الفنان التشكيلي "مصطفى بكير"صاحب المركز العاشر في موسوعة عظماء مصر يتحدث إلى عربيات
الإنسان بفطرته يولد فنان ومرتبط ارتباط وثيق بالبيئة ينصهر فيها ويعبر عنها في سلوكياته وانفعالاته وأحاسيسه وطبيعة سيناء المصرية منحت الإبداع للفنان الذي تأثر بقسوة صحرائها ... وجفافها يولد الصبر الذي يحرك الإبداع لتولد اجمل اللوحات .
مصطفى بكير فنان ولد في سيناء بأحد السهول الذي تضمه جبالها واستنشق أول أنفاسه من هوائها وتطلع في أول حياته لسمائها وخطى خطواته الأولى بين سهولها وتسلق نخيلها .
وعكف منذ نعومة أظافره يتأمل مدارات الألوان وتداخلات الخطوط لتخرج لوحاته تعزف موسيقى مصرية يتناغم فيها التراث الشعبي مع البيئة الصحراوية وتتوالى الانفعالات
لتولد اللوحات التي وضعته في مصاف الفنانين المصريين والعالميين ليسجل أخيراً المركز العاشر في موسوعة عظماء مصر في القرن العشرين.
التقت عربيات بالفنان المصري مصطفى بكير في رحلة صفاء مع الألوان والذكريات وتاريخ كفاحه مع الفن التشكيلي وكان هذا الحوار.
ولدت في منتصف فبراير عام 1941م لوالد طبيعة عمله في قوات حرس الحدود المصرية وهو دائم الترحال بين المحافظات الحدودية مما جعلني أتعايش مع الطبيعة في ربوع مصر وأعشق جمالها .
عشقي للطبيعة جعلني أتأثر بها وتمنيت أن أتعامل معها وأسجل تاريخها وتقلباتها عبر الزمان وسيناء من البيئات البدوية الصحراوية القاسية التي لها طعم خاص .
بدأت رحلتي مع الألوان و الفرشاة مع بداية المرحلة الثانوية وعقب تأهلي للطريق الجامعي اخترت كلية الفنون الجميلة وكانت حديثة العهد في سيناء ولا يعرفها الكثيرين وأصبحت أول خريج من أبناء سيناء يتعامل مع الفرشاة والألوان .
رحلتي الحقيقية مع الفن بدأت بعد نكسة يونيو 1967م حيث تأثرت بالأحداث ومرارة الاحتلال الذي عكر صفوة حياتنا وعبرت الطبيعة عن غضبها وكان الجرح عميقا ومصر تئن ولا وقت للعتاب أو الحساب وكان لابد أن تنفجر المشاعر وكانت أول لوحاتي " الصمود " وهي لوحة حاولت فيها أن أبرز صمود الإنسان والمكان من خلال تناسق الألوان .
تفاعلت مع انتصارات أكتوبر المجيدة فرسمت لوحة النصر وقد افتتحت بها أول معرض لفنان مصري على أنقاض خط بارليف بمدينة القنطرة شرق والذي اعتزت به المؤسسة العسكرية الإسرائيلية واعتبرته حصن مكين لا يمكن هدمه ولهذا اخترت المكان للتعبير عن بسالة الشعب المصري والعربي على حد سواء في انتصارات أكتوبر.
وبين لوحة الصمود والنصر تناولت الطبيعة السيناوية الساحرة في لوحاتي فكانت لوحة النخيل رمزاً للشموخ والعلو ولوحة الزيتون رمزاً للسلام ولوحة السلام التي جاءت فكرتها نتاج مرحلة العبور من حالة الحرب إلى السلام وهو حلم كل العرب .
أهديت لوحة السلام إلى كوفي أنان أمين عام الأمم المتحدة فور هبوطه بمطار العريش الدولي في طريقه إلى قطاع غزة لمقابلة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مهمة سلام لبحث العزلة الفلسطينية والوحشية الإسرائيلية التي حصدت آلاف الأبرياء من الشعب الفلسطيني بسياسة نازية لا تعرف إلا الدم ولا تخلف ورائها إلا الخراب … ولهذا أعطيت كوفي أنان لوحة السلام كتعبير عن حلم الشعب العربي الذي لا يعرف إلا السلام ويبغض الظلم والعنصرية .
قضية البادية التي عايشتها منذ طفولتي وعشت من أجلها شبابي والتحمت بها في نسيج واحد ظهرت في لوحات كثيرة منها لوحة " حاملة الجرة " ولوحة " موناليزا من سيناء " ولوحة " راعية الغنم " ولوحة " البيت البدوي " ولوحة " الهجن البدوية الأصيلة ".
وتأثرت بالبيئة فكانت لوحة " بحيرة البرد ويل " ولوحة " البحر " ولوحة " الصيادين " ولوحة " السماك " وغيرها.
ترجمت الأحداث التاريخية في بعض اللوحات حيث رسمت لوحة " الفتح الإسلامي " ولوحة " التضامن العربي " كتعبير عن تضامن الشعب المصري والعربي مع القضية الفلسطينية وأيضا لوحة " التكامل " الذي عبرت بها عن وحدة الشعب المصري والسوداني.
تنمية سيناء أبهج الطبيعة البدوية التي عادت إلى الحضن المصري وتنفست هواء الأحرار وقد تناولت مرحلة التنمية في سيناء في مختلف القطاعات مثل لوحة " الخوخ " ولوحة " الكانتالوب " ولوحة " ترعة السلام " .
رسمت حتى الآن 360 لوحة خلال مشوار حياتي الفني الذي بلغ حتى الآن 45 عام كما شاركت فيما يقرب من 33 لوحة في معرض دولي ومحلي كان أشهرها المعرض الذي أقمته في ألمانيا وأيضا الاتحاد السوفيتي وكان أخر المعارض معرض أكاديمية الفنون المصرية.
حصدت العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى في مهرجان الفنون التشكيلية لفناني العالم والذي أقيم في موسكو عن لوحة " الصمود " كما حصلت على المركز الأول لمدة ست سنوات متتالية في معرض الشباب الذي نظمه المجلس الأعلى للشباب وأيضا المركز الأول للوحة " التكامل " في معرض تكامل الفنانين المصريين والسودانيين والجائزة الأولى في مسابقة وزارة الثقافة المصرية في المعرض الذي أقيم تحت عنوان " إبداع مصري أصيل " .بالإضافة إلى المركز الأول في مهرجان فنانين إقليم القناة وسيناء الذي أقامته وزارة الثقافة في الآونة الأخيرة .
يسعدني وجود العديد من اللوحات التي رسمتها تعبيرا عن الطبيعة السيناوية الخلابة والحياة البدوية الفريدة كمقتنيات في المتاحف الدولية والسفارات العربية والأجنبية والبنوك العالمية والقرى السياحية والهيئات والوزارات المحلية والعالمية .
نصيحتي لكل فنان يخطو خطواته الأولى هي الإخلاص في الفن والتأمل التام في الطبيعة والتعبير عن الأحداث والمشاعر والانصهار التام في المجتمع لتنفجر طاقاته وتعبر عن مشاعر الناس دون أن ينتظر العطاء .