدارة التعليم، ومن ثم افتتح الواحة محافظ محافظة جدة الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز، فأعطت هذه الزيارات والمبادرات الشرعية القبول للواحة من قبل إدارة التعليم. كما أننا قمنا بالتركيز على الاستثمار في المحتويات والمعروضات التي أصبحت متطورة عما سبق ومتميزة بعنصر التفاعل مع الزائر حتى لايمل من تكرار الزيارة ويكون بقاءه في المكان تجربة مشوقة. جميع هذه العناصر ساهمت في أن يفتح قطاع التعليم أبوابه ويبني جسور للتعاون بيننا وبينه ليتمكن الطلاب من زيارة المركز في الفترة الصباحية. أما فيما يتعلق بأن ننتقل نحن ببرامجنا ومشاريعنا إلى المدارس فهي خطوة سيتم العمل بها ضمن خطة التطوير القادمة، خاصة وأنها أقد ثبتت نجاحها فيما مضى عندما طرح مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا مشروع "العلوم العجيبة" الذي كان يتجول في المدارس لعرض بعض التجارب التطبيقية المثيرة للطلاب.
ومعايير الجودة على طاولة مجلس الوزراء
كيف ترى مستقبل التعليم العالي الحكومي في ظل التطور الذي يشهده التعليم الأهلي واكتسابه ثقة النخبة في المجتمع؟
بشكل عام التعليم الأهلي وجد ليدعم التعليم العالي ويعتبر رافداً من روافده، ففي الماضي كانت الجامعات الحكومية تغطي الاحتياجات أما منذ 10 سنوات تقريباً أدركت وزارة التعليم العالي أنه قد أصبح من الضروري منح التراخيص للتعليم الأهلي فتم افتتاح نحو 25 كلية وجامعة أهلية لكن أداءها إلى الآن محدود وهي لا تغطي إلا حوالي 3% أو 5% من إجمالي طلاب وطالبات الجامعات الحكومية. أما بخصوص جودة التعليم فإن وزارة التعليم العالي وضعت معايير للتعليم الأهلي وتم تأسيس جهاز مستقل هو "الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد" بنظام خاص صادر من مجلس الشورى وفي طريقه للإعتماد من مجلس الوزراء، وهو ينص على أن الكليات والجامعات حكومية كانت أو خاصة لا بد أن تلتزم بمعايير عالمية للجودة منها نسبة عدد الطلاب لعدد الأساتذة، والدرجة العلمية للأساتذة حيث لابد أن تكون نسبة الأكاديميين الحاصلين على درجة الدكتوراة لا تقل عن 75% في أي جامعة تعترف بها الدولة، بالإضافة إلى توفير عدد معين من المرافق والفصول والمعامل والحاسبات والمكتبة ومواقف السيارات. فباختصار هذه المعايير والشروط تجعل الكلية أو الجامعة عبارة عن مدينة جامعية تستوعب الطالب طوال فترة دراسته، وتكفل جودة التدريس بشكل يعتمد على الأنظمة وليس على الأفراد فحسب، وأعتقد أن اللوائح الجديدة قد هيئت نفسها لتنظيم التعليم العالي الحكومي والأهلي بشكل جيد مع ضمان جودة برامجه ومخرجاته.
ذكرت أن أداء التعليم الأهلي لايزال محدوداً، فماهو المطلوب ليتمكن هذا القطاع من استيعاب عدد أكبر من الطلاب والطالبات؟
قبل أسابيع أقر مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله تقديم منح من الدولة للطلاب السعوديين في الجامعات والكليات الأهلية، وفي الواقع هذه المنح بدأت الدولة بمنحها قبل حوالي 5 سنوات مع بداية برنامج الابتعاث لكنها كانت تغطي 50% فقط من تكاليف الدراسة في جامعة محلية أهلية ليتكفل الطالب بالتكاليف المتبقية، أما الآن بعد تمديد برنامج الإبتعاث لخمس سنوات قادمة تم تغطية تكاليف الدراسة 100%، مما سيساهم في زيادة عدد طلاب التعليم الأهلي، ويعطي للطالب الخيار الذي يناسب ظروفة ليتم ابتعاثه للخارج أو يحصل على منحه محلية في جامعة أو كلية أهلية تقدم له تعليم متطور ومتخصص.
بالمنح الحكومية تتلاشى نخبوية التعليم الأهلي
هل تتفق مع من يرى أن التعليم الأهلي هو تعليم نخبوي موجه لفئة معينة من المجتمع ويراعي إمكانياتها المادية وأسلوب حياتها مما قد يساهم في إتساع الفجوة بين طبقات المجتمع بدلاً من تجسيرها؟
صحيح أن التعليم الجامعي الأهلي مكلف، لكن لنتذكر أمرين، أولاً أنه أقل بكثير من تكاليف السفر للخارج، وأقل بكثير من رسوم الجامعات الأجنبية، وثانياً التعليم إستثمار، بل أرقى أنواع الإستثمار لأنه إستثمار في الإنسان، وأفضل ما يستثمر المرء هو في التعليم لأنه بناء للمستقبل وبناء للفكر وبناء للإبداع، وكلما كان التعليم بجودة عالية، كلما كان مردوده أهم وأعظم، لذلك ينبغي عدم النظر للتكاليف بقدر ما ننظر للمردود، وندقق في جودة ومتانة وقوة ما ندفع من أجله، ومع ذلك يظل اتجاه الدولة إلى تقديم المنح الداخلية سيسهم في تلاشي أو على الأقل تقليص مفهوم النخبوية تدريجياً وتصبح فرصة الطالب الحاصل على معدلات مرتفعة موازية لفرصة الطالب الذي يملك القدرة المالية على الإلتحاق بالتعليم الأهل.
مخرجات التعليم العالي يفترض أن تكون درجة علمية ومهارات تواصل وشخصية قيادية
يؤخذ على التعليم الأهلي تركيزه على الأنشطة، وهناك من يرى أنه قد يتحول من التركيز على جودة التعليم إلى جودة الترفيه، فماهو تعليقك على ذلك؟
بالنسبة للتعليم الجامعي لم يكن القصور في التعليم الاهلي بقدر ما كان في التعليم الحكومي حيث كان الطالب يتلقى محاضرات ويذاكر ويختبر ويحصل على شهادة، هذه الآلية تختزل التعليم الجامعي في مفهوم ضيق، بينما يفترض أن تكون هناك برامج مختلفة تناسب مرحلة صقل ونضج شخصية الطالب أو الطالبة، وأنشطة تطوعية أوعامة تصنع الشخصية القيادية وتحدد دورها في المجتمع، لتكون المخرجات أفراد حاصلين على درجة علمية تؤهلهم للعمل، وقدرات تساعد على اتخاذ القرار والتواصل مع الآخرين وحل المشاكل ومواجهتها وهذا لا يتحقق إلا بممارسة التجارب المختلفة أثناء الدراسة الجامعية التي لو خرج منها الطالب وهو (هش) بلا خبرة كافية سيتعثر في العمل مع أول عقبة تواجهه. ولا أجد مبرر للإعتراض على الأنشطة التي يقدمها التعليم الأهلي أو للمخاوف من أن تطغى على الجانب الأكاديمي الذي يعد أمر مفروغ منه بعد أن فرضت هيئة التقويم والاعتماد على جميع الجامعات والكليات الأهلية والحكومية الحصول على الاعتماد الأكاديمي ووضعت آليات رقابة ومتابعة وتوثيق لعملها تساعد على معرفة مستوى الطلاب و تفادي أن تطغى أي برامج إضافية على العملية التعليمية.
ربط الريال بالدولار قرار اقتصادي وليس سياسي
بعد الأزمة الاقتصادية العالمية طالب البعض بضرورة العودة إلى الاقتصاد الإسلامي وربط العملة بالذهب والفضة؟ فهل تؤيد هذا التوجه؟
وضح لنا بعد الأزمة أن المملكة قد خرجت بأقل نسبة من الخسائر ولم تعاني من "هزة" اقتصادية مؤلمة كما حدث في الغرب، إذ لم تشهد المملكة إغلاق بنوك أو إفلاس قطاعات مؤثرة. إنما واجهنا بلا شك بعض المشاكل التي كانت ضمن الهامش الذي يمكن استيعابه، حيث ظهرت الخسائر في بعض البنوك الاستثمارية عام 2008-2009 وفي مقابلها ظهرت بنوك رابحة جداً، وحتى البنوك التي خسرت استطاعت أن تغطي خسائرها وتعالجها إلى حد كبير.
بالنسبة لإرتباط الريال بالدولار أو ارتباطه بالذهب والفضة أو بسلة من العملات كما حصل في الكويت، فهذا القرار جزء كبير منه يعود لمؤسسة النقد، ولقد ناقش مجلس الشوري هذا الأمر في أكثر من جلسة مصارحة مع المحافظ السابق وكذلك في لقاءات قطاع الاعمال مع المحافظ الحالي، ووجدنا في كل مرة يثار فيها الموضوع أن المسؤولين لديهم قناعة مطلقة بأن استمرار الارتباط بالدولار هو أمر اقتصادي حيوي للمملكة، لأن الكثير من الاستثمارات السعودية موجودة في أمريكا وفي الغرب ومرتبطة بالدولار، كما أن هامش ارتفاع وهبوط الدولار لازال مقبولاً ولا يسبب مشكلة كبيرة للناتج القومي في المملكة، والخلاصة أن القرار كما وضحته مؤسسة النقد هو قرار اقتصادي وليس قرار سياسي.
أبناء جدة ورجال أعمالها قدموا صورة مشرفة في أزمة غابت عنها القطاعات المصرفية والمالية
ماهو تقييمك لدور رجال أعمال جدة ومساهمتهم في أعمال التطوع والتبرع التي نشطت مع أزمة السيول خاصة وأن بعض الأقلام قد اتهمتهم بالتقصير؟
يصعب إطلاق هذا الأمر بشكل عام، فلقد كانت هناك تبرعات ومساعدات عينية ومالية من تجار جدة كما أن بعضهم بادر بالنزول إلى الميدان وتفقد أوضاع الأسر المتضررة ورصد الاحتياجات، وأعتقد أن أبناء جدة بشكل عام عكسوا صورة مشرفة للغاية من خلال الفرق التطوعية التي استحقت الشكر والتقدير، خاصة وأن خبرة المجتمع في العمل التطوعي كانت تقتصر على الأعمال الجوالة في الحج والعمرة حتى وقعت هذه الأزمة لتوجد عمل تطوعي منظم أسهم بشكل كبير في مساعدة الأسر المتضررة من السيول وتوفير الغذاء والطعام لهم في فترة قياسية، وهذا دليل على وجود مواهب وقدرات لدى الشباب تحديداً يمكن استغلالها والاستفادة منها، ودليل على أن قطاع الاعمال أيضا يبدي التعاون متى ماتوفرت له فرص خدمة مجتمعه فالغرفة التجارية كان لها دور كبير في تفعيل العمل التطوعي وإشراك رجال الأعمال وتنظيم المتطوعين، ولعل اللوم يمكن توجيهه بشكل أكبر للقطاعات المالية والمصرفية التي لم نرى لها مشاركة تذكر خلال الأزمة.
اللجان الإشرافية المحايدة لتفادي اكتشاف تعثر المشاريع بعد وقوع الكوارث
قلت في أحداث جدة أن الأخطاء ليست في المواصفات ولا في الشركات إنما في الاشراف، فماهي الآلية المقترحة لتلافي هذا الخلل؟
سيول جدة كانت كارثة بجميع المقاييس ترتبت عليها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات وخسر الوطن بموجبها مليارات الريالات، وماتلاها من أصداء وتغطيات إعلامية ولقاءات مع المسؤولين كشف عن أن الاعتمادات المالية للمشاريع كانت كبيرة ومستمرة، فالمشكلة إذن ليست في الاعتمادات ولا في الخطط الاستراتيجة، بل الخلل كان في الإشراف الذي كان بوسعه أن يتحقق مبكراً من سبب عدم تنفيذ المشاريع والمحاسبة والمتابعة والمراقبة التي تدخل ضمن مهام الإشراف الواعي الفعال. لذلك أتمنى أن تكون معالجتنا لهذه المشكلة مستقبلا ترتكز على توفير آليات منضبطة للمتابعة والمحاسبة والمراقبة والاشراف حتى يتم التاكد من أن الأهداف والمشاريع قد تحققت، مع وضع جدول زمني للمشروع وللمتابعة يكشف عن المخرجات بشكل شهري ويتم الاستعانة بلجنة أو فريق خارجي محايد يتأكد من مراحل التنفيذ ومن أن العمل يسير وفقاً للجدول الزمني المعد بدلاً من أن نكتشف تعثر العمل بعد وقوع الكوارث.
"طاش ماطاش" نافذة للنقد الهادف، ولايمكن تقييم الكوميديا بمعايير جادة
طالبت بمحاسبة مسلسل (طاش ما طاش) الذي تعرض في حلقة من حلقاته إلى نقد مجلس الشورى، فكرئيس تحرير سابق هل كنت ستتعامل بالمثل مع مقالات تتعرض للمجلس؟
مسلسل (طاش ماطاش)، ظاهرة فريدة في تاريخ الكوميديا السعودية بل العربية الهادفة، واستمراره لمدة 16 عاماً دليل نجاح غير مسبوق، ودليل على روح الجرأة والإبتكار والإبداع فيه، كما أنه يعتبر من نوافذ النقد الهادف لتصحيح أوضاعنا الإجتماعية ومكافحة الفساد، وهناك أكثر من عمل فني يخدم نفس هذه الأهداف، إلا أن طاش يعتبر له سبق الريادة، وكلها أعتبرها ظاهرة صحية ودليل وعي راقي في المجتمع، فهذه الأعمال تبرز دور الإعلام الذي نطلق عليه (السلطة الرابعة) متى ما تمكن من أداء دوره في المحاسبة والنقد. وأنا شخصياً سواء كنت رئيساً للتحرير أو مواطن عادي أشجع النقد البناء وأرى أنه كلما كانت هناك شفافية أكبر بين الجمهور والمسؤول نصبح أكثر قدرة على الإصلاح، ولعل مسلسل (طاش ماطاش) تحديداً يحتوي على بعض المبالغات، التي تثير التيار الديني، وتجعله يأخذها مأخذ الجد، وكأنها موجهة مباشرة له، وكأنها تدعو للإستهزاء بهذا التيار، وهو أمر غير صحيح، لأن الخطأ ينسحب على كل التيارات، ولا أحد معصوم، والمهم مناقشة الفكرة وجدواها، دون أن "نشخصن" الخلافات، فهذه المبالغات بالرغم من رفض البعض لها إلا أنها تظل مبالغات مقصودة فنياً، لأن المسلسل يقدم كوميديا ساخرة لايمكنها أن تنجح دون المبالغات الفنية، التي تعطي للعمل الإبهار والجذب، ولا يمكن أن نلغي حقيقة أن المسلسل يقدم كذلك رسالة سامية بالنقد البناء مهما اختلفنا مع المبالغات. بإعتقادي هذه النوعية من الأعمال ستظل تثير الجدل، لأن الشخص الذي سيقوم بتقييمها بمعايير جادة بالتأكيد سيصل إلى صدام معها، ولعلنا مع الوقت نتمكن من وضع الأمور في نصابها ونتقبل بصدر رحب فكرة أن الكوميديا من الطبيعي أن تهدف إلى الفكاهة وتتضمن في نفس الوقت رساله تربوية هامة ومفيدة.
الصحافة سلطة رابعة بشرط الإلتزام بميثاق العمل الصحفي
تحدثت عن الإعلام كسلطة رابعة، فهل من وجهة نظرك تجد أن الصحافة تحديداً في المملكة تشكل سلطة رابعة؟
بلا شك، أراها تتقدم تدريجياً نحو الأفضل مع إرتفاع وعي الجمهور ووعي الكتاب وكذلك القائمين على الصحف والمسؤولين الذين بدأ تعاملهم مع وسائل الإعلام يتسم بالشفافية المطلوبة للإصلاح والتطوير، ولعل كارثة سيول جدة كانت خير مثال على الشفافية ومساحات الحرية المتاحة للإعلام والكشف عن الأخطاء، فأنا أعتبر أسلوب التغطية التي تابعناها لهذه الكارثة تعد تتويج لمسيرة تطوير العمل الصحفي في المملكة.
لكن كل عمل لا يخلو من الهفوات، لذلك رأينا بعض الصحف تبالغ في الطرح الفج بدون تروي، وهو ما يجهض حقيقة السلطة الرابعة، ويأتي من يتهكم على الصحف ليقول (كلام جرايد)، لذلك التعجل في الطرح بدون أدلة واثقة وبدون رأي كل الشخصيات المعنية بالحوار وبدون معرفة بحقيقة الأمر، تجعل المجتمع والمسؤول لا يحفل كثيراً بما تطرحه الصحافة، فهي سلطة رابعة، بشرط التمسك والإلتزام بميثاق العمل الصحفي الجيد والهادف والذي يخفي وراءه رسالة.
مجلس الشورى ممارسة ديمقراطية لمجتمع يتمتع بالوعي السياسي
ما الذي أضافه لك مجلس الشورى خاصة فيما يتعلق بالشأن الاجتماعي؟
مجلس الشوري تجربة مهمة لمن يخوضها، لأنها مسؤولية أمام الملك وأمام المجتمع وقبل ذلك أمام الله عزوجل، ولكنها تجربة أكثر أهمية للمجتمع نفسه، لأنها ممارسة ديمقراطية ونيابية، تحدد ملامح تغيير كبير في إرساء قواعد الإستقرار السياسي في الوطن، بسلطاته الثلاثة المستقلة عن بعضها البعض (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، فالمجتمع الذي يتقبل ويعيش هذه التجربة مجتمع ناضج، بدأ يخطو خطوات قوية وواثقة نحو وعي سياسي أفضل، وخدمات أفضل، ومكافحة للفساد أفضل.
وهي تجربة مهمة، لمن يحمله الملك هذه المسؤولية، لانها في المقام الأول مسؤولية وثقة يضعها الملك في أعضاء المجلس لتمثيل المواطن، وبالتالي كل عضو يجب أن ينقل لولاة الأمر صورة صادقة وواضحة لطموحات واهتمامات وهموم المواطنين، كما أن عملنا في المجلس يتيح لنا الإطلاع على مستوى الخدمات المقدمة للمواطن ومناقشة تطويرها وجودتها، ولعل أبرز التقارير التي نناقشها سنوياً في هذا المجال تقرير هيئة الرقابة والتحقيق الذي يكشف خبايا التجاوزات والتقصير في القطاعات الحكومية والمؤسسات العامة، ويساعدنا على تحديد نقاط انطلاق جديدة نحو الإصلاح.
وهناك قرارات مهمة انعكست على صاحب القرار في السلطة التنفيذية، وأثرت الخدمات التي يحصل عليها المواطن، ربما كان آخرها الإعلان عن إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذية والمتجددة، وكذلك يتم الإرتقاء بالخدمات عن طريق لقاء المسؤولين، والحوار المباشر معهم حول هموم وشكاوى المواطنين، بما يدعم إيصال رسالة المواطن للمسؤول الأول عن الإصلاح في كل وزارة أو دائرة حكومية.
التدرج آلية التغيير التي ستصل المرأة من خلالها إلى عضوية الشورى
هل تؤيد تفرغ وتمكين مستشارات مجلس الشورى؟ ومالذي يحول دون ذلك حتى الآن من وجهة نظرك؟
المطالبة قائمة لتحويل المستشارات في الدورة القادمة إلى أعضاء في المجلس، ولكن بشكل عام خطوات التغيير في المملكة تتم بصورة تدريجية وهذا من حكمة ولاة الأمر لأن التغيير المفاجيء غالباً ما يواجه المعارضة التي قد تجهض التجربة قبل نجاحها، لذلك أن شخصياً متفائل بأن التجديد للمستشارات في هذه الدورة سيتبعه مراجعة للنظام وستثبت تجربة المستشارات نجاحها لتبدد مخاوف من يعارضها، وقناعتي أن التغيير التدريجي أوثق للبقاء من التغيير الفجائي. من جهة أخرى مجلس الشورى يتمتع بعضوية في الاتحادات البرلمانية العربية والعالمية التي لاتخلو من وجود سيدات يمثلن نصف المجتمع ولهن اهتمامات ومطالب تخص المواطنة المرأة والزوجة والطالبة والمستثمرة فلابد أن يكون لهن صوت قوي في هذه البرلمانات، ولقد تعرض المجلس لضغوط كثيرة واحراجات في ظل عدم وجود من يمثله من النساء، وبالتالي بدأت تجربة المستشارات بعدد محدود (حوالي 6) ثم تم مضاعفته، وأعتقد أن الدورة القادمة ستشهد تحويلهم بإذن الله إلى أعضاء في المجلس، علماً بأن المجلس نفسه كان قد بدأ بـ60 عضواً واليوم بعد خمس دورات وصل عدد أعضاءه إلى 150 وهو دليل على أن التدرج سياسة متبعة في تغيير النظام الاجتماعي والسياسي في المملكة.
الاقتصاد مفتاح النجاح، والانترنت قلبه النابض
بين التعليم والإعلام والاقتصاد والسياسة كانت جولة الدكتور مازن بليلة، فماهي أقرب هذه المراحل إليك؟
أقرب مرحلة كانت مرحلة الجمع بين الاقتصاد والتعليم، لأنني اليوم من خلال عملي في اللجنة المالية بمجلس الشورى أجد أن المال والاقتصاد هو "المفتاح" للعديد من النجاحات، فأي استثمار في التعليم أو الإعلام دون وجود جانب دراسات مالية وجدوى إقتصادية قوية مآله الفشل، لذلك في المشاريع الجديدة نحث الشباب على أهمية توفير غطاء مالي جيد، وإدارة قوية تستطيع أن تستثمر الموارد المحدودة الموجودة للمبتدئين في العمل، خاصة وأن 85% من المشاريع الجديدة تتعثر بسبب المشاكل المالية والاقتصادية. فأستطيع أن أقول أنني وجدت مزج المجال الاقتصادي مع خلفيتي في التعليم الأهم والأقرب إلى نفسي كونه مفتاح النجاحات في القطاعات الأخرى، وامتلاك الإنسان لخلفية مالية واقتصادية جيدة يساعده على التخطيط السليم ومعالجة المشاكل التي تواجه المشاريع الجديدة التعليمية والإعلامية وغيرها من المشاريع التنموية الهامة للبلد.
هناك هدر كبير في موارنا التعليمية، تضعف أو تقلل من نجاحنا في هذا المجال، فنحن من أكثر الدولة إنفتقاً على التعليم، ومع ذلك يظل نظام التعليم لدينا من أقل الأنظمة كفاءة، وتظل مستويات طلابنا في العلوم والرياضيات هي الأقل في العالم، لذلك التشغيل الاقتصادي للتعليم سوف يوفر العديد من المصادر المهمة للإرتقاء بمستوى التعليم، ويظل الجانب الاقتصادي من أهم الجوانب التي تضعف وتقلل من نجاحات تطوير التلعيم بالمملكة.
كيف يصف الدكتور مازن بليلة علاقته بالإنترنت؟
علاقة مصيرية، أساسية، متطورة، فاليوم لم يعد بوسع أي عمل الاستغناء عن الانترنت، ففي كل المشاريع التعليمية التي بدأناها كان القلب النابض لها هو شبكة الحاسب والانترنت، ولقد وجدنا فارقا كبيراً جداً في كفاءة العمل وضبطه وتطويره وسهولة اتصال الناس من خلاله وتسويقه لهم بالإعتماد على التقنيات الحديثة، وأعتقد أن مستقبل التعليم والإعلام والاقتصاد سيكون من خلال بوابة الإنترنت، ولعلها فرصة لأهنئكم في عربيات بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس مجلتكم، فتجربتكم في الإنترنت نفتخر بها ويفتخر بها هذا البلد الذي يسعى دائماً إلى مواكبة التطور وتوظيفه بالشكل المناسب والمفيد.
وسوف يتطور العمل بالشبكات حتى تصبح جزء لا يتجزأ منأي عمل ناجح، لذلك من أهم مفاتيح النجاح في عالم الأعمال اليوم، القدرة للوصول لأكبر عدد من الناس من خلال التواصل مع شبكة الانترنت.