"أدرك المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز المعظم ضرورة تعليم الفتاة فكان أول مجس يضعه على قلب الأمة ليقيس به مدى استعدادها وتقبلها لهذا الشأن هو افتتاحه دار الحنان بجدة على نفقته الخاصة وقبل أن تلتزم الدولة بتعليم الفتاة فكانت هذه الدار التي ضمت بين جنباتها عدداً من اليتيمات أول مشعل يضيء به الفيصل العظيم لنصف الأمة درب الحق ويهديهن إلى سبل الخير والرشاد ويبصرهن طريق العمل النافع".
من كلمة الرئيس العام لتعليم البنات الشيخ / ناصر الراشد عندما بدأ تعليم البنات الرسمي في عام 1381هـ في مقدمة الكتاب الإحصائي السنوي عن التعليم العام للفتاة السعودية
تألق تفكير الأميرة / عفت الثنيان – رحمها الله – لخدمة المجتمع السعودي في أول بادرة لتتفق مع زوجها الأمير فيصل – رحمه الله – على إنشاء مدرسة نموذجية في الطائف في أوائل الأربعينات الميلادية ، حيث ألحقت بها أبناءها مع آخرين من العامة ... وبعد ذلك تم نقل المدرسة إلى جدة لتأخذ اسمها الجديد وهو ( مدارس الثغر النموذجية ) والتي لاتزال قائمة إلى اليوم ... في تلك المدرسة كان يتم إلى جانب تعليم المناهج الرسمية ممارسة الأنشطة اللامنهجية الرياضية والإجتماعية ولم يفتها – رحمها الله – أن تلحق بها قسماً خاصاً لتعليم بناتها ، ومن ثم أخريات تعهدت تدريسهن فيه من بعض النساء .
ويسمو بالملكة الراحلة التخطيط الهادف والوعي الشامل حين افتتحت مدارس دار الحنان في جدة عام 1375هـ الموافق 1955م وكانت تهدف من وراء انشائها في باديء الأمر أن تكون داراً لرعاية اليتيمات والمحتاجات في وقت لم تكن الفتاة لتجد لها مؤسسة تعليمية نظامية تنضم إليها سوى بعض الكتاتيب ... ولم تكن الأمور في باديء الأمر سهلة ميسورة فالإداريات والمدرسات اللاتي يمكن أن يعملن في هذه المؤسسة يصعب وجودهن ، ولكن الصعوبات مالبثت أن ذللت حين عهدت – رحمها الله – بالمدرسة للسيدة / مفيدة الدباغ التي كانت المدرسة الخاصة لبناتها للقيام بمهمة إدارة المدرسة .
وجاء الدور البارز للملكة الراحلة في محاولتها إقناع الأهالي بإلحاق بناتهم بهذه المدرسة بعد دأب على توضيح دور المدرسة وأهدافها في الإرتقاء بالفتيات السعوديات وشعرت أن ( دار الحنان ) يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في خدمة هذا المجتمع دون حصرها في الفتيات اليتيمات متعهدة رعاية هذه المؤسسة بالإشراف والمتابعة وموجهة كريماتها إلى التناوب على متابعة الحركة التعليمية فيها وذلك حرصاً منها على أن تتلقى بنات الوطن تعليمهن في وطنهن دون الحاجة إلى السفر للخارج لطلب العلم . كل هذا إن دل فإنما يدل على أن مدارس دار الحنان التي أنشأتها الملكة عفت الثنيان – يرحمها الله – والتي كانت حريصة كل الحرص على تطويرها دائماً لتخريج أفضل الطالبات القادرات على خدمة بلادهن بمسؤولية ووعي قد أثبتت نجاحها فعلاً بفضل من الله جل وعلا ثم بفضل القائمين على رسم سياستها التعليمية حتى نجحت في أن تجعل تعليم الفتاة أمراً مقبولاً بل حتمياً في جميع أرجاء المملكة العربية السعودية .
ثلاثون طالبة فقط كانت بداية دار الحنان ومن ثم شرع هذا العدد بالتزايد عاماً تلو عام ترعاه اليد الحانية موجهة ومرشدة وعندما رأت أن التعليم الأهلي جزء من التعليم العام أرادت أن يتضمن هذا النوع من التعليم محاولة ملء الفراغات وسد الإحتياجات التي يتطلبها الوطن وبناته مضيفة إلى المناهج الدراسية الأنشطة اللامنهجية التي تفتح أمام الطالبات سبل استغلال مواهبهن وابداعاتهن .
تغيرت إدارة المدرسة ولم تتغير أهدافها فتولت بعد السيدة مفيدة الدباغ ، السيدة سيسيل رشدي وذلك في عام 1383هـ الموافق 1963م حيث واصلت دار الحنان إنجازاتها وتطورها تعليمياً وتربوياً في ظل إدارتها الجديدة من خلال المتابعة المتواصلة والتوجيهات المستمرة من قبل جلالة الملكة عفت تغمدها الله بواسع رحمته .
دار الحنان مدارس تألقت في بواكير نشأتها واستمرت سنوات تألقها إلى وقتنا الحاضر حيث ترعاها صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بعد وفاة والدتها الملكة عفت عام 1420هـ الموافق 2000م .
ولطالما أملت الملكة الراحلة أن تمضي مع آمال طالباتها إلى المرحلة الجامعية ، ولكن الظروف لم تكن مواتية لتحقيق هذه الأمنية آنذاك ... ورغم ذلك فقد وجهت اهتمامها نحو افتتاح مركز للتدريب المهني يخدم فتيات هذا الوطن بتخصصاته المختلفة في عام 1408هـ الموافق 1988م.
ويتجسد حلمها في التعليم الجامعي فيما بعد في مشروع " كلية عفت الأهلية " بجدة التي تم افتتاحها عام 1420هـ الموافق 1999م والتي ترعاها أيضاً صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل لتواكب الكليات والجامعات الأخرى في مسيرة التطور الحافلة التي يشهدها هذا الوطن بتخصصات مختلفة .
ولم يقتصر دور الملكة عفت – رحمها الله – على المضي بالفتاة السعودية قدماً على نحو ماذكرناه سابقاً إنما كانت تقف مشجعة ومقدمة الدعم المعنوي والمادي إن لزم الأمر لكل ما يسمو بالفتاة السعودية كمساندتها لكليات البنات في بداياتها الأولى ومتابعتها لبعض أنشطتها ومساندتها كذلك للرئاسة العامة لتعليم البنات عن طريق تشجيع الفتيات على الإلتحاق بكليات التربية بالرياض حيث كانت الرئيسة الفخرية لها.
السيدة / فائزة عبدالله كيال
مديرة مدارس دار الحنان سابقاً
وخريجة من خريجاتها
|