كانت السماء صافية في رام الله بخلاف عادة تشرين الثاني، وكانت الحياة تدب في خشبة مسرح وسينماتك القصبة بشكل مختلف أيضاً... فالكبار والصغار يشتركون في هذه الأمسية الباردة نوعاً ما بالاستمتاع بعرض مسرحية"سندريلا" التي أختار أصحابها أن يطلقوا عليها شعار:"مسرحية لكل أفراد العائلة"، فيما فكرت أنا بتحرير الشعار قليلاً ليصبح" مسرحية لكل أفراد المجتمع".
يشرع الممثلون خالد المصري ودورين منير وعماد فراجين وفؤاد هندية ومنال عوض في تجسيد مسرحي للقصة العالمية ذائعة الصيت، التي تحمل اسم" سندريلا". عن تلك الفتاة الفقيرة التي تتعرض لاضطهاد اجتماعي واقتصادي.
فالفقر يحاصرها ويفسد عليها جمالها، ولا تسمح لها زوجة والدها بالحياة الحرة، وتلتحق بحفل الأمير لاختيار فتاة أحلامه في اللحظات الأخيرة، لكنها سرعان ما تختفي مع انتصاف الليل، وتترك وراءها شطراً من حذائها.
لكن"سندريلا" الفلسطينية، طرأت عليها تعديلات كثيرة فهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعاني آلام الإعاقة منذ أن خرجت إلى الحياة، وتتعرض لمعاملة قاسية من زوجة والدها، التي تنحاز لابنتيها على حسابها، وتتمتع بمال والدها، وتمضي نهارها في توجيه الأوامر لسندريلا أو في التسوق وتلبية رغبات ابنتيها"ريشة" و" سكرة".
تمنع زوجة الأب سندريلا المقعدة من التعليم، بدعوى أنها لا تريد أن يعرف الجيران بقصتها... وتجبرها على تجهيز أعمال المنزل الكثيرة. وتحرم من الخروج.
تحاول المسرحية التي أضحكت الأطفال وحاورت الكبار، تسليط الضوء على معاناة المعاقين في بلدنا، فالمدارس والمنازل والمؤسسات ووسائل النقل لا تراعي احتياجاتهم، والمجتمع يرفضهم.
يحدث التطور حينما تبرز عبير المرشدة الاجتماعية للمساعدة. فتتدعى زوجة الأب أن لا أحداً في العائلة يعاني الإعاقة. وتطردها وتطلب منها أن لا ترجع إلى المنزل ثانية.
تساعد العصافير التي صداقت سندريلا منذ البداية عبير في الوصول إلى رفيقتهم. وتشرع بدعوتها إلى عدم السكوت عن حقوقها في الحياة والحركة والخروج من سجنها وحصارها والذهاب إلى المدرسة.
وخلال الحفل الذي أقامه الأمير لاختيار عروسه، تصل سندريلا إلى القصر خلسة. وتقدم لها العصافير والمرشدة الاجتماعية المساعدة، شرط أن تغادر الحفل قبل الثانية عشرة.
تستقطب سندريلا من فوق كرسيها الأمير، لكنها سرعان ما تغادر القصر، خشية انكشاف أمرها من قبل زوجة والدها. يسقط شطر من الحذاء، ويشرع الأمير بالبحث عن صاحبته التي دخلت قلبه، وتحظى أخيراً بلقب أميرة.
يتساءل جورج إبراهيم، مُعد المسرحية ومخرجها:"هل خطر في بال أحدٍ أنه من الممكن أن تكون سندريلا هذه الفراشة الجميلة والصبية الرقيقة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتجلس على كرسي منذ ولادتها؟ وبالرغم من هذا يعشقها الأمير ويتزوجها، وتصبح أميرة البلاد؟"
يجيب :"نعم، لقد خطر كل ذلك في بالنا، وأعدنا كتابتها من جديد، وها نحن نقدمها على خشبة مسرحنا الفلسطيني لنناصر من خلالها جميع أحبائنا وأصدقائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة."
ما أن انتهت المسرحية، وعادت الحياة إلى الأضواء، إلا وسارع أسعد الأسعد المدير العام في وزارة الثقافة، والذي يستعد لدخول السلك الدبلوماسي الفلسطيني للقول:حينما أخبرني جورج إبراهيم بأنه سيقدم سندريلا المعاقة، اتهمته بالجنون.
ما أن أنهى الأسعد حديثه وكرم الممثلين والعاملين في المسرحية، إلا وتنافس الصغار في البحث عن سندريلا. راحوا يفتشون عنها، واقتحموا غرفة الملابس، إلى أن وجدوها تجلس على عربتها. حتى بعد أن انتهت المشاهد.
تستوقف شخصية سندريلا الحضور، فيتساءلون هل هي معاقة في الواقع أم الدور الذي لعبته... الصحافي القادم من الجولان سليم أبو جبل والشاعر مهيب البرغوثي و نورا كمال، هم أيضاً بحثوا عن الإجابة، إلى أن تيقنوا أنها تمثل الدور فقط، وتحرص على أن لا تنهيه بإسدال الستار عن المسرحية.
تقول لزميلك: يستحق المؤلف والمخرج التقدير ورفاقهم التقدير، على سندريلا الفلسطينية، وبخاصة أنها لم تنهض مع عودة الأضواء إلى خشبه المسرح من الكرسي المتحرك، لترسخ في أذهان الصغار أن الإعاقة لا تلغي الطاقة، وأن أصحاب الاحتياجات الخاصة هم بشر أيضاً، يعشقهم الأمير ويدخلون قصره، ويستحقون الحياة، ويناضلون لأجل حقوقهم، وتدخل العصافير في علاقة حميمة معهم لدرجة الخيال.
أحمد، الصغير الذي لم يتجاوز الست سنوات، تابع ووالداه المسرحية، وفتش هو الآخر عن الأميرة، تصور له براءته الصغيرة، أن العربة التي تركبها جرها الحصان، وأخذها بعيداً.
سمير، 8 سنوات، يقول أنه سيبدل نظرته إلى صديقه المصاب بالشلل، فهو لم يختر أن يكون معاقاً، ويستحق الحياة،كما أخبره والده على هامش المسرحية .
حنين الصغيرة، راحت تفتش عن العصفورين الذين رافقا سندريلا طوال المسرحية، ولم تفلح في العثور عليهما .
الجمهور صفق طويلاً للبطلة التي تجلس على كرسي الإعاقة. وبالتأكيد إن أصحاب الاحتياجات الخاصة سيسعدهم أن يشاهدوا سندريلا وأمثالها وقد انتزعوا حقوقهم ليس في خشبة المسرح فحسب، وإنما في الواقع.